نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقتطفات من كتاب أعده الصحافي جاستين لينتش، عن فترة تغطيته للأحداث في السودان والتي قادت إلى نهاية حكم عمر البشير قبل 3 أعوام.
وقدم فيه خلاصة مقابلاته مع الناشطين وصناع القرار في البلد، ورئيس الوزراء المدني السابق عبد الله حمدوك.
ترجمة : التيار
وتحدث الكاتب عن كيفية إفشال الولايات المتحدة والأمم المتحدة والتكنوقراط الذين كلفوا بعملية الانتقال السياسي تجربة الثورة السودانية والتي يجب أن يتعلم الغرب منها.
ورغم ما بدا من حرص الولايات المتحدة والأمم المتحدة والمجتمع الدولي على انتهاز الثورة لتحقيق عملية انتقال ديمقراطي إلا أنها كانت عاملاً في هزيمتها نظراً للخطوات والسياسات التي تبنتها.
فقد تعهدت الولايات المتحدة بـ 700 مليون دولار لدعم العملية الانتقالية، إضافة إلى 600 مليون كمساعدات سنوية. وأنشأت الأمم المتحدة ممثلية لها لدعم الانتخابات. وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً دولياً دعماً للحكومة المدنية.
فرصة ضائعة
وقال الكاتب إنه تابع الثورة عن قرب ولكنه أراد أن يعيش مرحلة التحول في السودان، ولهذا عمل كمسؤول في الأمم المتحدة ومع منظمات غير حكومية في السودان، حيث قابل الناشطين ورئيس الوزراء المعزول ومسؤولين عسكريين لغرض تأليف كتاب مشترك عن الثورة. ويقول إن فرصة ضائعة للإصلاح ضيعها التكنوقراط والدول الأجنبية والمؤسسات التي أرادت المساعدة.
ويعتقد أن دور المجتمع الدولي في السودان يعطي صورة عن محدودية الدعم الأجنبي ولكنها قصة أيضاً عن خداع النفس والإهمال. وعلينا ألا ننسى أن الجيش السوداني وساسته هم المسؤولون عن مصير بلدهم. فميراث الفساد والعنف لم يختف بعد سقوط البشير، مما عنى أن عملية التحول في السودان ستظل دائماً متعثرة، هذا إن كانت ستعمل أصلاً. وكان رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك واضحاً وتوقع تراجعاً في الثورة السودانية. ولم يكن لدى حمدوك وبقية التكنوقراط معه في الحكومة المدنية المهارات الكافية كي يستخدموا النفوذ الذي كان لديهم، وقيدهم دستور منح السلطة شبه الكاملة للجيش.
الثورة المضادة
ومع ذلك كانت هناك نافذة تغيير أضاعها هؤلاء التكنوقراط وكذا الدول الأجنبية التي كانت تريد المساعدة في الديمقراطية وقبل أن تضرب الثورة المضادة ضربتها.
ويقول لينتش إن الدروس من الدعم الدولي للسودان مهمة لأن البشير لن يكون آخر ديكتاتور يطاح به. ولو أراد الداعمون للديمقراطية المساعدة فعليهم التعلم من دروس الخرطوم الفاشلة. ولم تكن دينامية السلطة في عملية التحول الديمقراطي في السودان أوضح منها عندما أصبح حمدوك أول رئيس وزراء مشرد في العالم.
فعندما وصل حمدوك إلى الخرطوم في عام 2019 رفض قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أن يعطيه أياً من المقرات القديمة للبشير كي يقيم في واحد منها. وقابله الكاتب في بيت فتحته له عائلة شهيرة في السودان، وشعر عندما قابله أن رئيس الحكومة وضع بطريقة تشبه استئجار البيوت والغرف عبر تطبيق إيربي أن بي.
وكان الخلاف حول إسكان رئيس الوزراء عيباً مهماً في الثورة، حيث أبقى الدستور الانتقالي على الجيش في السلطة لمدة 18 شهراً ولم يمنح أية قوة حقيقية لحمدوك وحكومته المدنية.
ومثل عدم التوازن في السلطة معضلة أمام المجتمع المدني الذي تساءل إن كانت عملية نقل السلطة حقيقية.
فك العزلة الدولية
وشرح حمدوك أن أهم أولوياته هي تطبيع علاقة السودان مع المجتمع الدولي. وشرح للكاتب في مقابلة معه عام 2019 نشرتها وكالة (أسوشيتد برس) بأن السودان عومل “كدولة منبوذة” بسبب ثلاثة عقود من العقوبات والتصنيف الأمريكي للسودان كراع للإرهاب.
وتم تعليق إعادة جدولة الدين السوداني ودعم الميزانية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في السنة الأولى من حكومة حمدوك.
وكانت استراتيجيته الرئيسية تقوم على تحسين حياة السودانيين العاديين بطريقة تقوي الاقتصاد وتزيد من شعبية الحكومة لردع الجيش عن القيام بانقلاب. لكن حمدوك كان يريد المال، فالديون التي خلفها النظام عنت أنه لم يكن قادراً على توفير المواد الرئيسية.
فقد زادت أسعار الخبز والكهرباء والمواد الرئيسية بشكل مستمر، ووصلت نسبة التضخم إلى 329% عام 2021. وكان اقتصاد السودان في حالة انهيار مستمرة.
وقال حمدوك إن شطب اسم السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب “مفتاح لكل شيء نستطيع عمله لهذا البلد”. إلا أن المساعدة من الولايات المتحدة تأخرت، فالمعركة داخل إدارة دونالد ترامب لشطب السودان من القائمة لم تحسم إلا بعد عام.
إنكماش الإقتصاد
ونتيجة لهذا التأخير فقد نقصت حظوظ الحكومة الانتقالية للنجاح. وتفاقم وضع الحكومة المجهول مع ظهور كوفيد-19 الذي عطل الاقتصاد السوداني الذي انكمش بنسبة 3.6%. ويشير الكاتب إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين شرحوا له أنهم لم يكونوا واثقين من أن عملية التحول في السودان حقيقية. وكانوا مترددين في تقديم دعم مهم لكيلا ينتهي في يد العسكر لو عادوا وسيطروا على الحكم.
وقال مسؤولون آخرون إن المسؤولين في واشنطن ممن كان لديهم النفوذ لاتخاذ قرارات شعروا بالخوف لاتخاذها. وعندما أعلنت إدارة ترامب أخيراً عن شطب السودان في أكتوبر وتقديم العون، لم يكن القرار خيريا، فقد كان شطب السودان واستئناف المساعدات مرتبطاً باعتراف الخرطوم بإسرائيل. وشعر القادة في السودان أن الولايات المتحدة وضعت عملية التحول رهينة من أجل تقوية حظوظ إعادة انتخاب ترامب.
ورغم تعهد واشنطن بدعم السودان إلا أنها كانت تؤخره. وعندما وصل الدعم أخيراً لم يكن بطريقة صحيحة. فقد استلمت وكالة التنمية الدولية الأمريكية معظم الدعم 700 مليون دولار، إضافة إلى 600 مليون دولار لدعم عملية الانتقال ومعالجة القضايا الإنسانية في السودان.
وكان لدى كل سفارة غربية في الخرطوم، حزمتها الخاصة من المساعدات ووصلت مجموعة إلى مليار دولار، من أجل معالجة الفقر والرد على العنف ودعم الديمقراطية. ولم يتم كتابة الشيكات باسم حمدوك أو السودان. فالولايات المتحدة ستنفق أموالها عبر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمتعهدين.
دفع رواتب مكتب رئيس الوزراء
وضمت البرامج أنظمة لمراقبة العنف في السودان وشراء القمح للسودان ودفع رواتب الموظفين في مكتب حمدوك. وبعض هذه البرامج حققت نجاحاً قليلاً، لكنها لم تعالج جذور الفساد والعنف. كما أن الكثير من البرامج دعمت المصالح الفردية على حساب ما أراده حمدوك. وكانت مكلفة، لكن المجموعة الصغيرة من الجماعات المساعدة ظلت تنزف المال دون ثمار. وفي المقابل اعترف مسؤولو الخدمات الإنسانية في السفارات الأجنبية أنهم لم يكونوا يعرفون كيفية إنفاق المال الذي خصص لهم.
وبنهاية عام 2021 لم يتم إنفاق معظم الدعم البالغ 700 مليون دولار من الحكومة الأمريكية إلى السودان. وقال الدبلوماسيون إنهم حولوا المال إلى وكالات الأمم المتحدة التي لم تكن تعرف كيفية إنفاقه. وفي الوقت الذي أنفقت فيه بعض المساعدات على مشاريع فعالة إلا أن كثرة المانحين عنى أنه تم إنفاق الأموال على برامج متشابهة.
وقال دبلوماسيون إنه تم تمويل جهود اتصالات في مكتب حمدوك، لكن من عدة مانحين وفي نفس الوقت. وكان حمدوك بحاجة للمال كي يوفر كهرباء رخيصة والخبز والإنفاق على مشاريع مهمة، وكان تحويل المال له أفضل. وبدلاً من ذلك حصل على جيش من المستشارين الذين لم يكونوا يعرفون السياق المحلي ونفذوا برامج مكلفة وبنجاحات نادرة. ولعل أكبر فرصة ضائعة هي الفشل في الدفع باتجاه الإصلاح الذي كان سيسهل الدعم.
ففي ظل البشير كانت مفوضية الدعم الإنساني تابعة للسلطات الأمنية وكانت ماهرة في سرقة واختلاس ومنع الدعم الأجنبي. وتم استخدامه كأداة للضغط السياسي في ظل النظام القديم. وظل نظام الإكراه حاضراً في الفترة الانتقالية.
بعثة (يونيتامس)
وكثيراً ما ألمح حمدوك للكاتب أنه لا يملك القوة لمواجهة السلطات الأمنية. والأمثلة عن منع الدعم أو اختلاسه متعددة، ففي بداية كوفيد- 19 عام 2020 منعت السلطات الأمنية عمليات الفحوص لا لسبب إلا الخوف من الدعم الأجنبي عليها. وتم تهديد موظفي الأمم المتحدة بالطرد لو تحدثوا علنا عن الموضوع.
ورغم جعل نظام الأمم المتحدة عملية الانتقال في السودان أولوية لكن بدون نتائج واضحة. وفي عام 2020 أنشئت بعثة جديدة وهي بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس”
ويقول الكاتب إنه شاهد أثناء عملية إنشاء البعثة كيف قوض المسؤولون مهمتها لأنهم رأوا فيها فرصة للحصول على أموال لوكالاتهم. وأشار لحوار حضره قالت فيه منسقة الشؤون الإنسانية في السودان باولا إيمرسون إنه يجب عدم شمل البعثة قوات حفظ سلام لأن هذا يعني مالاً كبيراً.