أستاذ العلوم السياسية بروفيسر عبدهـ مختار موسى: ظرف البلاد  يستدعي (تصفير) الفترة الانتقالية

 

– السياسيون أنانيون ويمنعون الكفاءات من الوصول للحكم!

– على البرهان التنازل عن قراراته والشعب يريد أفعالاً لا أقوالاً!

– اتفاقية جوبا ليست قرآنا منزلاً ومن الممكن تجاوزها!

– عودة نشاط الحركة الإسلامية سببه قرارات البرهان!

 

رهن أستاذ العلوم السياسية بروف عبده مختار موسى نجاح تسوية سياسية بالالتزام الأخلاقي، ودعا في هذا الحوار مع (اليوم التالي) السلطات لتقديم التنازلات في وقت اعتبر عدم الثقة في السلطات أمر  طبيعي، لكنه رأى إمكانية إعادة هذه الثقة.. بروف مختار  انتقد الأحزاب بشدة، ووصفها بالأنانية، وقال إنها تملأ الدنيا ضجيجاً، وتوصد الباب أمام الكفاءات للوصول إلى السلطة والمساهمة في إخراج البلاد من الأزمة.

كما أبدى رأيه حول فرص عودة الإسلاميين، وربما الخارج في المشهد السياسي، فإلى حصيلة الحوار…

حوار: إبراهيم عبد الرازق

أولاً بروف العوامل التي تضعف فكرة تسوية سياسية في هذا التوقيت والأخرى التي تدعمها؟

عدم وحدة قوى الثورة مقروناً بالأنانية والتشظي الحزبي هي أكبر مهدد لنجاح أية تسوية. نجاح التسوية يحتاج لتوفير المناخ السياسي الملائم الذي يقوم على التزام أخلاقي بتحقيق توافق وطني يخرج البلاد من هذا المأزق التاريخي.

يؤكدون أن التسوية باتت قريبة.. هل ستنجح أم تقود للمزيد من  التأزيم؟

التسوية ستنجح في هذه الحالة فقط: إذا توافرت الإرادة والضمير الوطني. فالمسألة “أخلاقية” في المقام الأول، وهي تتمثل في أن يتنازل الجميع تنازلاً حقيقياً من أجل الوطن لأن التمسك بالمواقف المؤسسة على مصالح شخصية أو تحيزات أيديولوجية أو مؤثرات حزبية لا تخدم مسيرة التوافق ولن يتحقق الحـد الأدنى من الاتفاق على أولويات وضروريات المرحلة الانتقالية.

 

لكن من ناحية تحليلية لا يمكنني تقييم “التسوية” ما لم أعرف طبيعة هذه التسوية ونوعيتها؟ هل هي تسوية سياسية بتنازلات واضحة عن مواقف صفرية ظهرت بعد انقلاب البرهان؟ هل تعني التخلي عن اللاءات التي ظلت قوى الثورة ترفعها باستمرار في تعاملها مع المكون العسكري؟ هل هي تسوية شاملة لا تبعد أي طرف (باستثناء المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية)؟ وما هي الجهة التي ترعى هذه التسوية؟ وما هي الضمانات اللازمة لتطبيقها؟

أصوات لقوى مقدرة أعلنت عدم ثقتها في البرهان كيف تقرأ ذلك؟

مع الأسف البرهان عمل على تأليب الشارع ضده بقراراته الانقلابية. واستعادة الثقة ليس أمراً مستحيلاً، فذلك يمكن أن يتم بقرارات من البرهان نفسه بأن يتراجع عن قراراته الخاصة بتجميد مواد في الوثيقة الدستورية ووقف الاعتداءات والعنف على المحتجين السلميين، وإعلان نتائج التحقيقات التي أعلن عن تكوين لجانها عدة مرات، ولكن ليس هناك نتيجة ملموسة في الواقع! يستمر القتل والعنف والاعتقال ضد المدنيين وأنت المسؤول الأول في الدولة (بحكم الواقع) ولا تتم محاكمات؟ فكيف لا يفقد فيك الناس الثقة؟؟ تقول ولا تعمل! الشعب يريد أفعالاً وليس أقوالاً. هذه هي بعض مطلوبات إعادة الثقة، إضافة إلى التنازل عن مجلس السيادة لشخصية مدنية بحسب ما جاء في الوثيقة الدستورية. ربما يجد البرهان “صعوبة” في التراجع بحكم أنه عسكري. لكن أقول له إنكم اتخذتم القرارات بحكم رئاستكم لمجلس السيادة وليس بحكم أنك ضابط في القوات المسلحة، لأن هذه القرارات طبيعتها “سياسية” والسياسة هي فن الممكن وليس فيها حرج في التراجع إذا كان الواقع يفرض ذلك وأولويات المرحلة وضروريات الوطن تستوجب ذلك “التصحيح”. على العكس التراجع يكسبك الكثير بينما التمادي في هذا النهج القامع للثورة والباطش بالشعب ستخسر من خلاله كل شيء والتاريخ ملئ بالدروس والعبر والعظات.

رافضو الانقلاب الشيوعي والمقاومة والبعث والسوداني هل تعتقد لهم القدرة على تعطيل التوافق المنتظر؟

رافضو الانقلاب ليسو هؤلاء فقط، بل أغلب الشعب السوداني – الأغلبية الصامتة التي ليس لها منابر ولا متحدثين عنها.. فالشعب يعيش في حسرة أن يرى ثورته تتعرض لهذا التخذيل والعرقلة ومحاولات الإفشال، وهي واقعة بين سندان فشل حكومة حمدوك ومطرقة انقلاب البرهان، هنالك طريق ثالث يخدم الأغلبية الصامتة ويحقق أهداف الثورة ويحافظ على الوطن وهو أن يُترك أمر إدارة الفترة الانتقالية لكفاءات مستقلة – ليس لها علاقة بالأحزاب ولا بالمكون العسكري – وهم كثر وموجودون، لكن هؤلاء الساسة الذين يملأون الساحة ضجيجاً تمنعهم الأنانية عن التنازل للكفاءات الحقيقية والمستقلة لإدارة الدولة بتجانس وانسجام – بعيداً عن المحاصصات والصراعات – وبالتركيز على أولويات الانتقال والترتيب للانتخابات. فمن المستغرب أن يتمسك جبريل بحقيبة وزارية ذهب مجلس وزارئها ولم تعد الحكومة التي أتت به موجودة.! يتمسك بحجة أنه جاء عن طريق اتفاقية جوبا! هل اتفاقية جوبا قالت بالاسم (جبريل إبراهيم يكون وزير مالية)؟ وهل اتفاقية جوبا قرآن منزل؟ هل لا يمكن تعديلها إذا دعت الضرورة الوطنية ذلك؟ وما مدى شرعية اتفاقية جوبا حتى تتمسك بها وتحصن بها استمرارك في وزارة المالية رغم فشل الاقتصاد تحت إدارتك؟

واتفاقية جوبا ناقصة من حيث عدم مشاركة كل الحركات فيها، وناقصة الشرعية لأنها لم تتم إجازتها في برلمان (مجلس تشريعي)!! والوثيقة الدستورية نفسها يجب تعديلها، واقع الحال وما تمر بها البلاد من أزمات وانتكاسات يستدعي (تصفير) الفترة الانتقالية وإعادة النظر في كل شيء وتصحيح المسار لأن الحكومة الانتقالية بدأت خطأً وسارت في المسارات الخطأ مما أوقعنا في ما نحن فيه الآن.. يجب أن يتولى الأمر مدنيون في مستوى الثورة ومستوى المرحلة وفي مستوى هذا الشعب العظيم.

ما حجم بصمات القوى الخارجية في المشهد السوداني منذ الثورة.. الآن.. ومستقبلاً في تقديرك؟

نسبة لأن حكومة حمدوك كانت ضعيفة بحكم أنها جاءت وفق محاصصات وليس وفق معايير موضوعية فقد توافرت الثغرات للاختراق الخارجي. فهشاشة الفترة الانتقالية هو الذي أغرى الآخرين بالتدخل بالتأثير على أطراف معينة لتحويل مسار الفترة الانتقالية بما يخدم مصالحها لأن هنالك جهات خارجية لا تحتمل نجاح الثورة وتشكيل ديمقراطية راسخة في المنطقة! الحل هو في وحدة قوى الثورة وفي تشكيل حكومة كفاءات غير حزبية. لم تتمكن التدخلات الخارجية من إحباط الثورة بسبب قوة الشباب الذين بهروا العالم بشجاعتهم وسلميتهم.. شباب الثورة هم الدرع الواقي لها وهم السند الحقيقي لاستمرار الثورة.

حالة نشاط تعتري القوى الإسلامية والتي أطلت برأسها من جديد.. ما قدر فرصها في الشارع السوداني برأيك؟

نشاط الحركة الإسلامية هو بسبب قرارات البرهان الانقلابية لأن الانقلاب أصلاً وقع برداً وسلاماً عليهم وجاء الانقلاب استجابة لاعتصامهم في القصر الجمهوري (جماعة الميثاق/ التوافق الوطني)، والذين استغلوا انقسامات قوى الحرية والتغيير وتلك كانت نتاج محاصصات وإقصاءات غير مبررة، كما أسهم حمدوك في ذلك أيضاً لأنه لم يكن يمتلك الرؤية السياسية لإدارة الفترة الانتقالية، كما أنه يفتقر للخبرة السياسية اللازمة للتعامل مع تعقيدات المرحلة الانتقالية، ولم يكن له برنامج ولم يستعِن بالشخصيات التي لها رؤية وبرامج تخدم الثورة. لذلك لازمه التخبط وانتهى به إلى اتفاق مع المكون العسكري وخسر به الشارع، كلها شواهد تؤكد افتقاره للحنكة السياسية وللرؤية السياسية وللإرادة السياسية القوية التي تجعل منه رجل دولة ورجل مرحلة – هي من أصعب المراحل التي يمـر بها السودان. أنا منذ البداية تنبأتُ بفشل الحكومة الانتقالية وكتبت في هذا الصدد الكثير وقلتُ إن حكومة حمدوك ليست في مستوى الثورة وأنها ضلت طريقها وأن حمدوك ليس رجل المرحلة. وقلتها بصراحة إن الثورة تحتاج لـ”قيادة”..

هل المشهد الذي يعد الآن ضمن الثورة والانتقال أم هو ترتيب لواقع جديد؟

عادة الثورات الكبرى تأخذ فترات طويلة للوصول لغاياتها وتحقيق أهدافها، فالثورة الفرنسية لم ترسخ أقدامها إلا بعد عشرة سنوات. فالعقبات التي تتعرض لها الثورة السودانية متوقعة وكذلك المؤامرات الداخلية والخارجية لكن إن الله لقادر على نصر هذا الشعب المظلوم المغلوب على أمره ولو طال الزمن..

الترتيب لواقع جديد يجب أن يكون وفق معطيات الثورة وليس وفق أطماع المتآمرين على الثورة، فالثورة دفع فيها الشباب حياتهم وضحوا من أجلها. لكن أكبر مهدد للترتيب لواقع جديد يخدم الثورة هو انقسام المدنيين.. لا أعتقد أن الوضع يحتاج لمبادرات، فهنالك الكثير جداً من المبادرات. تكمن المشكلة الحقيقية في غياب القيادة والإرادة. فالفترة الانتقالية (والثورة) تحتاج إلى وحدة الإرادة، ووحدة القيادة ووحدة البرنامج، فإذا لم تتوحد القوى السياسية تحت جبهة وطنية عريضة (أو كتلة تاريخية) وتحت قيادة واحدة متفق عليها فإننا سنظل ندور في فلك مبادرات لا نهاية لها وتتآكل الثورة.. وهذه هي الخطورة .

 

Comments (0)
Add Comment