خالد عمر ( سلك ) يتحدث عن خطط لعودة قوي الثورة من جديد

الزرقاء ميديا

منقول من صفحة خالد عمر يوسف

رحم الله شهداء ثورة الحرية والكرامة التي يخوضها هذا الشعب بلا وجل أو يأس .. الحزن الآن سيد المشهد فما من قلب حي لا يعتصره الألم على فقد هؤلاء الشباب الأخيار، ولكن الحزن وحده لا يكفي للوفاء لما مضوا من أجله، فأسمى صور تخليد ذكراهم تكون بتحقيق غاياتهم التي استشهدوا من أجلها، الأمر الذي يتطلب مزيداً من العمل والتضحية والتفكير في أنجع الطرق وأفضلها لهزيمة هذا الإنقلاب وتأسيس نظام مدني ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وكرامته.

في هذا المقال أريد أن أسطر بعض الملاحظات على المسار الذي نسلكه الآن في مقاومة الإنقلاب، وبعض الآراء التي يجب أن تقال بوضوح وصراحة حول المشهد الراهن.

أولاً: قيام المركز المدني الموحد لمناهضة الانقلاب هو شرط لازم لهزيمته، وبدونه من غير المرجح حدوث أي تغيير مدني ديمقراطي، وتأخير قيامه هو السبب الرئيسي في إطالة عمر الإنقلاب. هذه الحقيقة لا يمكن الهروب منها باستخدام أي فذلكات لغوية أو التسربل بشعارات طهرانية! المنطق البسيط يقول أن انتقال السلطة بأي طريقة متصورة يتطلب وجود هذا المركز الذي يمتلك المشروعية الحصرية، فلو قرر الجيش الانحياز لمطالب الشعب على سبيل المثال فإنه يحتاج لطرف مدني محدد يعبر عن أوسع قطاع من قوى الثورة ليسلمه السلطة، ولو قررت المجموعة الحاكمة تسليم السلطة تفاوضياً من تلقاء ذاتها فهي تحتاج لطرف مقابل لا تنازع حول مشروعيته. ما حدث في ١٩ ديسمبر الماضي يوضح هذه الحقيقة بجلاء وهي أن الانقلاب حينها قد سقط، ولكن لم يكن الشق المدني موحداً وجاهزاً لالتقاط قفاز المبادرة ورسم طريق الانتقال الجديد.

ثانياً: ما يعطل قيام المركز الموحد بكل أسف هو الصراع حول من يحوز السلطة عقب سقوط الانقلاب .. ضعف الانقلاب وعزلته أغرى اطرافاً عديدة للظن بأن سقوطه حتمي وقريب. لذا فإن معركة بعض الأطراف المدنية انتقلت من توجيه سهامها لصدور سلطة الانقلاب لخوض معركة ضد رصفائها من القوى المدنية الأخرى لسبب وحيد هو أن إبعاد أكبر عدد من الأطراف المدنية من معادلة الانتقال القادم تعني حيازة الطرف المتبقي على مقدار أكبر من السلطة! هذا الأمر ليس محض تحليل بل أنه قد ورد صراحة في أدبيات عديدة في مشهدنا الراهن اليوم منه ما أوردته صحيفة الميدان الصادرة بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠٢٢ في سياق رد الحزب الشيوعي السوداني على مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم حيث ورد النص الآتي “ودار نقاش مفيد وبناء حول استراتيجية الحزب المتمثلة *في بناء كتلة التغيير الجذري أولاً، وأهمية أن من يصنع الثورة بالضرورة أن يحكم تجنباً للتجارب السابقة.”*

ثالثاً: هنالك شواهد عديدة على أن صراعات الأطراف المدنية هي بالأساس حول مشروعية تمثيل الشق المدني عقب الإسقاط، منها على سبيل المثال أن هذه الصراعات لم تكن موجودة بهذا الشكل المتوحش قبل ٢١ نوفمبر .. حينها كان الشارع موحداً بصورة واضحة لأن رمز المشروعية كان محدداً وهو د. عبدالله حمدوك الذي كان الغالبية العظمى تطالب بعودته، رغماً عن أن د. حمدوك قد جاء لهذا الموقع وفقاً للوثيقة الدستورية ٢٠١٩ واختارته قوى الحرية والتغيير إلا أن هذه القضايا لم تثر حينها! الذي حدث عقبها هو أن د. حمدوك فقد رمزيته بتوقيعه للاتفاق وبالتالي انفتح السؤال واسعاً أمام من يرث هذه المشروعية .. هنا بدأ كل طرف يخرج سلاحاً ثورياً ليشهره في وجه الطرف الآخر، وبدأ الحديث عن من فعل ماذا .. وعلى أهمية كل النقاشات إلا أن هدفها هنا كثيراً ما يكون غير ما هو معلن تماماً.

رابعاً: تأخر قيام هذا المركز الموحد يعني منح السلطة الانقلابية وأطراف أخرى فرصة أوسع لفرض واقع جديد قد يغير المعادلات الحالية بصورة لا تعود لمصلحة التحول المدني الديمقراطي، فالسلطة الانقلابية في كل يوم تبقى فيه في سدة الحكم تفرض سيطرتها وهيمنتها على مفاصل الدولة وترتب أوراقها بصورة أفضل. أيضاً فإن عناصر النظام البائد قد وجدت مساحة تنفست فيها الصعداء بزوال كابوس المرحلة الانتقالية السابقة وأدواتها التي استخدمتها في حصارها وعلى رأسها لجنة إزالة التمكين، لذا فكلنا نشاهد اليوم عودتهم للسيطرة على مفاصل الدولة وتمددهم في مجالات شتى وعلو صوتهم في ركوب موجة الثورة الحالية، مستفيدين من خطابات الشقاق الداخلي بين القوى المدنية الديمقراطية التي توفر لهم خدمات مجانية عجزوا عنها لعقود طويلة من قبل. 

خامساً: من المهم دراسة تفاعلات وضعنا الداخلي مع العوامل الاقليمية والدولية المؤثرة عليه .. هنالك قوى إقليمية عديدة معادية للتحول الديمقراطي المدني في السودان لأسباب متباينة، وهي تستثمر في حالة الانقسامات الداخلية هذه التي توفر لهم مساحات يسهل التمدد فيها وتشكيل الأوضاع وفقاً لمصالحهم ورؤاهم. هنالك عامل دولي مستحدث، علينا أيضاً أن لا نسقطه من الاعتبار وهو الدخول المكثف للجانب الروسي في المشهد السوداني .. نظرة متعمقة في طبيعة النشاط الروسي في دول مثل افريقيا الوسطى وليبيا ومالي بل وحتى دول أكثر استقراراً مثل جنوب افريقيا، توضح بأن التحدي المطروح أمامنا غير تقليدي وقد يدخل البلاد في دوامة يصعب الخروج منها مستقبلاً. التصدي للمخاطر الاقليمية والدولية رهين بتأسيس وضع دستوري ذو مشروعية شعبية واسعة تغلق الطريق أمام تسرب أي أجندات غير مرغوب فيها من خلال ثقوب الانقسامات الداخلية.

أخيراً .. ما العمل؟

في تقديري المتواضع فإن المخرج العاجل هو إقامة مركز مدني موحد ينوع وسائل المقاومة ويستخدم طرق عديدة سياسية وميدانية في إنهاء الوضع الانقلابي الحالي وتأسيس السلطة المدنية الكاملة. نشوء هذا المركز يتطلب حل سؤال واحد يعطل قيامه الآن هو سؤال السلطة، والمخرج هنا هو تجنب سؤال السلطة وليس الانغماس في التنافس حولها .. بمعنى أنه المطلوب عوضاً عن الانشغال بمن يحوز ماذا عقب هزيمة الانقلاب، بأن يتم الاتفاق حول آلية محايدة متراضى عليها تقوم باجراءات نقل السلطة حينها. هذه الآلية يجب أن تكون خارج معادلات الاستقطاب الحالية، وتقلل من التنافس حول السلطة بقدر الامكان، وتحوز رضا الفاعلين الأساسيين من لجان مقاومة وقوى سياسية ومدنية مناهضة للانقلاب.

بالوصول لهذه الآلية يمكن التركيز على الواجب الأهم حينها .. واجب الآن الذي لا يجب أن يتأخر وهو تكوين مركز موحد متفق في رؤية التغيير المطلوب ويقوم على أساس تنسيقي تحتفظ فيه كل جهة بكينونتها وتقسم فيه الأدوار وفقاً لطبيعة كل جهة من الجهات دون تداخل بينها، فالأحزاب لها أدوار محددة وللجان المقاومة أدوار معلومة وللمهنيين والمجتمع المدني العريض أدوار أخرى وكل هذه الأدوار تتكامل مع بعضها البعض ولا تتعارض لطالما كان الهدف واحداً موحداً. هذا المركز التنسيقي يوحد ثلاثة مجالات رئيسية هي الموقف السياسي العام والاستجابة لتطوراته، والعمل الميداني المشترك عبر استخدام وسائل عديدة توسع من قاعدة المشاركة الشعبية وعدم التركيز على طريقة واحدة، والخطاب الإعلامي الموحد الذي يصوب الرسائل في اتجاه مناهضة الانقلاب فقط ويتجنب أي معارك بين قوى الثورة لأي سبب كان.

#وحدة_قوى_الثورة

خالد سلك
Comments (0)
Add Comment