” بموت الترابي انتهى حلم قيام دولة إسلامية في قلب أفريقيا “. هكذا تحدث عدد من الغربيين معلقين على خبر وفاة الشيخ حسن الترابي في الخامس من مارس في العام
2016 .
ويرد عليهم الترابي بأن الأفكار والمشاريع والأحلام الكبرى وأن حركة الصحوة الإسلامية ليست مرتبطة بشخص – كما يعتقد الغربيون – الترابي أو الغنوشي أو الخميني أو غيرهم، وإنما هي موجة شعبية عامة كما ذكر في محاضرة له تحت
عنوان :
(The Islamic Awakening’s Second Wave) حيث أورد ملخصها
صمويل هنتنغتون في كتابه (صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي) فيقول : ” يؤكد الترابي : هذه الصحوة شاملة، إنها ليست مجرد مقوِّ للفرد فقط، وليست مجرد صحوة فكرية أو ثقافية، ولا مجرد صحوة سياسية. إنها كل ذلك، إعادة بناء شاملة للمجتمع من أعلى إلى أسفل “.
ويؤكد هذه المعاني الشهيد سيد قطب، حيث يقول : ” إن الله الذي خلق الوجود لن يدع فكرة صالحة تموت “.
والترابي صاحب الأفكار الكبرى والآفاق العالمية، يعرف الزمان والمكان الذي ينطلق فيه ، فهو بعد : (تفريقه بين شمولية المبادئ الإسلامية، وضيق أفق الثقافة العربية، والعمل على تحرير الأولى والثانية) كما كتب محمود ممداني، يرى أن عمق السودان الأفريقي وامتداداته الحضارية غربا وجنوبا هو الأساس الذي يقوم عليه المشروع الحضاري الإسلامي، وفكرة تأسيس الدولة الإسلامية.
يقول الشيخ الترابي في المائدة المستديرة بجامعة جنوب فلوريدا في مايو 1992 : ” الإسلام أبدي لكنه مرتبط بالمكان والزمان وعلى كل جيل من المسلمين أن يفهم الإسلام وفقاً لحاجاته وظروفه “.
ويُقارن محمود ممداني في كتابه (دارفور منقذون وناجون) بين مشروع الترابي الإسلامي وبين مشروع جون قرنق العلماني باعتبارهما المشروعات الأساسية ذات البعد الحضاري الممتد – وإن كانت مختلفة الوجهة –والتي تلهم القوى السياسية والحركات المسلحة فيقول :
” قد يكون ما قاله قرنق أكبر تأثيراً مما فعله، على غرار الترابي، ويمكن قراءة تأثير ما قاله الرجلان في أفعال من أخذوا الكلمات على محمل الجد. ويتضح ذلك كثيراً من التطورات في دارفور، ولا سيما نشوء حركتي التمرد :
(جيش تحرير السودان) و(حركة العدل والمساواة)، إحداهما تستلهم العلمانية الأفريقية لجون قرنق، والأخرى الإسلامية الأفريقية لحسن الترابي “.
ويكتب الأستاذ في الجامعات الأمريكية عبد الله جلّاب كتاباً معتبراً الترابي آخر الإسلاميين (العظام)
(Hassan El-Turabi : The Last Slamist).
ولا تخلو الساحة من كتابات المناوئين للترابي والحاملين عليه والذين يبغضون الأيدولوجية الإسلامية ومن ثم يُقللون من شأن الترابي كمفكر وكسياسي، وعلى رأس القائمة روبرت كولينز وجودث ميلر، وأصدرا كتابا تحت عنوان :
” Revolutionary Sudan : Hassan al-Turabi and the Islamist State
أما الكاتبة التي كتبت (بموضوعية) و(بحب) – كما يقول ماركيز في روايته (الحب في زمن الكوليرا) ويصف البعض كتابتها بالمهنية والأكاديمية فهي البريطانية دكتورة ويلو بريدج أستاذة التاريخ بجامعة نيوكاسل) ، والتقت الشيخ حسن الترابي وكتبت عنه ووثقت لتجربته ودوره في ثورة أكتوبر 1964م وذلك في كتابها الذي صدر في العام 2015
(Civil Uprisings in Modern Sudan : The
‘Khartoum Springs’ of 1964 and 1985)
(الإنتفاضات المدنية في السودان الحديث).
ثم بدأت في تأليف كتاب كامل عن الشيخ الترابي ، وتم تدشينه في 5 سبتمبر 2018 في قاعة السودان بمكتبة جامعة الخرطوم بحضور مؤلفة الكتاب وعدد من أساتذة
الجامعات والمهتمين.
ويقع الكتاب في 349 صفحة، وصدر الكتاب تحت عنوان :
(Hasan al-Turabi : Islamist Politics and Democracy in Sudan)
(حسن الترابي : سياسات الإسلاميين والديمقراطية في السودان).
وقام السفير يوسف سعيد بترجمة ملخص له وقدّمه في منتدى للنقاش بمنزل الشيخ حسن الترابي بالمنشية..
وكثير من الغربيين وصفوا الترابي كعراب للإرهاب العالمي – كما تقول دكتورة ويلو – بل إن مراكز دراسات وكتاب تخصصوا في هذا الأمر، فهذا مركز (موشي ديان للدراسات السياسية والإستراتيجية) يُصدر دراسة تحت عنوان (حسن الترابي : الناطق باسم الإسلام المتطرف) ليقوم مركز القدس بترجمته من العبرية للعربية.
بالنسبة للشيخ حسن الترابي عندما تعرض عليه هذه الإتهامات والمتعلقة بقيادة الإسلاميين والإرهاب فهو يقول – وتعلوه ابتسامته المعهودة – (هذه تهمة لا أنكرها وشرف لا أدّعيه).
أما السفير الأمريكي في الخرطوم (1992 – 1995) دون بيترسن فيقول : ” وضع الترابي لا يعني أنه كان رقابة مباشرة على تصريف الشأن الحكومي اليومي أو أنه
شخصياً كان يتخذ القرارات الكبرى التي تحدد مسار الحكومة ” .وكذلك يقول : ” إن أثر الترابي على الجيل القادم قوي جداً “.
وفي تلخيصها لسيرة الترابي أشارت – ويلو بريدج – إلى ثلاث من أفكاره الكبرى:
الأولى : المشروع الحضاري الإسلامي : وذكرت أن الذي أدّى إلى فشله هو بعض من تلاميذه الذين حوله.
الثانية : المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي العالمي : والذي أراد به جمع ممثلي المسلمين في العالم حكومات ومعارضةعلى صعيد واحد لتوحيد كلمتهم، ورأى فيه خصوم الإسلام تجمعاً للإرهابيين. يقول صمويل هنتنغتون في(صدام الحضارات):
” في 1991 بعد حرب الخليج، قام الزعيم السوداني حسن الترابي بانشاء المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي (PAIC) كنقيض لمنظمة (OIC) الخاضعة للهيمنة السعودية. الاجتماع الثالث لمؤتمر (PAIC) في الخرطوم في مقتبل 1995 كان قد حضره بضع مئات من الوفود من المنظمات الإسلامية والحركات الإسلامية في ثماني عشرة دولة “.وتعتقد ويلو بريدج أن حكومة الإنقاذ عرقلت المشروع أيضاً.
الثالثة : المنظومة الخالفة المتجددة : وقالت إن المقترح للنظام الخالف أن يُشارك فيه : الإسلاميون والصوفية والسلفية واليسار والقوميون العرب، ولكنها تساءلت –
أي مؤلفة الكتاب – كيف سيستطيع الترابي أن يستوعب في هذا النظام ممثلين للحركات المسلحة ؟
وأنا – والكثيرون أيضاً –نتسائل كيف سيتم بناء هذه المنظومة بعد وفاة الترابي ؟
وأفضل تلخيص لحلم وأمل وأفكار الشيخ الترابي مع مشاكل السودان وأزماته، هو ما توصلت له دكتورة ويلوبريدج في آخر: كتابها(سياسات الإسلاميين)، بقولها:
(Any effort to resolve Sudan’s continuing political crisis will have to accommodate the advocates of the brand of thought of Hasan al-Turabi)
(إن أي جهد لحل الأزمة السياسية المستمرة في السودان يجب أن يلائم دعاة فكرة فكر حسن الترابي).
وخير عزاء ورثاء للشيخ حسن الترابي بعد موته ما كتبه الأستاذ حسين خوجلي ، وكما قال أخي صالح مكي (هذه البلاد ظلمت (حسن) و(حسين).
يقول الأستاذ حسين خوجلي:-
” تعوَّد العالم الإسلامي على مسيرة التاريخ أن يفتقد سياسياً أو فقيهاً أو مفكراً أو مجدداً أو مجاهداً، أمّا أن يفتقد كل هؤلاء دفعة واحدة، لم يتمثل هذا إلّا برحيل الشيخ حسن الترابي، السوداني المولد، الأممي الفكرة والأشواق “.
عبد الله مكي