سراج الدين مصطفى
وحديث في برامج رمضان
خواطر اليوم الخامس
كتب: سراج الدين مصطفي
(1)
الزميلة (نسرين النمر) تربطني بها علاقة أخوية خاصة جدا .. وهي دفعة في مجال العمل الصحفي .. حيث عملنا سويا في صحيفة (الحياة) حيث كنا محررين في قسم الفنون الذي كان بشرف عليه الحبيب (طلال مدثر) وهو له فضل علينا لا ننكره مطلقا أنا ونسرين النمر والكاتب الجميل محمد عبدالماجد والصحفية بلالة البشاري .. كانت نسرين النمر متخصصة في مجال (التحقيقات الفنية) وهي بتقديري الأفضل حتي الأن .. ولم أطالع تحقيقا بمستوي تحقيقاتها حتي الأن رغم إنها تركت الصحف نهائيا وغادرتها بإتجاه الشاشة والتي حققت فيها نجاحات مشهودة ومقدرة ولعل أكثر ما يميزها قدراتها الفارعة في إدارة أي حوار تلفزيوني .. فهي مقدمة برامج ممسكة بأدواتها بإحترافية عالية وتعرف كيف تستخلص أقصي ما عند ضيوفها .. ولعلها استطاعت أن ترفد مكتبة النيل الازرق بحوارات فارعة أجرتها مع حميد وهاشم صديق وازهري محمد علي وفضل الله محمد .. لذلك إرتبطت بكل االبرامج الحوارية الناجحة في قناة النيل الأزرق ..
(2)
وبذات ألقها السابق .. هي تقدم حاليا برنامج (حراس الفن) والذي يبث كسهرة .. وهو برنامج مختص بالتوثيق لشعراء أغنية الحقيبة .. والبرنامج في مجمله جاذب رغم تقليدية فكرته وحتي الضيوف في منتهي التكرار والتقليدية .. وهنا لابد أن أذكر حادثة مع المخرج الكبير شكرالله خلف الله الذي هاتفني قبل يوم من أربعينية الموسيقار الراحل حسن بابكر وطلب مني الحضور لبرنامج في تلفزيون السودان للحديث عن الراحل حسن بابكر في أربعينيته .. قلت لشكرالله خلف الله من الأفضل أن تأتي بشخص قريب منه عايشه وعاصره لأنه يستطيع تقديم إفادات أفضل مني .. ولكن شكرالله خلف الله رفض إعتذاري بطريقة حاسمة .. وقال لي يجب أن نغير مثل هذه المفاهيم ليس بالضرورة أن يكون المتحدث قريبا او صديقا او معايشا له .. واذكر أنني قدمت حلقة للذكري والتاريخ عن الراحل حسن بابكر وتحدثت عنه وقدمت توثيقا لمجمل حياته .. وكانت حلقة مميزة بالنسبة لي ..
(3)
صحيح أن تلك الحادثة موقف شخصي يخصني ولكن يمكن إسقاطها علي معظم االبرامج بذات جرأة شكرالله وفهمه المتقدم .. وكان يمكن لنسرين النمر أن تبحث عن متحدثين ووجوه جديدة لها رؤية وزوايا جديدة للتوثيق لأغنية الحقيبة .. أقول ذلك مع كامل التقدير للأستاذ عوض أحمدان المثقف الموسوعي .. والممتع حد الدهشة الأستاذ (بشري النور) والذي يتمتع بطريقة سرد شعبية محببة .. وقبل أن أبارح موضوع برنامج (حراس الفن) كان بالضرورة التوقف في الفرقة الموسيقية والتي ضمت أفضل العازفين أمثال أسماعيل عبدالجبار .. عمر القصاص .. عوض أحمودي وغيرهم .. وهم من أفضل العازفين بالطبع .. ولكن تكوين الفرقة لم يكن بحصافة .. طالما أن البرنامج يوثق لأغنية الحقيبة وهي أغنية ذات لحن دائري رتيب .. حيث كان يردد (الكورس) ما يقوله (المغني) ولعل الفرقة تقوم بذات ما يقوم به (الكورس) .. وكان الافضل أن تعتمد علي الالات الشعبية مثل (البنقز والطبلة والرق والمثلث) مع إضافة بيز جيتار وكيبورد للمركبات الموسيقية حتي يتفادي المغني التكرار والإعادة والدخول في دائرية الألحان ولسهولة التنقل من مقطع لأخر بكل سلاسة.
(4)
في العام 2012 حينما كنت اعمل كباحث برامجي في قناة الشروق إختارتني إدارة البرامج بقيادة الدكتورة إشراقة الطاهر للعمل مع تيم برنامج (سكة وتر) والذي ينتجه الحبيب المعلم (ياسر عوض) ومن تقديم الدكتورة (سلمي سيد) ولعل سلمي من شدة تواضعها لا يعرف البعض إنها حاصلة علي درجة الدكتوراة ولكنها لا تأبه لذلك كثيرا .. والبرنامج كان من إخراج (فؤاد عبدالرحيم الخليفة) وهو مخرج بمواصفات مفكر .. صاحب مدرسة خاصة في مجال الإخراج .. وكانت الحلقة الأولي من البرنامج مع الفنان الراحل حمد الريح .. كانت فرصة سانحة للإقتراب من حمد الريح والذي يتمتع بمواصفات إنسانية نادرة .. وشخصية مرحة وسهلة التعامل .. ولأن البرنامج كان غرضه توثيقي في المقام الأول .. حددنا بعض الأغنيات للحلقة الأولي ولكن الأستاذ حمد الريح طلب منا كتيم للبرنامج أن يبدأ الحلقات بأغنية (إلي مسافرة) للشاعر عثمان خالد وهي ليست من التجارب الغنائية الأولي بحسب تراتبية الاغنيات ولكن حمد الريح برر ذلك بأنه يحب هذه الأغنية بشكل خاص وهي قادرة علي ترتيب مزاجه لبقية الحلقات ..
(5)
الأغنية المشهورة بمقطعها الأول ( يا قلبي يا مكتول كمد) هي واحدة من عيون الغناء السوداني وهي تؤكد علي براعته كملحن مقتدر ولكن حمد الريح مثل زيدان ابراهيم فهما رغم مقدراتهم اللحنية العالية ولكن فتحا تجاربهم لأصوات لحنية أخري كعمر الشاعر وناجي القدسي والعاقب محمد الحسن وعبداللطيف خضر ود الحاوي .. لذلك إكتسبت تجاربهم ميزة التنوع في مدارس لحنية مختلفة .. وأغنية إلي مسافرة هي واحدة من منظومة شعرية مدهشة للشاعر عثمان خالد .. الصيدة لمحمد ميرغني .. سلافة الفن للبلابل .. بتقولي لا لعبدالعزيز المبارك .. ننساك لصلاح بن البادية .. كل ذلك علي سبيل الذكر وليس الحصر .. ولكن تظل أغنية الي مسافرة هي الأكثر شيوعا ورددتها حناجر الكثير من الأصوات الشبابية الجديدة كحال المطرب (عاطف السماني) الذي تغني بها بالأمس في برنامج أغاني وأغاني .. وأبدع عاطف السماني كعادته في تقديمها وأبرز فيها مهاراته الصوتية العالية ومدي قدرته في التحرك بكل سلامة في كافة سلالم النوتة الموسيقية صعودا وهبوطا .. مما يؤكد علي أن عاطف السماني بدأ أخيرا في إكتشاف نفسه كفنان متمكن ومقتدر وصاحب لونية أدائية خاصة تكاد تقترب من الأسطورة النور الجيلاني من حيث طريق العرض والإستعراض والحيوية في الأداء .. ولعل عودة عاطف السماني بهذه القوة هو مكسب كبير للساحة الفنية التي تعاني من قلة جودة الفنانين .. وعاطف من المؤكد سيضفي روح جديدة ولون مختلف.
(6)
أدرك الأن أكثر مما مضي أن الإختيار لبرنامج أغاني وأغاني لا يستند علي أي قاعدة ولا يقوم علي أي مواصفات فنية .. فهو برنامج تتحكم فيها الكثير من الأشياء التي ندرك بعضها ونجهل معظمها وإن كان تفسيرها وتحليلها ليس عصياً .. وهي أشياء في متناول اليد يمكن فحصها والتوقف عندها جيداً ولكننا أحياناً نحب أن ندعي (الغباء) عند قوم يدعون (الذكاء) وهم ليس كذلك ..
لمعايير التي يتم بها الإختيار لبرنامج أغاني وأغاني من البديهي أن تتجاوز فنان بقدرات الفنان الشاب (ابوبكر سيد أحمد) والذي بتقديري يفوق كل فناني أغاني وأغاني .. أقول كلهم ولا أستثني منهم أحداً .. فهو يفوقهم في كل شئ .. فهو متجاوز من حيث المقدرات الصوتية وهو مؤدي رفيع من الدرجة الأولي .. وهو ملحن مدهش ومختلف له أغنياته تحكي عن عبقريته اللحنية .. ولكن فنان بقدرات أبوبكر لا يجد مثل تلك الفرصة ولكنها تمنح لقصار القامات وفاقدي أهلية الظهور.
(7)
برامج مثل أغاني وأغاني لن تلفت لتجارب جادة مثل أبوبكر سيدأحمد ولكنها تبحث عن من يجيد وضع المكياج الصارخ فيجعل أئمة المساجد يكيلون الذم للبرنامج بسبب بعض المظاهر السالبة التي تكتنف الملمح العام للبرنامج ..فلذلك من البديهي أن لا يجد صوت مثل أبوبكر سيد أحمد فرصته ولن يجدها مطلقاً لأنه ليس من العينة التي تجيد إنتقاء الكلمات المنمقة والمزيفة ولا يعرف (تكسير التلج) لإدارة القناة والقائمين علي البرنامج ..كما أنه لا يعرف إختيار (البدل والكرفتات) ولا يجيد سبسبة الشعر.
وأبوبكر سيد أحمد يؤسس الآن لتجربة غنائية ذات طعم خاص غير مألوف فيه الكثير من التجديد والتجريب..وأبوبكر الذي أعرفه جيداً وأعرف كيفية تفكيره الغنائي يجعلني أقول وبملء فمي أنه فنان (السودان الجديد)!!صوت يحمل تفاصيل الزمن الجميل يحتشد بالكثير من المغايرة ..وهو صوت غنائي مثقف جداً له مقدرة أن يكون صاحب إضافة وحضور..و وهو واحد من قلائل توقف عندهم العملاق محمد وردي.