*عمار العركى*
* تناقلت الوسائط الإعلامية السُودانية خبر لقاء تم بين سفيري الإمارات وأثيوبيا المعتمدين لدى السودان ،يوم الأربعاء 13 ابريل الجارى بالعاصمة السودانية الخرطوم ، حيث قالت سفارة إثيوبيا بالخرطوم ” أن السفير الإثيوبي بالخرطوم “بيتال اميرو “ و السفير الإماراتي بالخرطوم حمد محمد حميد سالم الجنيبي، أجريا نقاشا مثمرا حول العلاقات الثنائية في البلدين، والوضع الداخلي في إثيوبيا والسودان والعلاقات بين إثيوبيا والسودان وقضايا مشتركة أخرى.)
* كنتُ أتوقع ،بأن يجد هذا الخبر مساحة كبيرة من ردود الأفعال والتناول علي الصعيد الدبلوماسي والإعلامي السوداني ،ولدي الخبراء المهتمين لما يحمله من إستفهامات ومؤشرات ومضامين فى إطار العلاقات بين الدول الثلات وما يعتريها من تحديات وتقاطعات.
* الجدير بالإهتمام، بأن اللقاء تزامن مع زيارة الوفد الإرتري الذي حمل رسالة خطية من الرئيس أفورقي للسيد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ،والذى بدوره سبقها بزيارة مماثلة للإمارات تناول خلالها العلاقات مع أثيوبيا موضحا للجانب الإماراتي موقف السودان حيال قضية الفشقة .
* كذلك تزامن اللقاء مع الأخبار الواردة من الفشقة تفيد باسترداد القوات المسلحة السودانية منطقة “جبل تسفاي عدو” قُرب الحدود الدولية بالفشقة الكُبرى ، وهو موقع استراتيجي يربط كل معسكرات الجيش في الحدود الشرقية للسودان مع إثيوبيا .
* بتحليل إتجاهات هذا الخبر وربطه بتلك المتغيرات نجده يحمل بين طياته العديد من المؤشرات والمضامين ،التي تشير إلي زيادة وتيرة التقارب الإماراتي الأثيوبي ،والذي بدأ منذ صُعود “أبي أحمد” المُتحالف مع “الأمهرا” مُنذ العام 2018 ، وذلك في إطار الخُطة الأمريكية الإماراتية الرامية للتغيير وإعادة ترتيب المنطقة ، خاصة أثيوبيا والسودان.
* السفير الأثيوبي في السودان السيد/ يبتال أمرو ألمو، والذي يُعد من صقور أبناء قومية الأمهرا المتشددين ،والمشهود لهم بالتصريحات والمواقف العدائية تجاه السودان ، وذلك حسب ذاكرة إرشيف وزارة الخارجية السودانية المليء بتجاوزات السيد “ألمو” للأعراف الدبلوماسية ، نتناول منها واقعتين علي سبيل المثال .
* خلال ندوة أكاديمية أقيمت بالخرطوم فى ديسمبر من العام 2020م ،صرح خلالها السيد السفير “يبتال ألمو”بتصريحات فظة وعدائية خالية من الدبلوماسية ،حيث قال “بأن المستعمر الإنجليزي تحامل علي أثيوبيا في ضم مناطق كانت تتبع لأثيوبيا الي السودان”مضيفا ” بأن أثيوبيا لا تعترف بإتفاقية 1902 والتي وصفها بإتفاقية المستعمر الأنجليزي” ، مشيرا إلي ” أي حوار أو نقاش يجب أن تكون مرجعيته إتفاقيتي الأعوام 1972و2005م ،إلي حين الحسم والتسوية النهائية”.
* بعدها وفي ذات الفترة ، إستغل السيد (ألمو) دعوة المنبر الخاص بوزارة الخارجية السودانية له فى إطار تنوير الخارجية الدوري للبعثات الدبلوماسية بالخرطوم ،وقام بكل صلف وغرور، بتسويق ذات التصريحات ،والتي أضاف عليها إتهامات مباشرة بتسبب السودان في توتر الأوضاع علي الحدود بسبب الأعمال العسكرية بمنطقة الفشقة.
* الشاهد في الأمر بأن السيد (ألمو) – كديدن كل أبناء الأمهرا النافذين فى الحكومة الأثيوبية – ظل على الدوام يتناول المواضيع والملفات المشتركة من زاوية مصلحة قوميته “الأمهرا” – الحليف الإستراتيجي لأبي أحمد – خاصة ملف الفشقة التى تمثل لإقليم للأمهرا الحدودي منطقة إستراتيجية للحد البعيد ، مقابل توازن وعقلانية ولغة مختلفة لأبي أحمد .
* أثيوبيا كانت تتوقع أن يفرز التغيير الذى جرى فى السودان، إلى حالة من التمزق والاحتراب الداخلى ،وأن الفرصة مواتية لاغتصاب مزيد من الآراضي السودانية – كان الجيش الأثيوبي قد توغل 50 كيلومتر بالتزامن مع فض إعتصام القيادة – حيث كان التوقع الأثيوبي بعد انهيار السودان أن تشهد أثيوبيا تدفقات كبيرة من اللاجئين السودانيين .
* بعد أن خابت التوقعات الأثيوبية عادت الحكومة الأثيوبية لممارسة سياسية التسويف والمماطلة بصورة كبيرة ، وبدأ (أبي أحمد) في إتباع سياسية الترضية لحليفه الإستراتيجي (قومية الأمهرا) حيال الممارسات والتعديات المستمرة علي الآراضي السودانية في سبيل تحقيق أطماعها التاريخية في الآراضي السودانية، لذلك ظل أبي أحمد والحزب الحاكم (الازدهار) يغضون الطرف عن اعتداءات مليشيات الأمهرية وتجاوزات صقورها النافذين فى السلطة ، في ذات الوقت يخشى أبي أحمد من زيادة تأزم علاقاته مع السودان في هذا التوقيت المهم له ،والذي يشهد تهدئة ومساعى لحوار وطنى أثيوبي شامل فى أزمات وتحديات مشتعلة وماثلة المتسبب الرئيس فيها قومية الأمهرا النافذة ( أزمة التقراي ، حرب القمز ، وانفجار الأوضاع الأمنية بعدد من الأقاليم الحدودية مع إقليم أمهرا ) الأمر الذى لا يجد التأييد والقبول من شريكه الأمهرا.
* على الجانب الآخر ،تسعى الإمارات لتوظيف جغرافية إثيوبيا – بما فيها آراضي الفشقة – وموقعها الاستراتيجي لصالح امتداد النفوذ الإقليمي للإمارات في القرن الإفريقي، وإصرارها على أن يكون لها موطىء فى الفشقة لمتابعة خطة التغيير عن قرب ،وتأمين مصالحها الإستراتيجية والإقتصادية فى المنطقة والبحر الأحمر، وتعزيز دورها في القرن الإفريقي .
* فى سبيل ذلك تسعى الإمارات بشتى السبل – ولن يهدأ لها بال – إلا بعد أن تكون جزء أصيل فى أى تسوية أو حل للنزاع فى الفشقة ، وكُلما فشلت في مبادرة ، تُسارع فى إعداد أُخرى ، حيث لا نستبعد بأن تكون فكرة “هندسة وطبخ ” مبادرة إماراتية جديدة أهم المواضيع التى ناقشها السفراء “الجنيبي وألمو”.