حزنتُ حقاً عندما بلغني نبأ رحيل العم حامد الذي جالسناه مراراً، وتطيّبنا بلقائه، وحظينا بحديثه الودود عن ذكرياته القديمة التي ارتبطت بمشروب شعبيّ عالميّ جمع الناس في كوستي عروس النيل الأبيض في مقهاه المتواضع في ناصية السوق.
لم يكن سبب شهرة العم حامد في قدم محلّه أو مذاق قهوته وقَلْيته التي تتحمّص حباتها على نار الفحم الموزونة ولا تحترق قشرتها الصلبة، ولا إضافاته المحوّجة من الهيل وأصناف أخرى من التوابل فحسب، فتلك وإن كانت تجذب الناس إليها فيفتتحون بها يومهم إذا كانوا قريبين من السوق، أو يعبرون إليها في نهايات أعمالهم، أو يزورونها في صحبة الأصدقاء، أو يحملون أكياسها المعبّأة هدايا إلى أهاليهم من كوستي الجميلة، أو يقفون فيها ضمن خطط جولاتهم السياحية في كوستي… فإن شخصية العم حامد الهادئة اللطيفة وبشاشته وإحسانه إلى الناس ومراعاته لظروفهم جعلته أقرب إليهم، فيكفي الإنسان الذي لا يجد ما يتذوق به مزاجه أن يذهب إليه فيؤشر العم حامد لأحد العاملين معه بأن يهبه من قهوته بذلاً مجّانياً فلذلك يذكرونه بالدعاء ويسبغون عليه وافر الشكر.
في حضرة العم حامد رحمه الله الذي زرناه مراراً في رحلاتنا لأرض السمر بقيادة أخي المخرج الكبير سيف الدين حسن كنا نجلس إلى منتدى جميل في مقهاه الذي يحتشد فيها المثقفون والمستمعون وأصحاب المواهب العابرة، ولا تكاد تمضي ساعة حتى ترى مفاجأة جديدة تدهش لها من قدرة هذا الرجل وقهوته المعدّلة من البن الحبشيّ الفاخر على اجتذاب هؤلاء جميعاً على صعيد واحد، ولم يكن هذا المنتدى لمداولة المعارف والثقافات فحسب بل كان مجمع صفقات تجارية ومجالس إصلاح اجتماعي وتعاقدات سياسية ومحطات تواصل إنسانية لا تنقطع…
العم حامد كان ركناً من أركان كوستي في حياته، وستكون ذكراه طرفاً من تاريخها الجميل الذي يحبّ الناس تذكّره