استقالة حمدوك الي اين يتجه السودان: سيناريوهات كسر العظم  

الزرقاء ميديا

المحرر السياسي الزرقاء

ترى هل كانت مصادفة ان يقدم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك استقالته في يناير الشهر الذي شهد اعظم انتصار لارادة وطنية 

سودانية شعبية حقيقية تجسدت في دخول جيوش المهدية الخرطوم وطرد المستعمرين وقتل اخر حاكم انجليزي مستعمر كان فيها في 

 (٢٦ يناير ١٨٨٥م)؟؟

سيبقي السطر اعلاه مجرد سؤال اعتباطي بالنظر الي سطح الاحداث ان لم ننظر الي السياق الكلي لاعماقها فالمهدي وجيوشه كانت تمثل مشروع ارادة وطنية ظل يرفد الساحة السياسية السودانية حتي بعد ان تبدلت وسيلة الجهاد من السيف الي السياسة وكان شعار السيد عبد الرحمن نجله ومجدد المهدية الثانية ”السودان للسودانيين“ بينما يبقي حمدوك بحضوره واستقالته ينظر اليه الكثيرون على انه راس الرمح في مشروع استعمار ناعم قام علي ان يكون جل همه هو اعادة البلاد الي ربقة المستعمرين وجعلها مجرد مساير يمشي ذليلا في ركبهم. 

ومنبع حسرة الذين يكيلون لحمدوك هذا الاتهام الغليظ انه سعى الي ترضية الغربيين بسفاسف الامور في البحث عن قضايا الهوام مثل الجندر والمثيليه وقضايا الناشطين تحت ستار التقدمية لكنه لم يذهب الي الاستفادة من الغرب في قضايا التنمية والصناعة والتعليم ومشاريع التحديث في الزراعة والنهضة العمرانية والصحية وغيرها،. بل كان كل همه هو مخاطبة انصاره وجموع مؤيديه من خلال دغدغة مشاعر تتمحور حول ذات الشخص ولا تخدم مجتمعه، انكي واضل ان طرح هذه القضايا لم يتم عبر حوار فكري مجتمعي بل تم اصدار فرمانات سلطانية فوقية تستورد حلول لقضايا لا تخصه ولا تمثل معضلة يومية في حياته كل هم مثيريها ان يفوزوا بسطر في صحيفة غربية انهم اول من انجز كذا في مجتمع افريقي متاخر عن ركب الحضارة! ولا يهم ان كانت مشاكل ها المجتمع الحقيقية في ماء الشرب وماء الري والزراعة والنظام الصحي المشرف علي الانهيار والنظام التعليمي الذي ظل معطوبا منذ ان وصل السيد حمدوك الي كرسيه برفقة مشايعيه، يزيد الامر طغثا علي ابالة ان المجتمع السودانى ثار يوميا علي بسبب كرامته حتي اقتلع بلاده من صراعات امبراطوريات مشاكسه وقتها ” العثمانية والفرنسية والبريطانية“ بل وظل يقاتل لعقود طويلة من اجل كرامته وعزته، لياتي من يريد اعادة الاستعمار اليه بوجه جديد ناعم بادعاء العودة لحضن الاسرة الدولية التي خلفت دعوتها الخراب الاقتصادي والثقافي وتشك علي اهارة نسيج المجتمع نفسه وتفكيكه.

وفي المقابل يرى انصار مشروع حمدوك من وكلاء المشروع الغربي المتدثر بالليبرالية ان حمدوك يجب ان يصبر عليه لان عمله ياتي ثماره في المدي الطويل، لكن هؤلاء ازمتهم ان معالم المشروع التي يدعون اليه غير واضح المعالم ولا يوجد سند شعبي حقيقي يسانده الا الجالسون خلف كيبورد السوشال ميديا الذين سيفتضح مدي شعبيته امتحان ديمقراطيتهم في اول انتخابات قادمة يكون شبحها فزاعة شديدة الوطأة عليهم يحاولون الفرار منه باختلاق الذرائع للفكاك منها. 

وهنا تكمن المفارقة ان كل ضلع في حكام الخرطوم يلوح ببضاعة لشريك خارجي لا يملك مادتها الاساسية في يده، فالتحالف الذي حكم بعد رحيل الانقاذ وايداع قادتها في السجن ويتكون من ثلاث اضلاع رئيسية الاولي العسكر بمختلف درجاتهم،جيش او دعم سريع والضلع الثاني المدنيون وكانت حاضنتهم هي تحالف قوي الحرية والتغيير المعروف بقحت والثالث هو الشريك الخارجي وهي كلمة فضفاضة يبدو في مظهرها الاقليمي الخليج ومصر شركاء للعسكر والقوي الغربية التي تربصت بنظام البشير وتفضل في ظاهرها حمدوك وقحت، فسيرورة الاحداث اظهرت ان العسكر – بالضرورة يمثلون الجيش- وهو سر غير مخفي لدوره في الحروبات الاقليمية ولكن مسار الاحداث يكشف ان سيطرة القادة الحاليين ليست محكمة ولا مقنعة لقواعدهم ولا ادل علي هذا ان اكثر من سبعة انقلابات عسكرية اعلنت عنها السلطة قد وقعت في ظرف ٢٢ شهرا مما يعني انقلاب كل تسعين يوما وهو امر قياسي غير معهود في السودان، وثانيهما ان قحت التي تعرض نفسها للغرب بانها بنت الديمقراطية وربانة عقيدتها وان تحالفها هذا من اجل اقرار نظام ديمقراطي في البلاد، هذا التحالف يهرب من الدعوي للانتخابات كفرار السليم من الاجرب، فباستثناء حزب الامة ” صادق المهدي“ نجد ان بقية عناصر التحالف لم يحالفها الحظ في دخول برلمان وطني في اي انتخابات سابقة معترف بها، بل ويكشف قادة كبار في التحالف هذا ان بعض شركاءهم طالب ان تكون الفترة الانتقالية عشر سنوات بدعوي كنس اثار نظام الانقاذ. الطرف الخارجي ايضا وهو شريك فاعل الحضور في المشهد غير متحمس لاجراءات عميقة او جراحية تعقد المشهد فلديه الان صراعاته الكبري في شرق اوربا وجائحة كورونا واثارها الاقتصادية العميقة، وتفشي نزعة القوميات بعد ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي كلها تشكل مجموعة عناصر تقعد بالقوي الدولية الفاعلة من ان تدخل وتصنع تأثيرا واضحا او تنحاز لطرف وبالتالي ستترك المشهد لحلفائها الاقليميين مثل مصر والخليج والاتحاد الافريقي واسرائيل التي جاءت للواجهة من الخفاء لكل كل عناصر هذه التشكيلة يبكي منفردا على ليلاه التي يغني لها، فمصر تري في المدي القريب او البعيد قضية سد النهضة والانفجار السكاني عندها والازمة الاقتصادية الموروثة كلها امور تدفعها لخلق نوع من الوصاية الذكية علي السودان بالتالي تحبذ دعم العسكر واستدامة وجوده لكن بقبضة قوية تمنع تفكك الدولة لما يجره من تبعات امنية علي الحدود معها لا تتحمل هي تكاليفه، ويشاركها في هذا الطلب اسرائيل التي تريد من السودان ان يكون بلد متماسك تحت قبضة واحدة تمكنها من تطوير ابحاث زراعية وصادرات حيوانية ونظام بنكي يرتبط بتل ابيب في تعاملاته التجارية الخارجية ومعروف ان الخليج المرتبط بالمشهد حاليا يسير في البساط المصري الاسرائيلي، وهو امر لا يمثل تناقضا مع جوهرة عقيدة المؤسسة العسكرية السودانية التي تري وحدة البلاد واستقرار امنها هو مبرر وجودها الاساسي كمؤسسة. وبالاضافة الي هذا فان العسكر يرون ان التحالفات الاقليمية الحالية هي ضرورات واقع املتها مخلفات ارث الانقاذ التي ادخلت السودان في اجندة لا ناقة له فيها ولا جمل مثل تحالفه مع ايران وجعل الارض السودانية معبر للسلاح الايراني الي غزة ومغامرة اغتيال حسني مبارك وغيرها من مواقف عدائية دفع ثمنها الشعب السوداني بدون طائل فكان لابد من اعادة كتابة جديدة للتحالفات بصورة تضمن الامن القومي للبلاد في اطار اقليمي متسق مع جيرانه.

السودان
Comments (0)
Add Comment