عبر التاريخ والأيام في الرد على المحبوب عبد السلام

د. أمين حسن عمر
أذكر في الايام الخوالي عندما ساءنا تهجم شيخنا د جعفر شيخ أدريس (شفاه الله وعافاه ) على شيخنا الترابي( رحمه الله ) أنني ومحبوب أقمنا ندوة في قاعة الشارقة ردا على البرفيسور جعفر وكنا في ريعان الشباب ونزقه فتطاولنا عليه بالقول وكان مما قيل يومذاك وصف محبوب لدكتور جعفر بأنه مثل طائر البطريق لا يغير طرقه أبدا .فرد د. جعفر في صحيفة ألوان على المحبوب تحت عنوان (طائر البطريق يرد على طائر الببغاء) وكان جعفر يريد القول ان محبوب يهرف بما لا يعرف ويردد كلام الترابي دون ان يفقهه. يومها غضبنا من د. جعفر. ولكن ما بال محبوب اليوم يردد كلام قحت وإدعاءاتها عن وعي أو بغير وعي ومن مثل ذلك زعمه ان ما يسميه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر قد صنعه الاسلاميون وأنهم (هم اللذين تبرعوا بالنصيحة المسمومة للفريق البرهان أن ما فعلوه فى رمضان ١٩٨٩ يمكن أن يعاد فى اكتوبر ٢٠٢١، إذا انتظمت الثورة التى حملت الكتاب فى رمضان وعرفت بثورة المصاحف إشارة الى الاحتجاج على تجميد قوانين سبتمبر وإتفاق الميرغنى قرنق يومئذ، بينما كان التنظيم يحكم خطوات للانقلاب فيذهب العميد الى القصر رئيساً ويذهب الشيخ الى السجن حبيساً، فلم يفلح اعتصام القصر فى فيما أفلح فيه السيناريو القديم رغم أن التنظيم اليوم أثرى مالاً وأوسع أنتشاراً ولكن بلا رؤية ولا خطة كالتى كانت فى الايام الخوالى.) يقول محبوب (فالعقل القديم الذى صور لجماعة الاعتصام أن العودة القديمة الى جذور المجتمع (أمراء القبائل، شيوخ التصوف، الزعامات الأهلية الخ) وتعبئتهم ضد مشروع الحرية والتغيير وحشدهم حول القصر يمكن أن يعيد سيناريو منتصف العقد الثمانين من القرن الماضى،هو ذاته العقل البالى الذى صور لفلادمير بوتن أن غزوه لأكرانيا). ما عندي شك إن إيمان محبوب مثل إيمان أهل البادية أن آمنوا كانوا أشد الناس إيمانا وإن كفروا صاروا أشد الناس كفرا وإن نافقوا كانوا أشد الناس نفاقا . ومحبوب قد صار أشد الناس إيمانا بباريس والغرب فهو يتبنى أقوالهم ويرددها في إيمان مثل إيمان العجائز ولا يعرضها للشك الديكارتي. وهو يتبني دعاية فرنسا ضد روسيا كما ترددها قناة فرنسا 24ويتحدث عن أهل التصوف والقيادات الأهلية كما يتحدث كتاب علم الاجتماع الغربي بوصفهم جماعات رجعية تقليدية تريد تكريس الماضوية في راهن الحال. وأقول للمحبوب أن من تسمي قوة ماضوية فيهم شيخ الجد قاضي المحكمة العليا وفيها عبد الوهاب الكباشي وانت أعلم بمن هو وفيهم اساتذة الجامعات والأطباء فاذا كان مجرد تضامنهم مع أهلهم وعشائرهم وطرقهم رجعية فذلك تعريف جديد للرجعية. ولقد كانت لهولاءالرجعيين مبادرات لصيانة استقلال وإستقرار البلد منها مبادرة الشيخ الجعلي ومبادرة الشيخ الياقوت ومبادرة الشيخ الجد فهلا إطلع المحبوب على أفكارهم وأرشدنا الى مواطن الرجوع والتخلف في وصفاتهم لانقاذ الوطن . وذلك مقارنة مع وصفة القوى الحديثة والتقدمية والثورية التي يصطف معها ويردد شعاراتها الجوفاء على طريقة الطائر الجميل بهي الريش و الالوان. وليخبرني إن كان لا يزال يراى التقدمية في حزب البعث والحزب الشيوعي وتجمع العلمانيين الاتحاديين والسودانيين فليرشدنا لهذه التقدمية في أفكار عفا عليها الدهر ولم يعفو عنها.
ربما المحبوب وهو يقضي أوقاته في مسامرات مع صحبه على ذات اليسار في لندن وباريس ومع التنويريين العلمانيين في مصر وتونس ودبي لم يتسع له وقت لملاحظة التحولات الواسعة في حال المجتمع وإتجاهاته التي صنعتها ثورات الانقاذ في ثلاثين سنة في التعليم والتعليم العالي والطرق العابرة والأتصالات. وكلها ثورات تضاعف الحركية الاجتماعية وقد يعلم محبوب ان الحركية الإجتماعية هي صانعة التغيير . أليس هو يفهم في التغيير ما لا يفهمه أساتذة علم النفس والاجتماع مثل الزبير بشير وإنتصار أبو ناجمة وسيد الخطيب. و لا يسلح محبوب على التيار الصوفي والأهلي وحده بل على التيار الاسلامي الذي أوصل محبوب للمكان الذي يطأه الآن فيصف (تيار الاسلام السياسي الذى كان قبل قرن من اليوم تياراً ثورياً واعداً هو اليوم فكرة ميتة عاجزة عن التواصل مع القوى الحية) وتوصيف محبوب للتيار الاسلامي بأنه فكرة ميتة تتحالف مع قوى ميتة ماضوية ليس بمستغرب فإنما هو ما يردده أصحابه القحتيون وهو يقول بما يقولون له وأخشى ان حاله بات يحكي حال الخليفة العباسي الذي وقع تحت السيطرة التامة لأخواله الاتراك وصيف وبغا فقال عنه الشاعر : خليفة في قفص عند وصيف وبغا يقول ما قالا له كما تقول الببغا فالتيار الاسلامي صار أسمه التيار الاسلامي السياسي .وعبارة الاسلام السياسي شنشنة نعرفها عند منظري الاستخبارات ممن هو حي منهم ومن ذهب لملاقاة سوء عاقبة عمله. وسؤالي للمحبوب إن كان التيار الاسلامي فكرة ميتة تتحالف مع قوى ماضوية فلماذا ينشغل به أصحابك ومتعهديهم في المخابرات الدولية والإقليمية. الميت يدفن يا محبوب ثم ينتسى. فما بالكم يهجس في نفوسكم طيف التيار الاسلامي السياسي كل صباح ومساء… أتركوا الميت فقد كانت وصيته ألا يبكي عليه أحد. والتيار الاسلامي ميت الافكار هو عند محبوب (تيار الاسلام السياسى وهو كيان مصطنع وفق مصطلحات علم الاجتماع السياسى وليس نعتاً يقصد به الاساءة، هو كيان مصطنع يتبدد فى التيه من طنجة الى جاكرتا وفقاً لجغرافيا بن نبى نفسه وهو يعجز عن التحديث فضلاً عن الحداثة.) وهذا كلام ينطبق عليه صفة إلقاء القول على عواهنه فكيف عجز التيار الاسلامي عن التحديث والوسيط الذي ينقل به المحبوب زعمه هذا كان بعضا من التحديث الذي أحدثه التيار الاسلامي في البلد ولم يكن هنالك عندما جاءت الانقاذ ولكن عفو الكلام عادة مزمنة عند بعض الناس. وأما الحداثة التي يعشقها المحبوب فهي أيدولوجيا لسنا ممن يؤمن بها حتى يخطبها. ويتحدث أخيرا محبوب عن معالم انهار قحت ربما متحسرا على أنهاء حقبتها الفاشلة بما يسميه إنقلابا من ذات العسكر الذين هم من نصبوها وحدها إستبدادا مدنيا على رؤوس العباد. و لم يفتح الله على محبوب في عهدها بكلمة لوم ناعمة واحدة علها ترد صحبه عن غي كانوا فيه سادرين. يقول محبوب (معارضة إنقلاب ٢٥ اكتوبر قبل أن يقع الانقلاب فقد بدت إرهاصاته واضحة، بل إن معالم إنهيار الوضع الانتقالى كانت بينة منذ ان حاصرت الانتقال ملةٌ متهافةٌ وأحاطت برئيس الوزراء بطانةٌ خاسرةٌ خاصةً فى المرحلة الأولى، ورغم أن ذلك مما حسبه الانقلاب فى صالحه فقد كانت دفعة التحولات وقوتها أكبر منهما،) فهذه الملة الفاشلة الخاسرة هي ذات ما يصطف في ميدانه محبوب وهي التي تعيد نشر مقاله الذي أسعد قلوب له واجفة راجفة مما ترى من عزلتها وهوانها على الناس. ويعترف المحبوب بميزة للانقاذ وهي انبساط الحرية بعد نيفاشا ولكنه لا يجعل ذلك منقبة لها بل يرده لضعفها وعجزها.. يقول محبوب (فمنذ الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل (نيفاشا ٢٠٠٤) إنبسطت مساحة للحرية رغم أنف الانقاذ وبسبب من ضعفها يومئذٍ، إستمعت وقرأت وشاهدت الأجيال الشابة مئات الكتب والمقالات والمسرحيات والقصائد والأغنيات والأناشيد والأفلام ومعارض الفن التشكيلى كلها تصب فى مجرى الوعى الجديد، بل توالت تطبيقات الاعلام الاجتماعى مع الثورة الصناعية الثالثة ومع ثورة الاتصالات برنامجاً إثر برنامج تنقل جلسات الاستماع وحفلات الفرق الغنائية الموسيقية والمحاضرات والبث الحى الذى يتيح لأيّما شخص أن يغدو محطةً للبث مهما استغلها وشغلها الانفصاميون والمنفصمون وغالبهم من هلوسة القديم الذى يرى فى النور اشباح الظلام، فجاءت ثورة ديسمبر عنواناً للوعى الجديد من الذين درسوا وتخرجوا فى مدارس ومعاهد وجامعات ثورة التعليم الانقاذية) ورغم ثورة التعليم والاعلام التي صنعت جيلا ثائرا لا يرى محبوب فضلا للإنقاذ فيها ، بل يرد انجازاتها لمنهج التكديس على غير بصيرة يقول ( أن منهج التكديس والشيئية يذوب مع أول سطوع للشمس لتجلو عن الوجدان الجديد، فديسمبر هى أيضاً ثورة وعى من أجيال اليوم ضد سائر الأجيال السالفة، وهى أيضاً تحفر وتمضى فى المجرى الأعمق للتاريخ الذي ظلت نجومه تضئ منذ الشرعة الدولية لحقوق الانسان والعهد الدولى لحقوق الانسان وميثاق الحقوق الطبيعية والاجتماعية ومواثيق البيئة وحتى سيداو.) وها قد صار محبوب شاعرا ولم أكن أعهده شاعرا من قبل. صار يقول الشعر في مواثيق حقوق الانسان والشرعة الدولية وسيداو.. ويا حسرة على ما زمره شبخنا الترابي وأخوانه في الله فما زمروه زمروه لله. ورغم ذلك العمي الفقهي فأن محبوب يرمي بضعف البصيرة لدي التيار الاسلامي(السياسي) فيقول( يقترن ضعف البصيرة بالتاريخ والمستقبل إرتباطاً وثيقاً مع ضعف الوعى بالعالم وربما الاستهانة بالعلاقات الدولية، فكانت جماهير الانقاذ دائمة التغنى ( أميركا روسيا قد دنا عذابها)، حتى عندما بدأت معالم الوعى الجديد توثق صلاتها مع العالم وتبرز فى حركات احتجاج ولو خافتة (قرفنا، شرارة، التغيير الان، المبادرة الشبابية) فعند محبوب ان شعارا مثل شعار امريكا روسيا قد دنا عذابها يصبح دالة على عمى البصيرة تلكم البصيرة التي توفرت عند مجموعات الشيوعيين قرفنا وشرارة. ألم يعلم محبوب أن أول من بشر بعذاب أمريكا وهلاكها المبين هم الشيوعيون ولكن شباب الانقاذ في العام تسعين تحدثوا عن عذاب روسيا السوفياتية وصدقت نبوءتهم… كيف لا تصدق وهم ورثة الانبياء. يقول المحبوب في (الانتقال وفى غيره هو هنالك طريق واحد لحل المشكلات هو الطريق الصحيح أو كما يقال كثيراً فى الصحافة العربية (لا يصح إلا الصحيح)، وإذ لا تعدم مشكلات الوطن أبداً من يبسط لها الحلول والبدائل من أبنائه النابهين النابغين فى مختلف مجالات المعرفة، فإن الذى يعسر على الحس الإدراك السليم هو الغرض الذى يحرف الرؤية والهوى الذى يتلبث أصحاب الغرض،) والغرض وحده هو ما يعمي المحبوب ويطرشه عن ما يقترحه الاسلاميون وحلفاؤهم الماضويون لعبور المرحلة الانتقلالية فهو في شغل عن ذلك بترداد ما يقوله وصيف وبغا (مرحلة تعيد تأسيس وحدة السودان على أصولٍ جديدة، تمثلت فى الاعتراف بالتنوع الاثنى والتعدد الثقافى بالمواطنة المتساوية أصلاً للحقوق والواجبات وبإجماع الشعب مصدراً للتشريع ثم بوثيقة الحقوق والحريات.) فما الجديد في وثيقة نقلت( قطع ولصق) من دستور 2005. الجديد وحده هو أن المفارقة بين المكتوب والمشهود هي مثل المسافة بين سهيل والثريا. حزنت كثيرا عندما قرأت مقال المحبوب ولم أحزن من قوله ولكن حزنت لحاله فقد كنت ولا زلت أرجو له حسن السير وحسن الختام.

Comments (0)
Add Comment