محمد المكي ابراهيم
عاد شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم من مهجره في الغرب إلى ضفاف النيل بعد طول غياب، عاد والبشر يعلو وجهه (هذى بلدي والناس لهم ريح طيب بسمات وتحايا).
عاد لكنْ لم تعد الخرطوم مدينته الوادعة المطمئنة التى مدحها شعرا باذخا في قصيدتة الشهيرة قطار الغرب، وسيجد أن أشعاره تبددت في أزقتها المعتمة وشوارعها المتربة ووجوه أهلها التى أرهقتها الأيام بعد أن كان يباهي بها كل المدائن ( فليسألوا عنك أفواف النخيل رأت رملا كرملك مغسولا ومسقيا.. وليسألوا عنك أفواج الغزاة رأت نطحا كنطحك والأيام مهدية) ..
عاد رائد مدرسة الغابة والصحراء إلى وطن سيجد أن غابته انفصلت عن صحرائه، بعد أن كان لوحة رائعة بتدرجات ألوانها وسيجد الناس أن أرض الذهب الأبيض بهم ضاقت، رغم الخزان والذهب المندوف بهم ضاقت، فانبثوا في كل متاهات السودان.
عاد شاعر أكتوبر لكنه سيجد أكتوبر أصبح شهرا للشقاق والشحناء والجدل الذي مزق شمل البلاد بعد أن كان أنشودة موحدة لكل وجدان الشعب، وبدل أن ندق الصخر حتى يخرج الصخر لنا ماء وخضرة، وتنبت الأرض لنا مجدا ووفرة، أصبحنا ننتظر السفن تجلب لنا دواء وقمحا.. والبلاد ستجدها في ذات عادتها القديمة عندما كان هتافك الموجع..(هذى الأرض الممتدة كالتاريخ..حبلى بالشبع وبالخصب المخضل..والناس هنا خيرات الأرض تناديهم.. لا أذن تصيخ ).
مرحبا بشاعر الخلاسية في بلاده ووسط أهله وأحبابه ، ولعل في هذه العودة دفقة أمل وشحنة عافية في جسد الوطن المعلول ، فود المكي من صناع الحياة وزراع الأمل وشاعر لا يكذب أهله.