هل يدعم (الجيش) خيارات الشعب؟

 

يبدو أن التساؤل حول مدى انحياز الجيش للشعب ما زال قائماً منذ فجر ثورة ديسمبر 2018م، ففي الحادي عشر من أبريل أعلن الجيش التحفظ على رأس النظام بعد أيام من اعتصام المحتجين أمام القيادة العامة بالعاصمة وعدد من الولايات، إلا أن البعض رأى أن التغيير كان محض انقلاب “قصر” فيما اتجه البعض الآخر في التحليل إلى أن ذلك كان بمثابة انحياز كامل للجيش لمطالب المحتجين الداعين لإسقاط نظام المخلوع “عمر البشر”.

إلا أن الأحداث تتالت بصورة متواترة بعد ذلك فشهدت البلاد حادثة فض الاعتصام في الثالث من يونيو 2019م، ثم إجراءات الـ(25) من أكتوبر 2021م، واتفاق ـ البرهان ـ حمدوك ـ ثم استقالة الأخير.

 

الجيش والشعب

قال رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إن القوات المسلحة تدعم خيارات الشعب السوداني، ولن تفرض عليه ما لا يريده. وشدد البرهان خلال إفطار رمضاني للجيش بحضور قياداته بالخرطوم الأربعاء على أن القوات المسلحة لن تهدأ قبل أن تتم الانتخابات واختيار الشعب لمن يمثله، متعهداً بعدم المضي في تشكيل حكومة بشكل أحادي في البلاد. وقطع البرهان في حديثه الطريق أمام السماح لأي جهة بالتدخل في شؤون القوات المسلحة السودانية وهيكليتها.

وأكد أن البلاد تمر بفترة عصيبة تمنى عبورها من خلال تحقيق التوافق الوطني، وصولاً إلى آفاق السلام والاستقرار، وقال إن “المؤامرات التي تحاك ضد البلاد ظلت تحركها أيادٍ من أبنائها الذين كان من الأولى أن يعملوا يداً واحدة لتجنيب السودان صراعات الماضي، وعدم فرض أي كيان سياسي محدد على الشعب خلال الفترة الانتقالية”. وأكد أنهم في قيادة الدولة السودانية يرحبون بالتفاوض والحوار البناء بين جميع القوى السياسية، ودعا المكونات الشبابية إلى أن تتحاور وتتفق، ولفت رئيس مجلس السيادة السوداني، إلى أن القوات المسلحة لن تخرج عن طوع أي توافق يشارك الشباب من خلاله في العملية السياسية بالبلاد، ورحب بجميع المبادرات التي تخدم القضايا الوطنية، قائلاً: “الصفوف قد تمايزت الآن وأصبح هناك شبه إجماع على ضرورة عدم إقصاء أحد في العملية السياسية”.

تحرُك الأحزاب

قال الباحث في العلوم السياسية أحمد عابدين في حديثه لـ(اليوم التالي) إن “الجيش مع خيارات الشعب” ظل يرددها القادة العسكريون ومن المعروف أن الأمر هذا تكرر طوال تاريخنا في أكتوبر وأبريل وأبريل يثور الشعب، فتقوم القوات المسلحة باستلام زمام الأمور وتجئ الأحزاب تركب الموجة وتعود ذات الحلقة، وتابع: “أما إذا كان يقصد الخيارات المتاحة الآن فهي واضحة هنالك نظام سقط وأعقبته فترة انتقالية سيئة جداً، وتحولت لصراع كل يوم يتطور ويتمدد دون ملامح نهاية وفي هذا تقرأ تصريحات البرهان أن الشعب يريد حكومة مستقلة من الأحزاب تعمل على استكمال الفترة الانتقالية وصولاً لانتخابات حرة وكذلك ضبط الوضع الأمني والاقتصادي”، ويقول عابدين إن خطاب قائد الجيش رسالة مزدوجة فحواها أنا مع خياراتكم ولكن تحركوا واحسموا موقفكم من تشاكس الأحزاب وكذلك يرسل رسالة للقوى المدنية المتصارعة أن خيارات الشعب فوق خياراتكم وبهذا يضع العربة أمام الحصان وفي كل الأحوال فإن القوات المسلحة لن تخرج من المشهد كلياً باعتبار وبالدليل أن السياسيين لوحدهم لن يتفقوا على حل مطلقاً، بعدها أعتقد أن الجيش سيتحرك ويفرض الأمر الواقع ويشكل حكومة بدون الأحزاب أو بمشورة من يرى أن لا أطماع لديهم أو حسابات ضد القوى الأمنية.

ومضى عابدين قائلاً: (البرهان الآن يصلح النقعة أو الميدان لمن يصلح للقيادة من المدنيين وبعدها ربما يجد من يثق فيه ويأمنه ليسلمه الأمر بحسابات الربح).

وأضاف: على الأحزاب أن تنتبه لهذا العبارة: (الجيش مع خيارات الشعب)، فهي من ستحرمهم كأس السباق.

 

عجز القوى السياسية

في ذات السياق يرى المحلل السياسي الأكاديمي د. الفاتح محجوب عثمان في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الفريق أول عبدالفتاح البرهان تحدث عدة مرات عن جاهزية الجيش لتسليم السلطة لكنه اشترط أن يكون ذلك إما لحكومة منتخبة أو بإجماع القوى السياسية، ولذلك دعا القوى السياسيو السودانية للحوار والتوحد.

وبحسب محجوب فإن الفريق أول البرهان أراد بحديثه إظهار عجز القوى السياسية السودانية عن التوحد وأنها غير قادرة على إدارة الخلاف فيما بينها وبالتالي هي ليست مؤهلة لاستلام السلطة.

ويقول محجوب: الغريب أن القوى السياسية السودانية المدنية بالرغم من رفضها لاستمرار حكم البرهان الا أنها أثبتت أنها عاجزة تماماً عن التوحد خلف برنامج تسوية انتقالي، بل عاجزة حتى عن توحيد القوى السياسية التي تسمي نفسها قوى الثورة وهو وضع أتاح للبرهان أن يلقي بتصريحاته هذه مستهزئاً ومقتنعاً تماماً بأن القوى السياسية السودانية ترغب فقط في أن تحكم منفردة ولا تتحمل قط التشارك مع بقية القوى السياسية.

واستطرد قائلاً: إذن الرد الحاسم على تصريحات الفريق أول عبدالفتاح البرهان يجب أن يتم من خلال بناء تجمع يشمل كل قوى الثورة السودانية مع تفاهمات واضحة مع بقية القوى السياسية عدا المؤتمر الوطني للذهاب للانتخابات والاتفاق على كيفية إجرائها وبذلك فقط تستطيع القوى السياسية أن تطالبه بتسليم السلطة فوراً كما وعد الجيش.

Comments (0)
Add Comment