*الجالية المسلمة في امريكا الشمالية*

لاشك ان الجالية المسلمة في امريكا الشمالية قد حققت نجاحات كبيرة فيما يتعلق بالبناء المؤسسي (المساجد، المدارس، المنظمات). الا انها لم تنجح بعد في تشكيل تيار فكري ومرجعية ثقافية ومنهج فقهي وثقافة تراثية. فعدد العلماء والفقهاء بين أبناء الجالية قليل جدا مقارنة بعدد الحفاظ والوعاظ.

1. مقارنة بالأجيال السابقة، يجب الإشادة بان الجيل الحالي من المهاجرين احرص على تعلم القرآن الكريم من الأجيال السابقة. لذا فإن عدد الشباب الذين يحفظون القرآن الكريم ليس بقليل، لكنهم يفتقرون الى الثقافة الشرعية واللغة العربية. لابد من الإشارة هنا الى انه على طريقة مسلمي شبه القارة الهندية، فإن لقب ال “حافظ” يطلق على كل من يحفظ القران، و لقب ال “إمام” يطلق على كل من يصعد المنبر ليخطب في الناس. هذا الاستخدام المجازي للألقاب جعل امريكا الشمالية من اكثر بقاع الأرض اكتظاظًا “بالحفاظ” و “الأئمة”.
2. كما أشرنا سابقا، فإن عددا مقدرا من هؤلاء ال “حفاظ” وال”أئمة” لا يضيفون بعدًا فكريًا، او فقهيًا او ثقافيًا. لكن الخطير ان كثيرا منهم يتقدمون لقيادة الجالية؛ فيجدون أنفسهم مرغمين على التصدي لمواقف و قضايا ليسوا مؤهلين لها.
3. وكنتيجة مباشرة لقلة العلم، و محدودية الفقه؛ فإن الخطاب العقلاني (الذي يخلو من المنهجية التأصيلية و اللمسة الروحية) هو الخطاب السائد في كثير من المساجد و المراكز الإسلامية. إضافة الى ذلك؛ فإن القائمين على المراكز الإسلامية كثيرا ما يتخيرون فتاوى لمذهب معين ويزعمون انها تمثل الإجماع، ثم يقومون بتسويقها لبقية أفراد الجالية.
4. أما أفراد الجالية؛ فإن عدم اهتمامهم بالعلم الشرعي يجعلهم يأخذون الآراء والفتاوى الصادرة على انها مسلمات قطعية يجب اتباعها دون نقاش او حوار. هذه الروح التسليمية جعلت غالب ابناء الجالية يتعاملون مع “الأئمة” بنوع من القدسية، وخلقت حالة من الاستغلال ورفض الرأي المخالف عند قادة الجالية.
5. بعكس تجارب الجالية المكسيكية والصينية والفيتنامية والتي نجحت في توريث لغتها الأم لأبناء الجيل الثاني، فإن الجالية العربية فشلت فشلا ذريعا في هذه المهمة. والسبب في ظني يعود لأسباب اجتماعية. فمعظم المهاجرين القادمين إلى ارض الأحلام عانوا من عدم إتقان اللغة الإنجليزية في بداية مقدمهم، هذا الأمر تسبب في عدم (او تأخر) اندماجهم في المجتمع الامريكي بل وأثر أيضا على وضعهم الوظيفي والاقتصادى. هذه العقدة جعلت الآباء يحرصون على ان يتقن ابناءهم الإنجليزية بطلاقة سعيا وراء وضع مادي أفضل. وهنا يتبين لنا كيف ان العقدة (وللأسف الشديد) ذبحت اللغة العربية و قللت من أهميتها.
6. في المقابل، وبما ان النسبة الكبرى من ابناء الجالية المسلمة ينحدرون من أصول غير عربيه؛ فقد استسهل العرب امر التنازل عن لغة القرآن لصالح اللغة الإنجليزية؛ فعطلت اللغة بدلًا من نشرها وتسويقها وسط بقية أبناء الجالية. الجدير بالذكر ان الاهتمام بتعلم اللغة العربية وعلوم القرآن وسط المسلمين الأفارقة والهنود والباكستانيين يفوق بكثير اهتمام العرب (وهذه مفارقة محزنة).

Comments (0)
Add Comment