تسعي الدول وفي اطار تحقيق النمو والتنمية الي الاهتمام بالاستثمار كآلية ناجعة لدفع عملية التنمية الاقتصادية والاحتماعية من خلال تطوير وتحسين
بيئة الاستثمار الأجنبي المباشر لسوء مناخ الإستثمار فيها و عدم الإستقرار الأمني وانتشار الفساد.
تمثل الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال شركاتها المتعددة اكبر مستثمر في المنطقة العربية عكس الصين والتي يظهر وجودها الاقتصادي من خلال التبادلات التجارية بالرغم من طرحها لمشروعات مبادرة الحزام والطريقس.
مجهودات الجامعة العربية لتحسين مناخ الاستثمار بالدول العربية:
سعت جامعة الدول العربية ومنذ إنشائها إلى تعميق التكامل الإقتصادي العربي من خلال جملة من المشروعات والإتفاقيات و لأن الاستثمار يعد من أهم محركات النمو الإقتصادي و خلق فرص العمل فقد أولته الجامعة إهتماماً كبيرا و فيما يلي نبرز أهم مجهودات الجامعة العربية لتحسين مناخ الاستثمار في المنطقة العربية:
1- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول عربية:
تم التوقيع على الاتفاقية الموحدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية عام 1980 وتم مراجعتها من قبل فريق عمل من واضعي السياسات الاستثمارية عام 2012 و تم التصديق عليها من قبل ثمانية دول بعد تعديلها و تهدف الاتفاقية المعدلة إلى زيادة الإستثمارات البينية للدول العربية من خلال تعزيز التعاون بين الدول العربية بوضع معايير مشتركة و تبادل المعلومات حول القواعد و الفرص التجارية.وتقوية التكامل الإقتصادي الإقليمي باتمام اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى و تعزيز الوصول إلى أسواق الإقليم.وتحقيق التنمية المستدامة و تحسين مستوى معيشة المواطنين العرب .و نسبة لعدم توقيع 14 دولة عربية على الإتفاقية المعدلة تم إعادة دراستها للمرة الثالثة و إقتراح اتفاقية جديدة لتحل محل الإتفاقية الأصلية والمعدلة خاصة وأن لجنة الخبراء التي قامت بالدراسة وجدت أن هناك العديد من الإشكاليات القانونية و الملاحظات الجوهرية والتي لا يمكن معالجتها بمجرد إجراء بعض التعديلات على الإتفاقية المعدلة، بل سيتطلب الأمر إعداد إتفاقية استثمار جديدة تكفل استقطاب كافة الدول العربية للتوقيع والمصادقة عليها وإزالة معوقات عدم الإنضمام إضافة إلى استصحاب التطورات الدولية والاتجاهات الحديثة في مجال اتفاقيات الإستثمار الدولية، فضلاً عن إقامة توازن أفضل بين حقوق و مصالح المستثمرالعربي و حقوق و مصالح الدول العربية المضيفة للإستثمار، كذلك راعت الإتفاقية الجديدة وجود آليات فعالة و واضحة لتسوية المنازعات بين المستثمر والدولة المضيفة كذلك الأخذ في الحسبان أبعاد التنمية المستدامة من حيث الحفاظ على الموارد الطبيعية المتجددة والبيئية و الصحة والتراث الانساني على نحو يضمن حقوق المستثمر و الدولة المضيفة و أيضاً مواكبة التطورات الجديدة في مفاهيم و مكونات و مخرجات الإستثمار لتوفير مناخ جاذب و مشجع للإستثمارات العربية.
2- إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى:
تمثل التجارة و الإستثمار ركيزتان اساسيتان في تنمية الإقتصادات العربية و لهذا السبب تم توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 1997 و دخلت حيزالنفاذ منذ عام 2005 و تهدف الإتفاقية إلى زيادة التبادل التجاري البيني العربي من خلال إزالة الحواجز الجمركية و غيرها أمام السلع العربية.
3- اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية:
تهدف هذه الإتفاقية إلى إنشاء منطقة حرة في الخدمات بين الدول العربية من خلال وضع إطار عام للتحريرالتدريجي لتجارة الخدمات بين الدول العربية وإيجاد بيئة مواتية لتسهيل التجارة في الخدمات فيما بينها بهدف تعزيز و تفعيل التعاون و التكامل الإقتصادي العربي و تعزيز المصالح المشتركة في مجال الخدمات على أساس المنفعة المتبادلة و التوازن بين الحقوق والإلتزامات، و دخلت هذه الإتفاقية حيز النفاذ من أكتوبر 2019.
4- مؤسسات التمويل العربية:انشأت الجامعة العربية عدد من المؤسسات لدعم العمل العربي الاقتصادي المشترك واهمها :
– صندوق النقد العربي :وهو مؤسسة مالية رائدة في مجال دعم الإصالاحات الإقتصادية و المالية و النقدية في المنطقة العربية، أنشأت بقرار من المجلس الإقتصادي و الإجتماعي لجامعة الدول العربية بتاريخ 8/12/1975.
– الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي و الإجتماعي: مؤسسة مالية إقليمية عربية تنصب أغراضها في تمويل المشروعات الإنمائية الإقتصادية والإجتماعية و يلبي احتياجات التنمية في الدول العربية، أنشأ بقرار من المجلس الإقتصادي و الإجتماعي بتاريخ 18/5/1968.
– المؤسسة العربية لضمان الاستثمار و ائتمان الصادرات: تأسست عام 1974 كهيئة عربية مشتركة لتأمين المستثمرين و المصدرين و البنوك من المخاطر السياسية و التجارية وتعمل المؤسة منذ إنشائها على تشجيع تدفق رؤوس الأموال الى الدول العربية وعلى دعم التجارة الخارجية لتلك الدول من خلال ضمان الاستثمارات العربية و الأجنبية الوافدة إلى الدول العربية ضد المخاطر غير التجارية بالإضافة إلى ضمان عمليات التجارة العربية – الدولية ضد المخاطر التجارية و غير التجارية.
– الهيئة العربية للإستثمار و الإنماء الزراعي: هي مؤسسة مالية عربية تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي العربي و تساهم في رأس مال 55 شركة زراعية كبرى تتوزع في 12 دولة عربية و أنشأت بقرار من المجلس الإقتصادي بتاريخ 18/1/1978.
– المصرف العربي للتنمية الإقتصادية في أفريقيا: و هو مؤسسة مالية تمولها حكومات الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية و يهدف إلى دعم التعاون الإقتصادي و المالي والفني بين المنطقتين العربية و الأفريقية و أنشأ بقرار القمة العربية المنعقدة بالجزائر رقم 49 بتاريخ 28/11/1973.
5- منظمات العمل العربي المشترك:
أنشأ المجلس الإقتصادي و الإجتماعي عدد من منظمات العمل العربي المشترك لتقديم المساعدة الفنية للدول العربية مثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية، المركز العربي لدراسات المناطق الجافة و الأراضي القاحلة (اكساد)، المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتقييس والتعدين، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، منظمة العمل العربية، المنظمة العربية للطاقة الذرية، المنظمة العربية للطيران المدني، المنظمة العربية لتكنولوجيا الإتصال و المعلومات، المؤسسة العربية للإتصالات الفضائية ( عربسات )، الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا و النقل البحري، المركز العربي للوقاية من أخطار الزلازل و الكوارث الطبيعية و غيرها من المنظمات و الإتحادات التي تسهم في دفع عجلة التنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
معوقات الإستثمار في الدول العربية:
الملاحظ أن الدول العربية تتباين في مستويات الدخل و معدلات النمو و أداء الإقتصاد الكلي و مستويات البنية التحتية للنقل و الإتصالات، وكذلك في معظم المؤشرات الإقتصادية و المالية فبينما نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي مثلاً تحتل موقعاً متقدماً في معظم المؤشرات الإقتصادية العالمية، نجد أن الدول التي تعاني من النزاعات و فقدان الأمن و عدم الأستقرار السياسي و كذلك الدول الأقل نمواً تسجل أداءاً ضعيفاً و تحتل مراتب متأخرة في معظم المؤشرات الإقتصادية العالمية و لذلك يصعب الحديث عن معوقات الاستثمار لكل الدول العربية و لكن نحاول فيما يلي عرض أبرز المعيقات التي تواجه بعض الدول العربية و أبرزها:
– عدم توفر الأمن والاستقرار السياسي و الإجتماعي.
– عدم إكتمال البنى التحتية الأساسية اللازمة للاستثمار.
– عدم وجود أو وضوح التشريعات الإستثمارية.
– عدم إكتمال القطاع المالي والمصرفي في بعض الدول العربية.
– قلة العمالة الماهرة.
– انتشار الفساد و انتشار الرشوة و البيروقراطية.
– عدم وضوح هياكل حقوق الملكية الفكرية.
– طول الإجراءات اللازمة لإقامة المشروعات و إرتفاع تكلفتها.
– ارتفاع معدلات التضخم وعدم ثبات سعر الصرف للعملات المحلية.
– البطء في إجراء الإصلاحات الإقتصادية و تحديث التشريعات التي تحكم مناخ الإستثمار.
– طول إجراءات التقاضي و التحكيم في نزاعات الإستثمار.
– ضعف المؤسسات الإقتصادية المشرفة على الإستثمار.
– عدم حرية حركة رجال الأعمال العرب في الإنتقال و سهولة و سرعة إقامة مشاريعهم في الدول العربية سواء بشكل فردي أو مشروعات مشتركة.
التحديات التي تواجه المنطقة العربية و كيفية معالجتها:
نظراً لطبيعة التحديات التي واجهت الدول العربية نتيجة لعدم استقرار أسعار النفط و الغاز أو للأزمة المالية التي واجهت العالم في العام 2008 أو آثار جائحة كوفيد-19 أو الرغبة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي إعتمدتها الأمم المتحدة في العام 2015 باعتبارها دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر و حماية الكوكب و ضمان تمتع جميع الناس بالسلام و الإزدهار بحلول العام 2030. كل هذه التحديات دفعت الدول العربية ( بتفاوت بينها ) في إعتماد برامج إصلاح إقتصادي بهدف تنويع إقتصادياتها و تعزيز الإستقرار الإقتصادي الكلي و تحفيز الأستثمار الخاص و جذب الإستثمار الأجنبي المباشر و تنويع مصادر الدخل القومي و تحقيق معدلات نمو إقتصادي مرتفعه و مستدامة، و خلق فرص عمل منتجة و تخفيض معدلات الفقر و البطالة و تعبئة الموارد الذاتية بالتركيز على دعم دور السياسات النقدية، إضافة إلى إصلاحات لتعزيز الوضع المالي من خلال توفيرالحيز المالي المناسب و إصلاحات لأسعار الصرف بما يمكن من تلبية المتطلبات الإجتماعية و تعزيزمنعة الإقتصاد الوطني على الصعيد الداخلي و الخارجي.
و لتحقيق برامج الإصلاح الإقتصادي أهدافها على مستوى المنطقة العربية هناك إصلاحات كلية و إصلاحات على المستوى الوطني يجب الإهتمام بها واهمها:
على المستوى الكلي العربي:
– سرعة الإنتهاء من إعداد الإتفاقية الجديدة لأستثمار رؤوس الأموال العربية في المنطقة العربية.
– إقرارالملاحق المكملة للبرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لدورها في الحد من القيود على التجارة.
– دعوة الدول التي قدمت جداول إلتزاماتها في إطار إتفاقية التجارة الحرة في الخدمات إلى سرعة الإنضمام إلى الإتفاقية لتعظيم الفوائد المتوقعة منها.
– استكمال الربط البري و السككي بين الدول العربية من خلال تنفيذ الوصلات التي حددتها الدراسة التي أقرها مجلس وزراء النقل العرب.
– إستكمال البنية التشريعية للسوق العربية المشتركة للكهرباء و إكمال الربط الكهربائي بين الدول العربية.
أما على المستوى الوطني فالمطلوب هو:
إقرار إصلاحات تساهم في إزالة معوقات الاستثمار التي ذكرت سابقاً في كل دولة من خلال تطوير البنية التشريعية للإستثمار و تطوير البنية الأساسية للنقل و الإتصالات و محاربة الفساد و البيروقراطية و تقوية المؤسسات المشرفة على الإستثمار في الدول العربية و غيرها من الإصلاحات.
المجالات الأكثر جاذبية للإستثمار:
هناك الكثير من المجالات التي يمكن توجيه الإستثمارات العربية و الأجنبية إليها و لعل أهمها ما يلي:
1- مشاريع إعادة الإعمار خاصة في الدول التي تعرضت لدمار نتيجة للحرب و النزاعات و تمثل العراق و ليبيا نموذج لما لهما من دخل مرتفع .
2- المشاريع الموضوعة في خطط التنمية المستدامة القطرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الإقتصادية و الأجتماعية والبيئية.
3- المشاريع الموضوعة في خطط الإصلاح الإقتصادي لدعم التنويع الإقتصادي في الإقتصادات العربية خاصة في مجالات الصناعة و الخدمات و السياحة.
4- المشاريع المرتبطة بتوجهات الثورة الصناعية الرابعة بالتركيز على التحول الرقمي بتعزيز البنية التحتية اللازمة له و توطين تكنولوجيا الذكاء الصناعي و نقل الخبرة العالمية.
5- مجالات تطوير و تحسين منظومة الزراعة باتباع نهج الزراعة الذكية التي تعتمد على الوسائل و الآليات الزراعية الحديثة التي من شأنها زيادة الإنتاجية و الجودة دون إستنزاف الموارد الطبيعية.
6- مجال تنمية المشروعات الصغيرة و المتوسطة و ريادة الأعمال بالدول العربية لما لها من أثر إيجابي في دفع عجلة التنمية و زيادة الصادرات و خلق فرص عمل جديدة للشباب العربي و فتح أسواق عمل جديدة و تنويع مصادر الدخل و توسيع القاعدة الإنتاجية.
7- مجالات الإستثمار في قطاع الطاقة و الطاقة المتجددة لما له من دور فعال في دعم و تحريك قطاعات الإنتاج الأخرى.
8- المشاريع المرتبطة بمبادرة الحزام و الطريق خاصة ما يتعلق بقطاع النقل البحري و الموانئ و الخدمات اللوجستية.
ختاماً نقول أن هناك تحديات عديدة تواجه الدول العربية في مجالات الإستثمار و لكنها توفر ايضاً فرصاً ممكنة و متاحة لتغيير واقع المنطقة العربية من خلال إستقطاب الإستثمارات المحلية والأجنبية لتكون الدول العربية بإذن الله هي النمور الإقتصادية للعقد المقبل .