لم تكن علاقتي بالفريق اول عبدالرحيم محمد حسين علي ما يرام ، وذلك لسوء تفاهم قد لا يذكره الفريق أول عبدالرحيم في العام ١٩٩٩م بعد المفاصلة وقضية الأسلحة المشهورة، حيث تلقيت إتصالاً منه حول تغطيتنا الإخبارية في التلفزيون وقد اغضبه ردي ، وربما نسي هو الأمر مع مشاغله وأصبح ذلك حاجزاً نفسياً بالنسبة لي، غفر الله لنا ، ولم أكن اشهد لقاءاته ودعواته في داره، بل تجنبتها بقدر ما أستطيع، حتى تكليفه والياً للخرطوم يونيو ٢٠١٦م..
فقد التقيته وبإصرار من الأخ الكريم محمد حاتم سليمان لترتيب لقاء تلفزيوني وكنت قد صارحته بموقفي منه.. المهم حضرت الإجتماع برفقة الأخ الكريم حاتم..
وبعد عشر دقائق من بداية اللقاء تبدلت كل قناعاتي ومواقفي وأكتشفت شخصاً آخراً بقدرات مذهلة وإلتقاط ذكي للأفكار والآراء ويمتلك ذاكرة بالأرقام والإحصاءات والبيانات.. واللقاء الذي تم تحديده مسبقاً بنصف ساعة ، أمتد لثلاث جلسات وكل واحدة تجاوزت ٩٠ دقيقة وتحول لبرنامج عمل..
وخرجت من هذا اللقاء وإمتداد التواصل بحقيقتين عن شخصيته: وفاء شديد وعفوية محببة.. وقدرة على التخطيط والمتابعة..
ووفاء الفريق أول عبدالرحيم لوطنه وفكرته والقوات المسلحة وصداقة الرئيس تمثل مفتاح شخصيته، وفى سبيل ذلك بذل وقته وجهده، وهو في ذلك باذل للنصح وشديد الحرص والوفاء، تولي مهام رئاسة الجمهورية فجعل ذلك مناط جهده، وتولى حقيبة الداخلية اخلص فيها العمل والنماذج والعطاء وتولى حقيبة الدفاع، كان الفريق أول عبدالرحيم وفياً للرئيس البشير كرمز للقيادة ومع ذلك كان بالغ النصح والرأي، يجهر برأيه دون مواربة ويدافع عنه بصلابة، وبعفويته تلك، وبساطة ملحوظة، وهذه نقطة غائبة عن الكثيرين..
وقد يبدو الحماس طاغياً لدى الأخ الفريق أول عبدالرحيم، ولكن كل شئ عنده يؤسس على قناعة..
وأما الخاصية الثانية هي القدرة على التخطيط والمتابعة وإلتقاط الأفكار..
لقد فقدت الخرطوم في عهد الفريق أول عبدالرحيم اكبر موارد الدعم (الأراضي)، ومع ذلك استمرت المشروعات وتم إكمال جسر سوبا و(حلحلة) تعقيدات كبرى الدباسين وتوسعت الطرق الداخلية وبناء اكبر شبكة مياه وتمددت الخدمات الصحية وافتتح مستشفى الريف الغربي (الجزيرة إسلانج) ومستشفى امبدة واكتمل مستشفى جبره (كورونا) وتمت خطط واسعة في مجال التعليم واكتفت الخرطوم حينها من الخضروات واللحوم البيضاء والألبان و٨٠٪ من الفواكه ، وذلك من خلال (التحصيل الموحد) وتوسيع الإيرادات وتقليل الفاقد الضريبي وتوظيف الصرف.. وتم عمل خريطة شاملة وشراء طائرات مسيرة (درون)، للإحصاء لكل كيلومتر مربع من العاصمة، (السكان والمساكن وتوزيع الخدمات والطرق والمنشآت والمزارع.. الخ).. سألت عن ذلك، قال لي، فكرة اخونا عبدالرحمن (الله يجزيه خير) وطورناها.. ويقصد بالتأكيد د. عبد الرحمن الخضر..
ولكل قضية لديه أرقام، المواصلات عدد السكان، كذا مليون، عدد الباصات كذا والحافلات ١٠٠ الف، القوة التشغيلية ٥ مليون و٢٠٠ الف، لدينا فاقد كذا مليون..
الحركة في الخرطوم ما بين ١٦ ك/ساعة لي صفر في اوقات الذروة، وتتطلب زيادة الجسور والكباري..
الخرطوم بها ٢ مليون و٧٠٠ الف طالب وطالبة، منهم ٥٥٠ الف بالجامعات، ومليون و٢٠٠ الف ثانوي ومليون و٩٠٠ الف اساس والبقية رياض وخلاوي.. والتكدس بنسبة عالي في امبدة، وفصول خالية بشرق النيل..
فهو رجل دولة بكل معنى الكلمة.. وإن سعى البعض لتحويله لمجرد شبح.. إن الطالب الذي درس الهندسة ونبغ فيها وتخصص في هندسة الطائرات تم تصويره كأنه (لا يفهم)، والشاب الذي درس ماجستير التصميم الهندسي في المملكة المتحدة جامعة قرينفيلد تم بناء صورة ذهنية عنه كأنه بلا معرفة..
وتلك صورة تراكمت حتى عند الإسلاميين..
وقد دهشت حين لقيت شاباً متحمساً ليلة إقرار حكومة الأخ معتز موسى وقال لي (لا فائدة من التعديل إن لم يضمن إقالة عبدالرحيم من ولاية الخرطوم) وفوجئت ان عبدالرحيم فعلاً في قائمة جانبية.. وهذه سمة الدولة حين تتآكل قوة السلطة من الداخل..
إن الفريق أول عبدالرحيم، ضحية متلازمة بناء الصور الذهنية وصراع مؤسسات السلطة، فقد ركز عليه إعلام المعارضة لقربه من الرئيس البشير، وهذا القرب – أيضاً – سبب لتقاطعات المواقف وآراء وأحداث داخلية..
والشاب الذي أحرز درجة متقدمة في الرياضيات المتخصصة ودرس الهندسة، لا يمكن وصفه سوي بالذكاء والحضور الذهني والقدرة على التحليل.. وهو كذلك..
.. لقد ظل الفريق أول عبدالرحيم منذ العام ٢٠١٩م وبقية إخوانه في الحبس والإعتقال، وهو أكثر المسوؤلين إنجازاً في تاريخ القوات المسلحة من البنية التحتية والإهتمام بالافراد، ومن أكثر المسوؤلين إنجازاً في تاريخ الشرطة من إهتمام بالأفراد والمؤسسات الإجتماعية والتأهيل والبنية التحتية.. فإن تغشت الأبصار بالعمى، فإن بصائر الحقيقة تبقى وشواهد التاريخ.. التحية للفريق اول عبدالرحيم وفك الله أسر كل المعتقلين والمحتجزين..