عارف الصاوي يكتب: حميدتي بين الاستراتيجي والتكتيكي

يتيح لنا عملنا في المجال الصحفي معرفة واسعة بمحاولات التاثير على الراي العام. في الفترة الاخيرة لاحظت ان محاولات التأثير اقرب للعبثية احيانا. في ناس كتار بيصيغوا اراء واحكام وبتكرارها يصدقها الناس على اساس انها حقائق. غالبا الذين يقومون بذلك لديهم اجندة محددة يريدون تجاوب الراي العام معها ودي معروفة من حملات العلاقات العامة والاعلانات وتستخدم جماعات الضغط اساليب تاثير بنمط محدد حتى يمكنك متابعتها ومعرفتها اذا قمت بدراستها.
في هذا استطيع ان اقول ان الفريق محمد حمدان دقلو هو الوحيد الذي تستطيع ان تلحظ ان لديه استراتيجية واضحة وكل ما يقوم به هو وجماعته والمتعاقدين معه يعملون لتنفيذ تلك الاستراتيجية ولغفلة الجميع يبدو انه يحرز فيها تقدما واضحا.
حميدتي يدفع اموالا طائلة لشركات ومتخصصين وجماعات ضغط لمساعدته في رسم هذه الاستراتيجية وفي تنفيذها خطوة بخطوة.
هل يجب ان يقلقنا ذلك؟
طبعا. يقود حميدتي اكثر قوة منظمة في السودان، يستثمر في معظم المجالات الحيوية في السودان من البنوك للثروة الحيوانية والتعدين ويسعى لقطاع الاتصالات وعينه على التجارة الحدودية واقام علاقات مع حكومة جنوب السودان، افريقيا الوسطي، تشاد، الامارات، اثيوبيا، اسرائيل والان روسيا التي سيزروها قريبا. كل ذلك يقوم على علاقات بزنس معقدة ومصالح وعلاقات عمل شخصية. يستغل فراغا واسعا ويتمدد بسهولة كلما سنحت له فرصة. يقف بنفسه على هذه الاستراتجية، يتخذ القرارات كانت ضمن صلاحياته ام لم تكن.
الان وقد عرفنا ماذا يريد الرجل، ما هي احتمالات الوصول لهدفه؟
قل ان نسبة نجاحه الان 30 بالمائة ويعمل كل يوم لزيادة هذه النسبة. كل يوم هو يخطئ ويصحح خطأه دون منافسة من احد ولا انتباه من احد. مع الوقت هو يتعلم يساعده في ذلك جيش من المدنيين والخبراء والاهم انشغال الجميع عنه. لا لوائح ولا قوانين ولا اطار دستوري ولا راي عام ملم ومهتم بمعرفة ما يحدث. نتحدث عن راي عام تعمل جهات كثيرة لتشتيت انتباهه منهم جماعة حميدتي، المحاور، الاستخبارات، المتعاقدين الروس. لكن المحير هو جماعة التحول الديمقراطي انفسهم يلعبون دورا كبيرا في تضليل الراي العام اما بالسواقة بالخلا او بالمعلومات غير الحقيقية او بالكلام الساي او بعدم الاهتمام بالوقائع.
يستغل جماعة حميدتي كل ذلك ويحرزون تقدما ملحوظا لتحقيق استراتيجيتهم في السيطرة المطلقة على السلطة. اذا نجح في ذلك، ماذا سيفعل المناضلون؟ سيعودون لنضالهم الطويل الذي لا ينتهي، سيخرجون من المشهد تلقائيا وسيفقدون ادوات اتصالهم مع الجماهير وقد يعودون الى المنافي مرة اخرى. سيضعف ذلك من تاثير حملاتهم وتدريجيا سنفقد اي فرصة لدولة ديمقراطية مدنية.
مشكلة فوز حميدتي تكمن في انها لن تكون الا سيطرة مطلقة على مقاليد الامور. قد يقاومها الناس بضراوة، لكن المهم سيكون على الشباب والشابات ان يناضلوا وظهرهم مكشوف، سيناضلون بدون معرفة وبدون معلومات وسيعمل ” الخبراء على تشتيت انتباههم لقضايا ثانوية وغير مؤثرة وقد لا تستطيع ان تغير معادلة السلطة. سيحدث هذا السيناريو تدريجيا على كل حال وفي اثناء ذلك سيكون السؤال What are you going to do about it?
السيناريو الثاني يستند على هذا السؤال ، لكن يعتمد بالاساس على الادراك للمصالح المشتركة وعلى الضرورة السياسية للتكتل والتحالف. اعرف ان كثيرين يعتقدون ان صيغ التحالفات القديمة لن تنجح. الخطأ الاساسي هنا هو ان الخلاصة نفسها خطأ . المشكلة ليست في فكرة التحالف وانما في صيغ التحالف القديمة. اذا ادركت ذلك، غالبا ستتعرف من قرب على مشكلة التحالف القديم. لماذا لم ينجح وما الذي يجعله ينجح؟
اولا من الملاحظ ان هناك خطاب سلبي ” قنعان” من اي شئ ويصور التاريخ والحلفاء والتجارب والخبرة على اساس انها من منتجات النادي السياسي القديم لا فائدة منها. لا فائدة من معرفة ما كان يحدث في السودان ولا فائدة من التاريخ ولا خبرة مستنبطة منه . يظن هؤلاء ان شئيا جديدا سيتأسس من خيال سياسي لا يعرف ما حدث في السودان ولا ماحدث في دول الجوار ولا في اي رقعة من العالم. يتحدثون عن تجربة جديدة لنج لا ينفعها التاريخ ولا تجربة البشر.
ما هي نتيجة ذلك؟
امامنالا مسارين، مسار هو ما يفعله رجل بامكانياته وموارده واصدقائه في اتجاه واحد وهو السيطرة على السلطة وحينما يفعل ذلك سوف لن يخضع لقوانين التداول السلمي للسلطة وستكون سيطرة مطلقة باي وسيلة ممكنة.
مسار ثاني: على راسه الاحزاب والمجتمع المدني والصحافة والمواطنين الذين يتوقون للعدالة ودولة القانون. هذا المسار بلا استراتيجية واضحة، يقبلون على بعضهم يتلاومون كلما سنحت الفرصة. يهدرون اي فرصة في تغيير مسار السياسة لتكون في صالح التحول الديمقراطي بالمعنى الاجرائ .
كيف يمكن تغيير ذلك؟
الاجابة هي ببساطة تكمن في سؤال اخر وهو ” هل يفرق ان سيطر حميدتي او اي شخص اخر على السلطة في اطار دستوري للتداول السلمي للسلطة تحرسه قوى شعبية ملمة ومدركة لمخاطر الانفراد بالسلطة؟ ام الافضل ان تترك الملعب كله تمهيدا لاستبدادية جديدة، لكن هذه المرة طويلة الامد؟

Comments (0)
Add Comment