الخبير النفسي د. علي بلدو: قادة أحزابنا غير مؤهلين لحكم السودان وتم إغلاق مدرسة الرومانسية (لأنو ما جايبة حقها)

 

في هذه المساحة، يتحدث لنا طبيب الأمراض النفسية والعصبية المُثير للجدل البروفيسور علي بلدو، عن المسكوت عنه وكواليس حياته الشخصية علاوة على آرائه حول عدة موضوعات أبرزها “المجتمع السوداني والنساء والحالة النفسية العامة ما بعد الثورة”.
وبحسب بلدو فإن السودان بعيش أسوأ وضع نفسي تاريخياً ويتمدد الإحباط والغبن وفقدان الأمل، وأن صحة المواطن النفسية أصبحت تمشي على عجل الحديد.
ويقول بلدو في حوار أجرته معه (اليوم التالي) إن بالسودان حالياً ما يربو عن 22 مليون مريض ومريضة باالاكتئاب والقلق النفسي، ويومياً هنالك 1000 حالة إدمان لمخدر الآيس أو الكريستال منفردا في المستشفيات والمراكز الصحية في عموم البلاد، وأن حوالي 65% من مرتادي الفروع الطبية الأخرى يعانون في الواقع من متلازمات ومضاعفات نفسية.
ويرى بلدو أن النخب السياسية وقادة المجتمعات في بلادنا جميعهم غير مؤهلين نفسياً أو اجتماعياً ولا ذهنياً لحكم السودان، ليضيف قائلاً: لو أداروا بقالة أو دكان لفشلوا في ذلك.
فإلى مضابط الحوار:

* كمدخل موضوعي للحوار، أولاً رمضان كريم..
الله أكرم تصوموا وتفطروا على خير.
*بطاقة هوية؟
الاسم: علي محمد علي السنجك، اسم الشهرة (علي بلدو)
ـ الميلاد في حي ودنوباوي في أمدرمان
ـ نشأت يتيم الأب وتوليت تربيتي والدتي عليها الرحمة واسمها الشفة السراج
* المراحل الدراسية؟
ـ المدرسة الابتدائية في ودنوباوي.
ـ المتوسطة الأهلية أمدرمان.
ـ الثانوية المؤتمر الثانوية أمدرمان.
ـ المرحلة الجامعية متعددة وفيها “الطب والجراحة ـ القانون ـ الآداب ـ الاقتصاد والعلوم السياسية”.
* الحالة الاجتماعية، وعلاقتك مع الأسرة؟
ـ متزوج وأب لولدين وبنت.
* كيف التقيت زوجتك؟
زوجتي طبيبة وكانت طالبتي في كلية الطب.
وعلاقتي مع الأسرة علاقة متميزة وودودَة للغاية وبها المشاركة وسماع الآراء وبعيد عن العنف وفرض الرأي وتوزيع الوقت.
* الحب.. ماذا يعني لك؟
دون شك فإن الحب ضروري للحياة وهو أساس الراحة والاستقرار وقمة الشعور الإنساني.
مدرسة الحب؟
ـ تم إغلاق مدرسة الرومانسية بالضبة والمفتاح.
*لماذا؟
ـ لأنو ما جايبة حقها، والرجل السوداني لن يصبح رومانسياً حتى تطلع الشمس من المغرب ويلج الجمل في سم الخباط، واحتمال بعد داك ما يكون رومانسي أيضاً.
* ما الذي نحتاجة بالخصوص؟
ـ نحتاج لثورة في المفاهيم والعقلية وإعادة صياغة للشخصية السودانية وإعادة تعريف الكثير من الأشياء وبناء الأسرة على أسس متينة من المودة والرحمة والحب وقبول الآخر وفن التعامل.
* لمن تسمع من الفنانين؟
استمع للفنان الراحل محمد وردي بجانب أغاني الحقيبة والأغنيات الجميلة عموماً.
أكثر شخصية أنت معجب بها؟
ـأكثر شخصية معجب بها هي أمي رحمها الله وتعلمت منها الكثير ولا أزال.
* في العام 2020 تلقيت علقة ساخنة لمجاراتك على الهواء بارتفاع الشذوذ وسط النساء؟
ـ مشكلة الانحرافات الجنسية لدى النساء هي من الأشياء المسكوت عنها.
والعمل على معالجتها من صميم عملنا ولذا شكلت صدمة الكثيرين قبل أن يستوعبوا الأمر ويتعاملوا مع المشكلة لعلاجها وحماية المجتمع والأسرة.
* الحالة النفسية للمجتمع ما قبل الثورة وما بعدها؟
ـ الحالة النفسية ما بعد الثورة أسوأ عن ما كانت عليه قبلها.
ـ وأقول لك الآن السودان بعيش أسوأ وضع نفسي تاريخياً ويتمدد الإحباط والغبن وفقدان الأمل، وأصبحت صحة المواطن النفسية تمشي على عجل الحديد.
* البعض يوجه لك انتقادات لاذعة، هل لمظهر شعرك ارتباط بالموضوع؟
ليس هنالك علامة أو إشارة، ولكن كان التناول الدرامي للطب النفسي يقوم بعمل نمط ذهني معين كالنظارات الضخمة والملابس الممزقة وما شابه، مما رسخ لهذا المفهوم غير الصحيح.
وبالنسبة لي فأنا كنت ذو شعر طويل ومسدل منذ نعومة أظفاري، وليس جديداً، ولا مشكلة لدي، حيث سأكون نفس الشخص حتى ولو كان عندي صلعة ناصع لونها تسر الناظرين.
* الفن والجن؟
ـ قديماً قيل “المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن”، وقد يحدث في بعض الأمراض النفسية مثل مرض الاضطراب القطبي الثنائي أن يكون الشخص المريض منتجاً، ذكياً، مجتهداً، مثابراً، لماحاً، واثقاً من نفسه ولماحاً وبالتالي، ناجحاً في حياته ومبرزاً وكثيراً من السلاطين والأباطرة والفنانين والقادة كانوا مصابين بهذا المرض والذي نختصره باسم المنيا، ولعل السودان بحاجة ماسة لزعيم يعاني من المنيا ليتجاوز أزماته.
* وضح لنا أكثر؟
ـ ارتبط الإبداع والعبقرية لدى الكثيرين بالجنون والمرض النفسي، وكثيراً ما يقول الناس إن هناك شعرة رفيعة للغاية ما بين العبقرية وجانبها الآخر المرهوب ذكره! ومن اللطيف أنه حتى الشخص العادي عندما يود وصف أشياء جميلة، فإنه قد يستخدم لفظ (حاجة مجنونة جن).. ويمتد هذا المفهوم ليشمل النواحي الإبداعية الأخرى من غناء ورسم وتلوين ومسرح وكتابة وشعر، وغيرها من ضروب الإبداع والفنون.
* في تقديرك، هل للأمر علاقة مُرتبطة بالجسد والروح ؟
ـ دون شك فالإنسان جسد وعقل وروح، ودون تردد فإن الجن والشيطان موجود في ما خلق الله، ولكن لا يمكن أن نعلق كل أمراضنا على تلك الشماعة، بل يجب أن نأخذ بالأسباب والعلم والطب، حتى لا نقع ضحية الدجل والشعوذة وخصوصاً أن 99% من المرضى النفسيين في السودان يتلقون العلاج على يد الشيوخ.
* أصعب المواقف التي مررت بها؟
ـ من المواقف التي لا أنساها حالة مريضة أصيبت بمرض ما بعد الولادة وأقدمت على ذبح رضيعها ومن ثم تقطيعه وطبخه مشوياً وأكله، ولم يتم اكتشاف ذلك إلا بعد أن قدمت منه طبقاً للجيران.
* هل هنالك حالة استعصى عليك علاجها؟
ـ لله الحمد والمنة لا توجد حالات استعصت على العلاج، ولكن يمكن أن تأخذ بعض الوقت للتحسن، بل على العكس قد يكون التعافي سريعاً ومدهشاً للغاية، كحالة فتاة ظلت لا تنطق أو تتكلم لمدة سبع سنوات متواصلة وقد تمكنت من استعادة النطق بعد مقابلة واحدة معنا.
* في تقديرك، هل سقط النظام البائد؟
ـ مسلسلي بيت الجالوص والذي قمت بالتمثيل فيه، تم بثه في رمضان المنصرم وذلك بعد إيقافه أيام النظام السابق، بسبب تناوله قضايا الفساد والرشوة، وللأسف وفي هذا العهد أيضاً تم منع مسلسلي “الخازووق” من البث، لذات السبب، مما يعني أنها لم تسقط بعد!!
* الحالة النفسية للمجتمع؟
في السودان حالياً ما يربو عن اثنين وعشرين مليون مريض ومريضة باالاكتئاب والقلق النفسي. ويومياً هنالك ألف حالة إدمان لمخدر الآيس أو الكريستال منفرداً في المستشفيات والمراكز الصحية في عموم البلاد.
وحوالي 65% من مرتادي الفروع الطبية الأخرى يعانون في الواقع من متلازمات ومضاعفات نفسية.
* جذور المشكلة السودانية؟
ـ لقد آن الأوان أن نعلن أن واقعنا الحالي أشد جنوناً من أن يعالجه أحد، وأن نقر بأن الدين عند الله الأخلاق وحسن المعاملة، ونعترف أن جذور المشكلة السودانية هي ذات طبيعة نفسية واجتماعية ولم تتم مخاطبتها مطلقاً ولذا أصبحنا دولة فاشلة بامتياز، خصوصاً إذا علمنا أن قادة أحزابنا وتجمعاتنا والقوى السياسية المدنية وتحالفاتنا السياسية، كلهم غير مؤهلين نفسياً أو اجتماعياً ولا ذهنياً لحكم السودان، ولو أداروا بقالة أو دكان لفشلوا في ذلك.
* المسكوت عنه؟
ـ هنالك حالة اغتصاب للأطفال في كل ساعة ولكن لا يتم الإعلان عنها خوفاً من الفضيحة والملحقات وطول وبيروقراطية الإجراءات وعدم الوعي في التعامل مع الإثبات والأدلة، بجانب التسويات خارج إطار القانون وعمل معالجات أسرية واجتماعية، وبالتالي فإن ما يصل لمضابط الجهات الرسمية والعدلية، لا يتجاوز واحداً بالمائة فقط من الحالات وربما أقل.
* النساء؟
ـ الإصابة لدى السيدات أكثر، ونساء البلاد هن من اتعس نساء العالمين، وأمام كل رجل مدبرس هنالك ثلاث نساء مدبرسات.
ـ بجانب الأمراض الخاصة بهن لوحدهن مثل مشاكل الدورة الشهرية والحمل والإنجاب وما بعد الولادة والرضاعة، بجانب ما بعد سن اليأس وذهان شهر العسل والمضاعفات النفسية الناجمة عن الختان وتشويه الأعضاء التناسلية للأنثى والناسور البولي وغيرها.
* أغرب الملاحظات؟
ـ ازدياد حالات ما يسمى، بذهان شهر العسل وهو اضطراب نفسي حاد يأتي في الأيام الأولى للزواج ويتميز بعدم النوم والبكاء ورفض الأكل والصمت أو الصراخ، بجانب رفض العلاقة الجنسية والرغبة في إيذاء النفس أو الآخرين، ويصيب عروسين إلى ثلاث من كل عشر زيجات.
* مرض مُتمدد؟
ـ تمدد انتشار مرض الزهايمر في السودان لأعداد كبيرة ومتزايدة يوماً بعد يوم وتحتاج لمعالجات خاصة وإشراف طبي لكبار السن وتوفير الرعاية لهم وحمايتهم من العنف والاستغلال وصون كرامتهم وإنسانيتهم وحفظ كبريائهم.
* من الظواهر الخطيرة؟
ـ من الظواهر الخطيرة، الإدمان الرقمي وإدمان المواقع الإباحية ذات المحتوى الجنسي، مما رفع من وتيرة الاغتصاب والتحرش الجنسي، وكذلك إدمان العادة السرية والعجز الجنسي للرجال، والبرود الجنسي لدى النساء، وارتفاع معدلات الخيانة الزوجية، والعلاقات العاطفية الجنسية عبر الهاتف والأسافير، وهي الخيانة الرقمية والافتراضية والتي لا تقل ضرراً عن الخيانة الواقعية أو التقليدية.
* الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الحالة؟
ـ نتيجة للجفاف العاطفي وحالات التبلد الشعور والمجاعة الوجدانية التي تضرب بأطنابها في حياة معظم الأزواج، بجانب انعدام الرومانسية وفن التعامل والاحتفاء بالآخر، وكذلك الفضاء المفتوح وعدم القدرة على الإشباع الجسدي والعاطفي وتوتر العلاقات وكثرة المشاكل و(النقة) والخلافات والنزاعات الأسرية والضغوط الاقتصادية والمعيشية، كل ذلك زاد من معدلات الخيانة الزوجية سواء كانت تقليدية واقعية أم إسفيرية افتراضية، وترتفع لنسب عالية في الأزواج لما يربو عن 72% ممن يخونون زوجاتهم ولو لمرة بصورة أو بأخرى، وهذا يهدد استمرار الأسرة ويهدم الكثير جداً من القيم المجتمعية ويلقي بتبعاته على الأطفال والأسرة الممتدة والمجتمع ككل، حيث أن من خان زوجته فكأنما خان الناس، جميعاً.

Comments (0)
Add Comment