د. إبراهيم الصديق على
(1)
لا أجد في نفسي عتباً على الأخ المحبوب عبدالسلام في مقاله : التغيير وإرادة التغيير، بقدر ما تساورني الحيرة في المعايير التي ألتمس من خلالها رؤيته وطرحه، فالمنهج العلمي يقتضي وحدة السياق والمقاربة والمقارنة، بينما نجد ان هناك مفارقات كبيرة، حين يظن ان التيار الإسلامي لم يجدد وسائله، بينما يقرظ ذات فكرة (التحشيد الوهمي) منذ جبهة الهيئات ١٩٦٤م والتجمع النقابي ١٩٨٥م وتجمع المهنيين ٢٠١٨م، ولم يقترب من (صنمية) الفكرة الشيوعية أو المنظور البعثي للقومية العربية وهم ذات ركائز (المشروع الديسمبري)، وإن أكتسي بتطلعات الشباب أو أحلام الجيل الجديد..
وربما من الأوفق ان نؤسس أكثر للنقاش من خلال نقاط اساسية :
أولاً: إن الإسلام والمسلمين عموماً، جزء من المنظومة العالمية، وإن تطورت وسائل الإتصال والتطبيقات والذكاء الإصطناعي، أو معايير ومناهج البحث، فإن المسلم يساير ذات التطور، وتصور ان التيار الإسلامي خارج دائرة الواقع، أو يعيشون حالة إنفصام، هو تعسف أكثر منه موضوعية نقاش وتداول، ولعلنا نذكر ان مكتشف لقاح كورونا الذي أحار العالم طبيب تركي مسلم (أوغر شاهين وزوجته أوزلم) ، عاش في مجتمع غربي وأستخدم تقنيات غربية وحصل على نتائج مذهلة..
وثانياً:إن شروط التغيير والإنتقال، لا تستثني أحدا، وكما تحدث إبن خلدون عن زوال الأمم وسقوط الدويلات ووضع لذلك مسببات ومواقيت، فإن ذلك ذات منهج آرثر كوين في منهج نظريات فلسفة ، ودعك من الأمثلة البعيدة، فإن أوربا وأمريكا تعاني الآن من موجة التيارات (الشعوبية)، فقد تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة رغم تفكيره السطحي ونهجه المنغلق وتصرفاته العبثية (٢٠١٧م – ٢٠٢١م)، وكان ان ينال ولاية ثانية، بل مؤيدوه أشد عصبية وولاءاً له، لدرجة إقتحام مبنى الكونغرس (٦ يناير ٢٠٢١م)، وحظيت مارلين لوبون بأكثر من ٤٣٪ من أصوات الفرنسيين ، وهذه سنن كونية، ولكل أمة لحظة إنتقال ومخاض.. وليس بالضرورة إن ذلك أمر حسن.. وكون حدث تطلعات شبابية وتوفرت بيئة داعمة وإسناد حزبي، فهذا لا يعني الخلاص، بل هو (وصفة) أقرب إلى سياقات (الفوضي الخلاقة)، ومع ما أحاط بنتاج التغيير من (تخليط)، فإنها أقرب لذلك..
ثالثاً : لا ينكر أحد، وجود رغبة في التغيير السياسي في السودان منذ فترة طويلة، وهي ليست تنكراً وإنقلاباً على ثلاثين عاماً من الإنقاذ، بقدر ما هي تطلعات لما هو أفضل وأوفق وأكثر إيجابية، وهذه قناعة كثير من شباب الإسلاميين أنفسهم وما نسميه (أبناء القيادات)، بينما جاء حصاد ديسمبر بالإزالة و(المسح) و(البل) و(الحظر) و(الإعتقال) و(الدوس)، وكل ذلك يناقض مبادئ أساسية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية والقيم الإنسانية، بل ان سياسة التحرير الإقتصادي (٥ أبريل ٢٠٢٠م) هي إنتهاك لحق الحياة والصحة والتعليم والعيش الكريم.. ولم يرجف لقوى التغيير جفن ولم يحفل (الضامن الدولي) بالنتائج كارثية لهذه الخطوة..
ورابعاً : فإن نهضة أو إنتكاسة المجتمعات حالة عامة، أي لا يمكن الحديث عن جانب دون آخر، ذات المجتمعات التقليدية أنفتحت على فضاءات جديدة وطموحات جديدة، وكذلك المجموعات الجهوية والحركات المسلحة، وإنما العبرة في كيفية توظيف ذلك، وربما العيب في الركون إلى قوالب قديمة (نقابات العام ١٩٨٩م أو قيادات ذات العهد).
خامساً: فإن تغيير المسمى أو تحويره لا يكفي للتقليل من قيمته، ومفهوم (التكديس) منهج علمي، ومحل نقاش كبير، بل هو أكثر فلسفة العلم بروزاً (اي المعايشة وتراكم الخبرات)، فالعلم عند البعض (سلسلة من المفاهيم تطورت ونمت نتيجة للملاحظة والتجريب)، فلا تثريب في ذلك..
(2)
في كتابه (العلم الزائف وإدعاء الخوارق) فند المفكر سميث جوناثان سي بعض مما يفترض بعض الفلاسفة أنه منهج علمي وإضفاء المسحة العلمية على نتائج غير مؤكدة، بينما فتت المفكر الكندي آلان دونو في كتابه (نظام التفاهة) أدوات التجهيل الجديد، بل ان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ذهب إلى جامعة ستانفورد في أبريل ٢٠٢١م للحديث عن خطر الإنترنت على الديمقراطيات، وفى حربهم في مواجهة فلاديمير بوتن فإن الغرب وأمريكا أغلق الفضاءات ومنع حق التعبير خوفاً من الرأي الآخر، بغض النظر عن موقفنا منه، وهذا كله دلالة على أن هناك (إرادة تحكمية) وسلطوية وأن إدعاء مساندة الحريات والعدالة مجرد أكذوبة، فالدول مصالح ومنافع هي المعيار الجديد..
بالتأكيد بلادنا تعاني مأزقاً سياسياً، بغض النظر عن السقوط في فخ التعريفات، فإن ما حدث في ١١ أبريل ٢٠١٩م وما حدث في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١م، حالة واحدة، إنحياز العسكر لطرف وتوفير الحماية وإضفاء الشرعية عليه، وفق تقديرات سياسية..
والخروج من ذلك يتم من خلال رد الأمر للأصل (الشعب) من خلال آليات ذات مصداقية، وليس العودة إلى (لحظة كذوب) والإستبداد بها..
ونقطة أخرى، إن متغيرات كثيرة في منطقتنا، نتيجة تقاطع المصالح والمطامع، ومحاولات التأثير على المجموعات والأفراد، وإضعاف الحس الوطني كما هو التشكيك في القناعات الدينية، ونشطت في ذلك دوائر بحث وورش عمل وضغوطات أخرى، وهذا خطر ماحق وهو جزء من حملة التضليل الكبرى..