تقرير رئيس في نشرة آفريكا كونفيدنشيال يوم ١٣ مايو ٢٠٢٢م
ترجمة: محمد عثمان إبراهيم
محروم من أي بدائل سياسية ومصر على البقاء في السلطة، ها قد أعاد المجلس العسكري إلى الإسلاميين من جميع الأطياف من أجل مساندة نظامه.
فبعد ستة أشهر من استيلاء المؤسسة العسكرية السودانية على السلطة مرة أخرى، بدأ واقع جديد يتشكل بالنسبة للمجلس الحاكم وسواء كان ذلك دائماً جزءاً من أهداف الجيش، أو مجرد ناتج عن تسلسل الأحداث، فإن الإسلاميين وليس فقط أعضاء حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً، قد بدأوا يستعيدون امتيازاتهم وعادوا ليشغلوا مناصب حكومية مهمة.
إحدى وجهات النظر ذات المصداقية العالية تقول إن إعادة الإسلاميين إلى السلطة هو الخيار الذي لا بديل عنه طالما أن صناع الانقلاب لم يتمكنوا من الوصول لاتفاق فيما بينهم حول من يرشحون كرئيس وزراء مدني، فيما تتزايد المخاوف من أن هذا الباب المفتوح قد يسمح بدخول الجهاديين.
إلا أن هذا لا يعني إعادة تولي حزب المؤتمر الوطني للسلطة فرغم كل شيء فإن قائد المجلس العسكري الجنرال عبد الفتاح البرهان كان هو نفسه المسؤول عن سقوطه، لكن أمل البرهان فيما يبدو أنه من خلال توسيع الطيف السياسي يمكن للجيش أن يظهر وكأنه فوق معمعة تنازع الساسة المدنيين والأيديولوجيات.
وفي نهاية المطاف، يمكن للبرهان أن يزعم مرة أخرى بأن القوات المسلحة السودانية ليست راغبة في حكم السودان، بيد أنه ليس أمامها من خيار بسبب الانقسامات الشديدة التي تعانيها الساحة السياسية المدنية.
لقد حاول البرهان بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر تجريب خيارات مختلفة، لكنها فشلت جميعها، فقد حاول تعيين رئيس وزراء مدني لكنه لم يتمكن من الحصول على إجماع بين مناصريه. وقد حاول أيضاً (دون نجاح) بناء حزب سياسي مدني يمكن أن يكون قاعدة سياسية له.
وأنفق وقتاً ومالاً للتواصل و(المشاركة) مع الحزب الاتحادي الديمقراطي وحاول من بعد ذلك مع الفصائل المنشقة عنه، لكنه فشل في الوصول إلى اتفاق رغماً عن الدعم الذي قدمته مصر.
وفي مرحلة ما كان مؤيداً لجهود مديرة جامعة الخرطوم فدوى عبد الرحمن علي طه وبعض زملائها لبناء جبهة من لجان المقاومة خالية من الشيوعيين وغيرهم من المتطرفين، لكن هؤلاء فشلوا في تنظيم تظاهرة (تأييد) عملوا عليها لعدة أشهر ثم تركوا الأمر، وبعد أسبوعين تم عزل مجلس إدارة جامعة الخرطوم بأكمله، وعين البرهان مجلساً جديداً دون أي تشاور مع موظفي الجامعة، مما تسبب في إثارة ضجة.
وهكذا فإلى حدٍ كبير فإن خياره الأخير – والذي أخذه مع بعض التردد – هو إعطاء مساحة أكبر لإسلاميي حزب المؤتمر الوطني.
إفراج
وكان القرار الذي اتخذ في أوائل أبريل بالإفراج عن مجموعة من الشخصيات الإسلامية الرفيعة بمن فيهم إبراهيم غندور، وزير خارجية البشير السابق وأحد زعماء حزب المؤتمر الوطني، خطوة مهمة.
أولاً أسقطت النيابة العامة جميع التهم الموجهة إليه وإلى إسلاميين آخرين وهو ما يدل على سيطرة رفاقهم الإسلاميين على مكتب النائب العام خليفة أحمد خليفة والمدعي العام عبد العزيز فتح الرحمن، اللذان تم تعيينهما في أواخر نوفمبر الماضي، ومثلما كان الأمر في أوائل الثمانينيات وفترة ما بعد انقلاب البشير عام ١٩٨٩م، استخدم الإسلاميون على نحو متزايد النظام العدلي لإطلاق سراح أنصارهم واستعادة ممتلكاتهم، وإثارة الذعر في المعارضين وخاصة أعضاء (لجان إزالة التمكين) التي كانت تستهدف الكوادر الإسلامية وكوادر حزب المؤتمر الوطني.
أدى هذا التأثير على عملية العدالة على الرغم من أن المسؤولين القضائيين ليسو جميعاً من المتعاطفين مع حزب المؤتمر الوطني إلى إعادة ١٠٢ دبلوماسياً إلى مناصبهم، بمن فيهم ٤٨ سفيراً، و٣٥ دبلوماسياً مبتدئاً، و١٩ إدارياً جميعهم إما أعضاء في حزب المؤتمر الوطني أو معينين من خلال رعاية الحزب بغض النظر عن مؤهلاتهم.
في ديسمبر ٢٠٢٠م تم نقل البشير ونائبه لمدة طويلة بكري حسن صالح من سجن كوبر إلى المستشفى العسكري في الخرطوم، حيث باتا يتنقلان بحرية ويلتقيان بالأصدقاء والأقارب دون تقييدات كما بدا في مقطع فيديو شوهد في أبريل الماضي.
ولا تبدو صحة البشير سيئة خلافاً لما أكده مسؤولون لوسائل الإعلام الدولية عند نقله.
إلى ذلك يبقى موقف البرهان أنه لن يرسل البشير مطلقاً إلى محكمة الجنايات الدولية لأن ذلك قد يؤدي إلى إجباره على إرسال آخرين.
تم تعيين بعض الإسلاميين المتشددين قبل ٢٥ أكتوبر، لكن مستوى مسؤوليتهم لم يتغير كثيراً مقارنة بما كانوا عليه قبل سقوط البشير في أغسطس (يقصد أبريل) ٢٠١٩م فعلى سبيل المثال يشغل المقدم مدثر عثمان منصب مدير مكتب البرهان في مقر قيادة الجيش منذ نهاية عام ٢٠١٩م وفي السابق كان في ذات الوظيفة مع وزير الدفاع ونائب الرئيس الفريق أول عوض أبنعوف، ولعل ترقيته (الأخيرة) جاءت لكونه صهر (زوج ابنة) علي أحمد كرتي، وهو إسلامي متشدد كان قائداً لقوات الدفاع الشعبي قبل أن يصبح وزيراً للخارجية من عام ٢٠١٠م إلى عام ٢٠١٥م وهو رجل أعمال ثري جداً.
ويعتقد الكثيرون أن علي كرتي لا يزال في الخرطوم، وليس في أسطنبول مثل معظم القياديين الإسلاميين، ولعله كان من الممكن اعتقاله بسهولة، لولا صلاته الوثيقة جداً بالقوى الأمنية.
هذا يشير أيضاً إلى أن البرهان أراد إبقاء جميع الأبواب مفتوحة، فبعد الانقلاب، تم ترشيح إسلاميين مهمين لتولي مناصب في أجهزة الاستخبارات الأمر الذي ستكون له عواقب على أسلوب النظام القهري.
وفي ديسمبر الماضي عين البرهان الجنرالين عبد النبي الماحي وعبد المنعم جلال لقيادة المخابرات العسكرية، كما أقال (الفريق أول) جمال عبد المجيد من منصبه كمدير لجهاز المخابرات العامة المعاد تأسيسه حديثاً في أواخر نوفمبر الماضي وعين في موقعه نائبه أحمد مفضل.
وبعد أسبوعين (من ذلك) تمت ترقية اللواء هشام حسين، الذي كان أحد قادة شرطة الاحتياطي المركزي، إلى منصب نائب المدير وهو الذي كان قد ساهم في تمويل التظاهرات المؤيدة للجيش في ١٦ أكتوبر من العام الماضي والذي كان إحدى المقدمات الرئيسية لانقلاب ٢٥ أكتوبر.
مسافر محبط
في منتصف مارس الماضي ابتدر البرهان جولة إقليمية لكنه عاد غاضباً ومحبطاً، فبينما كان يتوقع أن تقوم الإمارات العربية المتحدة بتوفير الدعم له لم يحصل على شيء يذكر سوى شكاوى متعددة حول قيامه بالإفراج عن بعض الإسلاميين الذين كانوا رهن الاحتجاز، وتعيين آخرين في مناصب رفيعة لكنه وجد في القاهرة بعض المساندة من نظيره الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أبلغه بأن مصر ليست لديها مشكلة في تعيين موظفين أكفاء في أجهزة الدولة حتى ولو كانوا إسلاميين ما دام واضحاً أن الجيش هو الذي يسيطر على الأوضاع.
كان لتكتيك البرهان الجديد عواقب متناقضة في بعض الأحيان، فبعد إطلاقه سراح (البروفيسور) غندور على سبيل المثال، قامت ١٠ جماعات إسلامية بتأسيس تحالف جديد، هو (التيار الإسلامي العريض) ويشمل ذلك الحركة الإسلامية (التي تستقطب عادة من أعضاء حزب المؤتمر الوطني) والجماعات المتطرفة للغاية مثل حزب دولة القانون والتنمية بقيادة محمد الجزولي المؤيد لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والذي لم يطلق سراحه من السجن إلا مؤخراً، في غضون ذلك رفض حزب المؤتمر الشعبي الانضمام للتيار وحذر الإسلاميين من التحالف مع الجيش، إلا إذا أرادوا تكرار ما حدث تحت حكم البشير.
النتيجة الأخرى كانت انهيار حظوظ زعيم حركة العدل والمساواة ووزير المالية، جبريل إبراهيم الذي كان ينظر إليه حتى أبريل على أنه شخصية قادرة على استقطاب جميع الإسلاميين، نظراً لنفوذه القوي في مجلس الوزراء حتى كاد يتم تعيينه رئيساً للوزراء وكان يعد لبناء حزب إسلامي وطني جديد، لكن هذا الوضع لم يدم طويلاً، وخلافاً لما وعدوا به لم يقدم المانحون الغربيون، أو دول الخليج المحافظة، أو حتى روسيا أي دعم مالي بعد ٢٥ أكتوبر.
وفي ظل انعدام أي خيارات أخرى فقد كان ملاذ البرهان الوحيد هو فتح الباب أمام إسلاميي حزب المؤتمر الوطني.
واليوم ينظر الإسلاميون في الخرطوم إلى جبريل إبراهيم على كونه ليس أكثر من سياسي دارفوري ووزير مالية فاشل سيتعين عليه زيادة الضرائب على المواد الغذائية الأساسية والمشتقات النفطية لتجنب انهيار اقتصادي كامل.
لقد تبخرت (قيادته الطبيعية) في الهواء، لكن مسار البرهان الجديد يسبب الإزعاج لدولة الإمارات العربية المتحدة ويشك وريث العرش فيها وحاكم أبو ظبي الفعلي، ولي العهد محمد بن زايد آل نهيان، في أن الإسلاميين المنظمين سيكتفون بالوظائف في الخدمة المدنية في السودان.
وهنا وبالرغم من كل شيء فإن الحرب الأوكرانية لها تأثير أيضاً إذ ما برحت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية غاضبتان من إدارة بايدن بشأن إيران، كما إنهما تريدان الحفاظ على العلاقات مع روسيا خاصة فيما يتعلق بتسويق النفط العالمي لمواصلة الضغط عليه لكن غضبهما لا يصل إلى حد الموافقة على فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، عبر البحر الأحمر الضيق من ناحية مدينة جدة.
لقد بنيت العلاقات الروسية السودانية في عهد البشير ولن يتردد الإسلاميون في السودان في الارتباط مع موسكو إذا كان ذلك يعني قطع العلاقات مع الدول الغربية ومؤسساته، وهذا ما لا يمكن للرياض أن تسمح به.