وأخيراً أكل غندور وإخوته (أم فتفت) دون قندهار وأبي أحمد

مرتضى شطة

لم يكن ثمة من يستطيع الجزم بأن عبقرية الذين دبروا هذه الفرية ووضعوا لها السيناريو يمكن أن تكون بهذه السذاجة لولا أنّ الله عز وجل قد قيض لها نيابة عامة قررت تحويل القضية إلى المحكمة لتجري جلساتها مفتوحة لوسائل الإعلام والرأي العام ،إنها القضية بالرقم (5984) وشقيقتها بالرقم (38/2020) اللتان ستحجزان مقعديهما بجدارة في أول إصدارة قادمة من السوابق في مجلة الأحكام القضائية .
ثمة مواطن بسيط مجهول الهوية ومطموس البصمة السياسية لا تعرفه لا المنابر ولا الأحداث ولا مظان الأخبار ومصادرها يعمل سائقاً لركشة ،يدّعي أنه عضو بالمكتب القيادي للمؤتمر الوطني في تسجيلات على الأسافير قبل أن يتحول إلى شاهد زور وبفعل فاعل يوعز له أو يملي عليه ما يقول ،يكفي لأصغر محرر صحفي أن يجري مسحاً عاجلاً على محركات البحث على الانترنت ليعلم أن الذين يذكرهم أعضاءً لمكتب الوطني القيادي لا تجمعهم عضوية الجسم المعني ،فهو لا يميز بين الذين غادروا الوطني مغاضبين مثل قادة حركة الإصلاح الآن (راشد تاج السر وإخوانه) ،ولا الذين خرجوا من معتقلات الإنقاذ بعد ذهاب سلطانها مثل محمدعلي الجزولي ،ولا يحسن من استخدام المصطلحات السياسية أو الأدبيات التنظيمية غير عبارة (مطلوب منفذ) التي كان يستخدمها في تسجيلاته بعيداً عن سياقها تماماً.
مهما كلفت مدة الإعتقال التي تناهز العامين ضحايا هذين البلاغين بحسابات مصادرة الحرية والأضرار الشخصية والأسرية ،إلا أنها أكسبتهم الكثير ،فهي أزاحت الحجب عن كواليس مسرح العبث القانوني الذي كانت لجنة التمكين المجمدة والغة فيه حتى أخمص قدميها ،ونيابتها تختلق الوقائع وتستأجر شهود الزور ،فما كان لأي فعل سياسي آخر يقدم عليه التيار الإسلامي أو الوطني أو حتى تيار قحت الثانية نفسه أن يجلو الصورة ويشيع عجز قحت الأولى وبوارها وكساد ما روجت له ودبجت له الخطب مثلما فعل هؤلاء بفضح عبثها بضلع مهم من أضلع العدالة وهو النيابة العامة في عهد النائب العام الحبر والذي تجب ملاحقته ومن تورط في هذه الألاعيب انتصاراً للعدالة .
وها هم المفرج عنهم المبرؤون تنهال عليهم التهاني وتتدفق إلى دورهم الجموع تأكيداً لجماهيريتهم وشعبيتهم في وقت عز فيه على الشعب السوداني المسحوق بنتائج سياسة التحرير الإقتصادي والإعتماد على الدعم الخارجي اللتين انتهجتهما (قحت الأولى) ب(حمدوكها وبدويها) ،وصار الناس أسرى (للنوستلجيا) وهم يستعيدون أمجاد رغد العيش وزهد الأسعار في أواخر عهد البشير الذي ثارو عليه لغلاء الأسعار فيا للمفارقات.
ما كانت حيثيات القضية وأقوال شاهد الزور الذي صُدم وأغمي عليه في المحكمة عندما وجد نفسه متهماً بموجب شهادته التي زعم بأنها إعتراف ليصبح شاهد ملك بحسب من وعدوه وتوعدوه ليدلي بها ،ما كانت تحتاج لأكثر من متحري في قسم شرطة للقول ببطلانها ،فهي لا تحتاج إلى وزن بينات بل يكفي فيها مجرد الوزن بالنظر والقراءة بصوت عال لينفجر المتحري ضاحكاً،ومما يُحمد للنيابة الحالية أنها حولتها للمحكمة بكل شفافية رغم أن الخلل البين وقع من النيابة نفسها في الحقبة التي سبقت .
إن كانت التهم التي تمت تبرئة المتهمين منها تشمل تقويض النظام الدستوري ،فإن التهمة التي يجب أن تطال الملفقين هي (تقويض العدالة) ،وإن تمت تبرئتهم من تفجير لجنة التمكين وإغتيال بعض رجالها ،فإن هذه المحاكمة قد فجرت مكنون لجنة التمكين وفضحتها إلى جانب فضائحها الأخرى ،ولا أظن أن إغتيالاً معنوياً أو انتحاراً سياسياً أصعب وقعاً على (التمكينيين الجدد) من الذي كشفت عنه هاتان (التلفيقيتان) .
بقي أن نذكر بأن إدعاء شاهد الزور بأنه وبقية المتهمين الذين تمت تبرئتهم قد ذهبوا في معية الرئيس الأثيوبي أبي أحمد إلى سوق قندهار للحوم غربي أمدرمان ونهموا الشواء و( المرارة أو أم فتفت) ثم اجتمعوا للتدبير للمخطط ،بالرغم من أن أبي أحمد بذل لقحت الأولى وحمدوكها فما استبقى حتى أنجز مبعوثه الوثيقة والإتفاق السياسيين الذين زُفت بموجبهما قحت إلى السلطة وذرف دموعه على الملأ فرحاً في الخرطوم ،فلا أدري أي عقل سياسي بقي لمن أملى عليه إدخال أبي أحمد في التلفيق .

هاهم المفرج عنهم يتلقون ضيوفهم وتنهال عليهم الذبائح ويأكلون (أم فتفت ) ولكن بين ظهراني أسرهم وأحبابهم دون تكبد المشاق إلى قندهار أو إنتظار أبي أحمد .بيد أنهم سيعانون إلى حين أعراض (المتلازمة الكهفية)، فالفترة التي قضوها في السجن تشبه في التغيير والتدهور على معاش الناس فترة نوم أهل الكهف ،فما عاد ورقهم (العملة الفضية لأهل الكهف) مبرئاً للذمة ،فقد دخلوا المعتقل وقطعة الخبز بجنيه وجالون الوقود دون المائتين بعد جرعة التحرير الأولى ،واليوم قطعة الخبز بخمسين جنيه أو تزيد كما تجاوز جالون الوقود الثلاثة آلاف جنيه ،أما عن أنهم الدولار الذي تركوه عند حاجز ال150 جنيهاً فحدث ولا حرج،حتى أم فتفت نفسها قد عزت في الطلب والسعر.

Comments (0)
Add Comment