لأول مرة، وعقب حلول عيد الفطر المبارك، برزت ظاهرة دخيلة في مجال استيراد الوقود؛ سيما في البنزين، حيث وردت أنباء عن حدوث أعطاب في مئات المركبات بالعاصمة، الشيء الذي أثر على أصحاب تلك المركبات وكاد أن ينسيهم بهجة وسرور العيد السعيد، في وقت رجح فيه متخصصون في مجال النفط؛ دخول باخرة وتم توزيعها دون الخضوع للفحص عبر المواصفات المطلوبة لها، مما جعلهم يعيبون على عدم أحقية المستوردين من التجار للمواد البترولية؛ لكونها تحتاج إلى علم وفنيات ومواصفات دقيقة حتى تجنب مثل هذه الأخطاء الكارثية التي يدفع ثمنها المستهلك، وبعض خبراء الاقتصاد يعدون مثل هذه القضايا جرماً في حق المواطن والاقتصاد السوداني و استنزافه مالياً، ويجب أن لا تمر مرور الكرام دون فضح المستوردين والشركات التي جاءت به للمستهلك، ويشددون على ضرورة محاسبتهم وردعهم حتى إذا وصل الأمر بإيقاف الشركات المستوردة والشركات البائعة.
الكيد التجاري
في وقت اتهمت فيه مجموعة شركات خاصة تعمل في استيراد البترول ما أسمتها بـ(مافيا النفط) بالسعي إلى تشويه سمعتها وإخراجها من سوق استيراد البترول؛ وذلك بإطلاق الشائعات حول استيراد شركة خاصة بنزيناً ملوثاً، وأكدت أن الشركات الخاصة تخضع للرقابة والتدقيق من قبل الجهات الرسمية، وأوضحت أن تلك الشائعات القصد منها الكيد التجاري ولا صحة لها.
ولفتت إلى أن عدداً من الشركات الأخرى خاطبت وزارة النفط في وقت سابق بداية العام لإيقاف الشركات الخاصة من الاستيراد، الأمر الذي رفضته الوزارة، وأشارت إلى أن هناك لوبياً يعمل على عرقلة عملها وزيادة الضغوط عليها.
قلب الطرمبة
وتعطلت مئات السيارات في الخرطوم بحلول عطلة عيد الفطر، نتيجة لتعبئتها بوقود “بنزين” غير مطابق للمواصفات، وضجت وسائل التواصل الاجتماعي السودانية بشكاوى مئات السائقين الذين قالوا إن سياراتهم تعطلّت مباشرة بعد تعبئتها بالوقود، وعدد السائقون أسماء عشرات من محطات البترول التي تبيع الوقود المسبب للمشكلة، ورصدت تقارير، طبيعة العطل الذي يتسبب فيه هذا النوع من البنزين، حيث تبدأ ماكينة السيارات المتأثرة في الاهتزاز والتقطيع ثم تتوقف السيارة، ويضطر أصحاب السيارات لتغيير “قلب الطرمبة” وهو قطعة مسؤولة عن ضخ الوقود من خزان السيارة للماكينة. وأبلغ أصحاب محلات قطع غيار السيارات في الخرطوم عن زيادة كبيرة في شراء هذه القطعة، ورجح عاملون في محطات الوقود أن تكون كمية من الوقود المستورد حديثاً، قبل عطلة العيد، غير مطابقة للمواصفات وبها الكثير من الشوائب، وقال سائقون إنهم اضطروا لإيقاف سياراتهم خوفاً من تعطلها، بانتظار وصول كميات جديدة من الوقود الصالح للتعبئة.
دقة المواصفات
وقال المتخصص في مجال النفط، جماع إسحاق بشير، لـ(اليوم التالي) إن الشكوى في محطات وقود معينة وأرجعها لتجار الاستيراد الخاص، وأفاد، بحسب معلومات توفرت لديه، أن هناك باخرة وقود دخلت من دون مواصفات وتم توزيعها، وأشار إلى أن هناك مواصفات دقيقة لاستيراد الوقود، وقال “هذا الكيس يؤكد عدم مطابقة دقة المواصفات”، ونوه إلى أن هناك خلطاً لمادة (النافتا) التي ينتج منها بيتروكيماويات، بالتالي تضعف عملية ضخ الوقود في الطرمبة، وكشف جماع في تصريح لـ(اليوم التالي) عن أن سعر الوقود المخلوط بالنافتا سعره أقل بنحو 30 % من البنزين العادي، وطالب المستوردين والتجار بضرورة التمسك بقائمة المواصفات مكتملة بمستندات الاستيراد، ولفت إلى أن هناك شهادة مساعدة للمواصفات إذا حدث أي خطأ يتحمل مسؤوليته تلك الجهة المستورد منها، وعاب في الوقت نفسه على القطاع الخاص بدخوله في مجال استيراد الوقود بطريقة عشوائية ودون أي فكرة أو ثقافة عن الإجراءات الفنية المتبعة في استيراد الوقود، واعتبر أن البيان الذي أصدرته مجموعة شركات خاصة تعمل في استيراد البترول ليس لديه أي معنى، كما حمل وزارة المالية هذه الأخطاء من خلال إتاحتها فرصة استيراد الوقود لبعض التجار.
المواصفات والمقاييس
ويقول المحلل الاقتصادي الدكتور، وائل فهمي البدوي، في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن إشارة بعض المواقع الإخبارية إلى تعطل مئات السيارات في الخرطوم بحلول عيد الفطر نتيجة لتعبئتها ببنزين غير مطابق للمواصفات، كارثة حقيقية إذ ضغطت على العملة الصعبة بشراء أصحاب السيارات التي توقفت لاسبير ارتفع الطلب عليه بصورة جنونية، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة في النقد الأجنبي ، وتابع “هذا الأمر غريب”، وتساءل كيف مرت هذه الكمية من الوقود الفاسد عبر هيئة المواصفات والمقاييس، والمؤسسة السودانية للنفط، حتى وصولها للمستهلك دون التأكد من سلامتها للاستخدام؟ وأضاف : لماذا لم يفتح سائقو العربات بلاغات بأقسام الشرطة ضد هذه المحطات أو حتى المطالبة بالتعويضات المالية الرادعة لها؟ ومن أية دولة تم الاستيراد؟، وتابع قائلاً : يمكن أن يكون هذا نتاج التهريب من بعض الدول لبضاعتها الفاسدة، وذكر أن من المعروف أن بضاعاتها منها وإليها لا يمكن أن تمر من غير أختام هيئة مواصفاتها ومقاييسها التصديرية والاستيرادية.
فضح المستوردين
ويرى د. وائل أن مثل هذه القضايا تعتبر جرماً في حق المواطن والاقتصاد السوداني وتخلفه وإفلاسه أو استنزافه مالياً، و يجب أن لا تمر مرور الكرام دون فضح المستوردين والشركات التي جاءت به للمستهلك.
وزاد بالقول.. ربما أثر هذه البضاعة الفاسدة كان محدوداً على بضع مئات من العربات، وإلا لكانت المناطق الصناعية والطرق بالخرطوم مكدسة بالسيارات المتوقفة عن السير وإصابة الاقتصاد بالشلل الناتج عن توقف حركة نقل البضائع والبشر، وأوضح : إلا أن ذلك لا يعني إطلاقاً و بأي حال من الأحوال عدم المساءلة والمحاسبة القانونية لمنع أي غش تجاري للمستهلكين، ولمنع أي تلاعب بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي ونهب أموال المجتمع السوداني في حالة ثبوت قيام أية جهة ذات صلة بذلك الغش المخجل لأصحابه.