تناقل الناعون خبر رحيل الاستاذ ابراهيم بن يوسف بن ادريس ”هباني“ ولان الموت حق وللموت حضور ومهاب يزرع في قلوب البشر الخوف ويدعوهم للفرار انكر قلب كل مشفق للخبر عن محبة وذهول ان يفارق ابراهيم الفانية في هذه اللحظات الفاصلة التي يكون البلاد والعباد اشد ما يكونون لحكمته وهدوئه وصمته، واورد ابن قيم الجوزية ان من دلائل حسن الخاتمة الوفاة يوم الجمعة.
مر بالذاكرة والخاطرة سيل من الاحداث والذكريات لمشاهد لا تمحي عن الرجل، فابراهيم طالب القانون في ارض الكنانة وابراهيم دارس الصيدلة وابراهيم الناشط صاحب الرسالة وابراهيم ابن ناظر وزعيم القبيلة واسد بحر ابيض شيخ يوسف الرجل المهاب، وابراهيم وريث الانصارية والمهدية واخو البنات ومقنع الكاشفات، وابراهيم صاحب السلطان والسياسي، وكل هذا وهو ابن الثلاثين لم يصل الي سن النبوة في الاربعين غير انه في وقاره وهدوءه كلام يفوق اصحاب الشيبة من السبعين خريفا،.. صفات قل ان تجتمع في شاب من عمره ذاك الا من يتدبر الاقدار ويقرا في كف الغيب – ولا يعلم الغيب الا الله- لعرف ان البداية لم تكن عن شخصية الرجل من هذه النقطة وهو في منتصف الثلاثين من عمره بل تعود الي يوم ولادته وتسميته وكان البعض يساله لماذا اختار لك الناظر اسم ابراهيم وانت لست اول ولد ولا آخرهم. كان يجيب بابتسامته الوضآءه : اسال الوالد! كناية عن رغبتهم في عدم احراج السائل لان الناظر يوسف سلم امانة الروح لبارئها قبل السؤال باربعين عاما، ربما انكشفت اجابة السوال اليوم في هذه الجمعة الاخيرة من جمادي الاول عام ١٤٤٣هجرية يوم رحيله بان ابراهيم الاسم هو اتصال بقدر الرحيل كما اورد اهل العلم في تفسير الايات من سورة النجم ” ابراهيم الذي وفى“ اي ابراهيم الذي اكمل الامر الي تمامه وادى ما عليه من التزام وابلغ رسالته كاملة، وحقيق بمن سماه ابراهيم ان ختامه لعله مثل ابراهيم الاول ابو الانبياء والله حسبه، فكل من عرف ابراهيم يوسف يعرف الصدق والالتزام والوفاء، بخلاف التدرجات التي مرت ولونت مسيرة حياته العامة والخاصة فلم تنقل عنه مجالس الخرطوم حديثا يوما في السر يستحي عنه اخرون في العلن بل كان كما نشهد والله حسبه صمته فكرة ونظره عبرة، وهذه صفة قلة ان تكون في سياسيي زمانه، فقد شهدت احداث الرابع من رمضان وما تلاها مساقط غوص لرجال في الوحل، خرج منها ابن يوسف نظيف الثوب عفيف اليد واللسان وتلك صفات كم يفتقدها وطننا اليوم اكثر وبلادنا تغوص في وحل الليالي الحالكة هذه.
دخل ابراهيم سليل البيت العريق للعمل العام برسالة محددة تحمل مسيرة متصلة من جهاد الانصار مستمر لكنه للدهشة دخلها مجاهد هادئ برسالة عصرية قوامها العلم والعمل، واستمر علي هذا بعد انكشاف الظهر وتفشي الخلافات والطعون ظل وفيا لمبادئه غير مبدل لها ومواصلا لرحمه غير قاطع له بطرف سياسة او خلاف راي، بارا جوادا لا تعرف يمينه ما انفقت شماله، يحاكي قول الفرزدق ” ما قال لا الا في تشهده لولا التشهد كانت لاءه نعم“
ما اغلق داره في وجه طالب حاجة ولا عبس او قطب جبينه امام مريد لامر او قاصد لخدمة بل العكس كان يأخذ من صحته وعمره ويزيد في ايام من معه
حتي انكشف المستور وفحص الاطباء جسده النحيل فوجدوا صدقاته وصلاته والله اعلم بها وهو حسبه قد ذهبت منه في دار الفناء وسبقته الي دار الخلود.. واجتهد اهله ان يرقعوا ما ذهب به في جهاده وبره واحسانه لكن هيهات
لقد كان ابراهيم هباني ”الذي وفى“ وفيا ليوم التناد حاضرا في ذهنه في كل مراحل عمره ميعاد هذه الجمعة ٣١ ديسمبر كان يستعد لزادهاااا وتزووويدها وتجهيزها، السفر طويل والزاد قليل، سبقه والده والدته وزوجه الاول، وسلساااال طويل من المجاهدين من اهله وعشيرته لكنه كان يعلم ان العرقوب سيكون علي كاحله وحده الرباط والحساب فردي والنفس يجب ان ينهاها عن الهوى فكان يقطع كما ذكرنا من ذاته وقوته وينفق وينفق
ساله سائل من اين لك هذا، اجاب بالصمت ولكن فضحته عيونه بنظرته الثاقبة تلك، اللهم اعطي منفقا خلفا، ولكن ما لم يتخيله احد ان ابراهيم ما كان ينفق من المال فحسب بل اكتشفوووا اخيرا انه بعد ان انحسر المال صار ينفق من الصحة والجسد ابتغاء مرضاة يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.. اللهم انه عبدك ابراهيم جاءك لا يحمل الا قلب سليم ونظف طاهرة ويد عفيفة ولسان ما سمع احد منه الا الخير
قال الشنابي وكأنه يعني ابراهيم يوسف:
جيتك بامتثال صاحبي المتمم كيفي
وابراهيم ثبات عقلي ودرقتي وسيفي
مطمورة غلاي مؤنة خريفي وصيفي
سترة حالي في جاري ومساي وضيفي
اللهم هذا عبدك ابراهيم بن يوسف جاءك وانت خير منزل ومكرم اللهم احسن قبوله في اعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
اللهم اجعل مزادة الصبر معينا لاهل بيته وعقبه وذريته
وكما جاء عن رسول الله صلي الله عليه وسلم في عزاء ابراهيم ابنه ”ان القلب ليحزن والعين لتدمع وانا علي فراقك يا ابراهيم لمحزونون“ او كما جاء في الحديث الشريف.
المدينة المنورة