البنك الدولي.. المساس بالأمن القومي

على نحو مفاجئ، هدد البنك الدولي بإلغاء خطة ديون السودان الخارجية والتي تفوق الـ50 مليار دولار، ووصف خبراء في الاقتصاد قرار البنك بالدولي بالغريب، معتبرين أن إعفاء الديون قرار سياسي تمتلكه أمريكا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى نادي باريس، ودول الخليخ العربي، فيما اعتبر سياسيون أن تهديد البنك الدولي فقاعة لا تبقي ولا تذر، وقالوا إن ربط إعفاء ديون السودان بتكوين حكومة مدنية نوع من الابتزاز السياسي والاقتصادي الموجه مقرون بتهديد يمس الأمن القومي السوداني، مضيفين أنه لا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء بإعفاء الديون التي هدت كاهل الاقتصاد السوداني، مؤكدين أن أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت على الإعفاء، لكن المجتمع المدني لم يفِ بوعوده للسودان.
قرار البنك
وكانت مصادر صحافية نقلت عن أن البنك الدولي قد أمهل السودان حتى يونيو 2022م للتوصل إلى حل للأزمة السياسية والعودة لمسار الانتقال المدني الدولي، وإلا سوف تلغى خطة لإعفاء ديونه الخارجية والتي تفوق 50 مليار دولار، الأمر الذي يتطلب الإجابة عن أسئلة ومن ضمنها مستقبل علاقة البلاد بمؤسسات التمويل الدولية وعودة الدعم الذي خلف إيقافه أوضاع اقتصادية قاسية؟.
ويذكر أن التمويل الدولي غاب عن موازنة السودان للعام 2022م والتي اعتمدت على الموارد الذاتية الشحيحة والجبايات، بينما تشهد الأوضاع الاقتصادية تراجعاً مستمراً وغلاءً طاحناً، وسط تمسك حكومة الانقلاب في الخرطوم بالاستمرار في تنفيذ روشتة الإصلاح القاسية المقدمة من صندوق النقد الدولي.
هيمنة اقتصادية
قال الأكاديمي والمحلل السياسي د. عثمان أبو المجد إن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هما عبارة عن مؤسسات موجهة تنتمي لجهات دولية، مضيفاً أنها تسعى لتحقيق أجندات خاصة بها للهيمنة على اقتصاديات ومقدرات شعوب العالم خاصة دول العالم الثالث، معتبراً أنها بمثابة استعمار ناعم بديلاً للاستعمار التقليدي القديم، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إن التهديد بإيقاف إلغاء ديون السودان البالغة 50 مليون دولار هو عبارة عن فقاعة لا تبقي ولا تذر، وأشار إلى أن الثورة السودانية مضى عليها ما يقارب أربع سنوات منذ قيامها في ديسمبر ٢٠١٨، مبيناً أن السودان أوفى بما التزم به ودفع للولايات المتحدة الأمريكية تعويضات غير مستحقة بتهم ملفقة وغير صحيحة، إضافة إلى تكوين حكومة مدنية برئاسة د. عبدالله حمدوك.
مخطط مرسوم
يوضح أبو المجد أنه تم عقد عدة مؤتمرات إقليمية ودولية لدعم السودان وإعفاء الديون نادي باريس والهيبك وغيرها، مبدياً أسفه قائلاً إن البنك الدولي لم يحرك ساكناً، منوهاً إلى أن الوعود الكاذبة والابتزاز السياسي والاقتصادي والأمني ظل بتوجيه من الدول الإمبريالية التي لا تريد الخير للسودان وأهل السودان إلا في ظل الخنوع والخضوع للأجندات المخططة سلفاً للتركيع والشيطنة والعمل على تفتيت وتقسيم السودان وفقاً للمخطط المرسوم مسبقاً.
ابتزاز اقتصادي
ويعتبر أبو المجد أن أي قرار أو حديث من قبل البنك الدولي لربط إعفاء ديون السودان بتكوين حكومة مدنية قبل يونيو من هذا العام نوع من الابتزاز السياسي والاقتصادي الموجه مقرون بتهديد يمس الأمن القومي السوداني، مطالباً بعدم الالتفات إليه في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، داعياً مجلس السيادة المضي قدماً في تحقيق الوفاق الوطني والإسراع في تعيين رئيس الوزراء وتكوين حكومة كفاءات وطنية (تكنوقراط) وإكمال تأسيس المفوضيات والمؤسسات الأخرى دون الالتفات لجعجة البنك الدولي التي لا تخرج طحيناً.
حق الإعفاء
وفي السياق ذاته وصف المحلل الاقتصادي دكتور فاتح عثمان تهديدات البنك الدولي إن صحت بالغريبة جداً، معتبراً أن إعفاء الديون قرار سياسي يصدر من الدول وليس من المؤسسات المالية الدولية التي لا تمتلك في نظمها الإدارية حق إعفاء الديون من الأساس، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إن البنك الدولي مثلاً لم يعفِ ديونه قط، وأضاف: لكنه قبل إعادة قيدها بعد تقديم الولايات المتحدة الأمريكية قرضاً تجسيرياً لسداد ديون السودان، وزاد: أما صندوق النقد الدولي فهو أيضاً لم يعفِ ديونه، لكنه تلقى أموالاً من فرنسا وأمريكا وكذلك بنك التنمية الأفريقي.
سياسات اقتصادية
ويرى د. فاتح أن قرار إعفاء الديون بالنسبة للسودان هو قرار سياسي تمتلكه أمريكا والاتحاد الأوروبي ودول مجموعة نادي باريس أساساً ومعها دول الخليج العربي، وقال: لكن إن كان البنك الدولي يتحدث إنابة عن تلك الدول وبرنامجها لإعفاء الديون الخارجية السودانية فكلامه ربما يكون مفهوماً لو كان يطلب التزامات مالية أو سياسات اقتصادية معينة، وتابع: وحتى هذه هي من صلب مهمة صندوق النقد الدولي.
ديون خارجية
ونوه إلى أن الخبر غريب، لكنه عاد وأكد أن الوعد بإعفاء الديون لن يكون مفتوحاً، وطالب الفريق أول عبدالفتاح البرهان بضرورة الإسراع في تكوين حكومة توافق سياسي مدنية تؤول إليها كافة مهام السلطة التنفيذية ويقع على عاتقها التفاوض مع أصدقاء السودان والمؤسسات المالية الدولية للاستفادة من الجهود السابقة في إعفاء الديون، كما زاد إلى مطالبه للفريق أول عبدالفتاح البرهان أخذ ما جاء في حديث البنك الدولي مأخذ الجد بالرغم من أنه عملياً لا معنى له، وبرر ذلك لأن السودان متوقف عن سداد أقساط الديون الخارجية منذ أربعين عاماً أي منذ عهد نميري.
ديون السودان
إلى ذلك يقول الباحث والمحلل السياسي أبوبكر النور إن حجم الدين الخارجي للسودان بلغ نحو 54 مليار دولار، مضيفاً أن أصل الدين الحقيقي منها يمثل نحو 17 مليار دولار، بينما نحو 37 ملياراً منها هي عبارة عن فوائد وجزاءات بسبب العجز عن دفع الديون في موعدها، وأوضح أن دائني السودان هم نادي باريس بنسبة 37% من نسبة الدين الكلية، في حين أن 51% تمثلها مؤسسات متعددة الجنسيات، بجانب 14% نسبة ديون القطاع الخاص، ويشير أبو بكر إلى أن السودان حصل على موافقة لإعفاء 23.5 مليار دولار ليصبح الدولة رقم 38 في العالم التي تحصل على إعفاء الديون في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك”، وقال في حديثه لـ”اليوم التالي” إن ذلك جاء في اجتماع مشترك بين صندوق النقد والبنك الدولي في يوليو 2021م، مضيفاً أن السودان وصل إلى نقطة القرار المطلوبة للاستفادة من مبادرة الـ”هيبيك”.
تعثر الديون
ويبين أبوبكر أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في بيان مشترك لهما اتفقا على إعفاء 23 مليار من ديون السودان، على أن يستكمل بمبادرات أخرى ليصل لأكثر من 50 مليار دولار من حيث القيمة الحالية، وتابع: يمثل ذلك أكثر من 90 في المائة من إجمالي الدين الخارجي للسودان، إضافة إلى أنه يتيح للسودان تمويلات فورية بقيمة 4 مليارات دولار، ديون السودان المتوقع إعفاؤها خلال عام من تاريخ القرار، تعادل 40% من جملة الديون التي تم إعفاؤها لعدد 38 دولة فقيرة، قائلاً إن هذه تمثل أكبر عملية إعفاء على مر تاريخ هذه المبادرة وفي أقصر مدة زمنية ممكنة، كما سيساعد ذلك في التطبيع الفوري لعلاقاته مع المجتمع الدولي والوصول إلى الموارد المالية الإضافية المهمة لدعم الإصلاحات الاقتصادية الصعبة التي يقوم بتطبيقها، وأردف: يلوح في الأفق إعادة النظر في مشكلة تعثر الديون الخارجية، عقب تلميحات من الجهات الدائنة بعدم الإيفاء بالوعود التي قطعتها مسبقاً، بعد التعقيدات التي شابت الأوضاع السياسية بالبلاد.

تمرير مصالح
وقال إن الخارجية الأمريكية أكدت أن إخفاق السودان في استعادة الحكومة المدنية سيزيد من عزلته عن المجتمع الدولي، معتبراً أن ربط إعفاء ديون السودان الخارجية على تلك الدول يخضع للتقديرات السياسية ومصالح تلك الدول بالسودان من خلال الضغط عليه لتمرير مصالحلها، قاطعاً أن ذلك سيضر بشكل كبير الشعب السوداني، مستبعداً تمرير ذات المصالح عن طريق المؤسسات الاقتصاديه المانحة والتي يفترض أن تكون اقتصادية وليست سياسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشير أبوبكر إلى أن السودان التزم ببرنامج الإصلاحات الاقتصادية التي فرضتها تلك المؤسسات والتي بمقتضاها انضم السودان لمبادرة الدول المثقلة بالديون – الهيبك.
تسهيلات وقروض
ولفت إلى أنه في يونيو 2020، وقعت الحكومة السودانية مع صندوق النقد الدولي على برنامج المراقبة الذي يعمل على مراقبة اشتراطات الصندوق على الحكومات وتقييمها بعد عام، للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن المليار دولار، وقال إن الصندوق اشترط على الخرطوم، الإقرار بجملة من الإصلاحات من أهمها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ على الرغم من الآثار الكارثية التي ستنعكس على ارتفاع الأسعار وبالتالي على صعوبة الأوضاع المعيشية على المواطن المغلوب على أمره، ويرى أن الحكومة السودانية حققت كل مطلوبات المؤسسات الاقتصادية ووصفات صندوق النقد الدولي، ولا مبرر للتهديد بعدم الإيفاء بإعفاء الديون التي هدت كاهل الاقتصاد السوداني عبر التاريخ، وأكد أن أي دولة نفذت سياسات الصندوق حصلت في المقابل على الإعفاء إلا أن المجتمع الدولي لم يفِ بوعوده مع السودان.

Comments (0)
Add Comment