.. أعتقد بأن أهم ما خرج به حوار الأمس علي قناة طيبة الفضائية مع علي كرتي – الأمين العام المكلف للحركة الإسلامية .. هو أن ما حدث بسقوط حكومة الاسلاميين كان نتاجاً لأسباب داخلية صرفة فغض النظر عن حجم ما كان يتوقعه كرتي أو لا يتوقعه لهذا السقوط قريباً أو بعيداً في تقديره الزمني فإن ما حدث بشهادة هذا الرجل الذي هو الآن علي قمة قيادة الاسلاميين كان سبباً مباشراً لانقسام الاسلاميين ..
.. و المدهش ان كرتي بالرغم من الوقار الذي ظهر عليه والمهارة العالية في تقديم الردود و المبررات المنطقية المفحمة و المقنعة والهدوء الممتاز التي مارسه طوال زمن الحوار الا انه وقع في تناقض غريب عليه عندما نفي وجود هذه الخلافات وكونها أصلاً لسقوط الإسلاميين مؤكداً انه كان يسمع بها سمعاً و أنه ( عندما استلم مقاليد الأمور بطلب من صديقه الراحل الشيخ الزبير محمد الحسن الامين العام السابق للحركة الإسلامية الذي يبدو انه قد ترجاه والح عليه للمشاركة في ادارة الحركة الاسلامية ) لم يجد لهذه الخلافات أثر …!!! .. هكذا قال كرتي يالأمس : لم يجد أثر لأية خلافات للاسلاميين ..؟؟!!! .. هذا في الوقت الذي أشار فيه الي وجود خلافات علي مستوي الحكومة التنفيذية لدرجة أنه لم يكن هنالك اتفاق حتي علي من يتولي المناصب السياسية …!!!!!!! .. يا رااااجل ..!!! .. طيب انت يا كرتي عايز خلافات أكثر من هذه لتقرر بأن هنالك كانت توجد خلافات داخل الحركة الإسلامية ادت لسقوط حكومتها .. ؟؟؟ .. عن ماذا تتحدث عندما تقول الحركة الاسلامية وعندما تتحدث عن حكومتها التنفيذية .. ؟؟ .. تريد أن تشير الي المؤتمر الوطني علي اعتبار انه المناط به هذه المهمة .. ؟؟ .. مهمة متابعة ومعالجة اشكالات الجهاز التنفيذي للحكومة .. ؟؟ .. انت بهذا يا كرتي إما انك تريد تبرئة جسم الحركة الإسلامية التاريخي من اية خلافات حدثت آنذاك حفاظاً عليها و خوفاً عليها من خلافات خلال هذه الفترة التي تحاول فيها انزالها علي ( التراك السليم ) لتنطلق من جديد معافاة لقيادة المرحلة المقبلة واما انك تمارس خلطاً مريعاً لازالت قاعدة الحركة الاسلامية تعاني من اضطراباته بين كيان واسع يمثله المؤتمر الوطني وفيه ما فيه من السلبيات والمشكلات القاعدية بتبايناتها الفكرية و ممارستها التنظيمية و كيان الحركة الاسلامية التاريخي الذي ظل موجوداً و لم يحل مذ أن بدأه الشيخ الترابي من جبهة الميثاق الي الجبهة الاسلامية القومية الي الاتجاه الاسلامي و الحركة الآسلامية أخيراً التي اصبحت انت مكلفاً بقيادتها وكان السبب المباشر في هذا هو الحاح صديقك الشيخ الزبير علي مشاركتك في ادارتها .. !!! .. والمدهش أن هذه الطريقة نفسها في تقديم التكليف والقبول به تشير الي تراجع مريع في أدبيات الحركة الإسلامية التي كانت تقدم التكليف عبر مواعينها الشورية و تقبله كوادرها من منطلق التزامها الصارم وايمانها الراسخ بالواجب المقدس الذي لا تهاون فيه ولا تقدير شخصي فيه وانت الآن تقول بأن صديقك الراحل الشيخ الزبير محمد الحسن – تقبله الله قبولاً حسناً – و الذي التقيته وصادقته و آخيته في السبعينات كان سبباً في عودتك للمشاركة في ادارة جسم الحركة الإسلامية.. صدقني يا علي كرتي أن هذه الصورة وحدها تجسد و تعطي كل المدلول الذي لم تراه أنت ( كما قلت بالأمس ) علي ضعف الحركة الاسلامية التي صنعها رجال ولا زال بينها رجال ينحتون الصخر ويهدون الجبال من أجل القيام بواجباتهم التنظيمية أين ما كانوا وكيف ما ابلغوا و متي ما أمروا بذلك .. وفي هذا صدقني يا كرتي أن شخصي الضعيف لا ينتقدك أنت شخصياً فأنت شخص أقدره بصدق و أكن له كل الإحترام و التقدير بل وأننا نحبك لأنك صادق و مجاهد و مثابر ومصابر و ماحدت عن العهد ابداً يوماً ما و ان الاسلاميين محظوظون الآن انك وبكل خبرتك و ايمانك وتجردك ووقارك علي رأس الحركة الاسلامية واني علي ثقة بأنك ستعبر بالاسلاميين وتعيدهم الي مجد دولتهم عما قريب .. ولكني هنا اصرخ بحقائق نادت الحركة الاسلامية بالصراخ بها في كل وقت وفي اي زمان و امام اياً من كان شيخاً او حواراً .. تلميذاً أو معلماً .. هذه أدبيات الحركة الإسلامية في ممارسة الشوري وهي الممارسة التي صنعت منها القوة والمنعة و الصلابة التي قفزت بها وفي سنوات قليلة لتكون في مقدمة التنظيمات السياسية السودانية المستنيرة والمنضبطة .. الا انه و منذ تحطم تلك المواعين الشورية الذي بدأ مع بداية التسعينات بدأت هذه الحركة تضعف في قوتها الداخلية و ما السنوات التي استمرت عبرها حكوماتها التنفيذية الا عبارة عن مدد رباني أكرم الله به دعاة الخير ليبقي الخبر في هذه الأرض الخيرة وقد نادت الأصوات الصادقة طوال هذه السنوات التي ظل فيها الضعف يزداد و الرقعة الهادمة تتسع بضرورة المراجعة وحتمية عودة مجالس الشوري الي كل المستويات القيادية والقيادية الوسطي الي القاعدية بدءاً بالشباب و الطلاب مروراً بالمرأة و السياسيين و قادة المجتمع الاداريين والعشائريين لينتقل الأمر الي حركة الحياة العامة لينتفع الشعب السوداني كله بخير واجتهادات الحركة الاسلامية عبر قادة التغيير من مفكرين و مثقفين لينطلق من ثم العمل الاجتماعي الواسع والفكري والثقافي المبدع في جانب الانتاج الفكري و الحركة الثقافية من كتاب ومسرح ودور عرض تشكيلي و غيرها من الأدوات الناقلة للافكار و الغارسة للقيم .. كانت هذه فرصة الحركة الإسلامية لتقدم نموذجها الرائد والمتفرد في ادارة حركة المجتمع واشباع رغباته عبر منهج ملتزم يحافظ علي هوية الشعب السوداني المسلم المحافظ الكريم في أخلاقه والنبيل في سلوكه الاجتماعي .. منهج بممارسة وتطبيق لا ينال من حرية الابداع ولا يحجر علي قدرات المبدعين ولكنكم ( واقول لكنكم لاني اخاطبك انت علي كرتي وانت الآن من يجب ان يخاطب وانت الامين العام للحركة الاسلامية ) اغلقتم دار الكتاب منذ عامكم الثاني وكأنه وكر للجربمة والعمل المعادي واهملتم المسرح وكأنه دار للمجون و الفسوق و كفرتم بالسينما وكأنها مواخير للسكر والدعارة
.. والحركة الاسلامية و منهجها بريئة من كل هذا لانها تنظر للوسائل والأدوات الانسانية المبدعة والمبتكرة بحياديتها الوظيفية المستفاد منها في خير البلاد والعباد و المنأي بها عن الفسوق والمجون وقبح القول و الفعل .. هذا هو المنهج المكتوب للحركة الاسلامية ( ارجعوا لكل مواثيقكم و ادبياتكم و كتابات الشيخ الراحل حسن الترابي ) .. و ان كان قد حدث وطبق هذا المنهج يا كرتي .. هذا المنهج المتكامل لادارة الحياة العامة للناس لما حدث ما حدث ولما وجد اعداءكم ضالتهم في شباب اليوم الذين تشيرون لبعضهم بإشمئزاز و استنكار بينما هؤلاء هم من ضمن انتاجكم الذي بمثل ما أخرج المجاهدين والصادقين والمصلين والعابدين و العابدات والقانتين و القانتات .. أخرج الفاسقين والفاسقات و الملحدين والملحدات كما أخرج هذا الشباب الذي لا زال في الشوارع يحاول بعضهم عبره اللحاق بما يمكن اللحاق به في سباق معكم قبل ان تعودوا للساحة من جديد وهي العودة التي ستتحدث حتماً الا اننا يجب علينا ان نصرخ في وجهك الآن بأن عليك اعادة البناء من أصله لا من فرعه ومن جذوره لا من قمته فالأصل هو اساس الداء و منه الدواء و الجذر هو النبتة التي ان خرجت من بذرة طيبة نمت و قوي سوقها حتي يعجب الزراع ليغيظ به الكفار وأنت قد رأيت بداية النتيجة الحتمية بأم عينيك منذ البداية وغضيت بصرك عنها مثلما فعل كل قادة الحركة الاسلامية الا من أبعد وهمش و اصبح يسمي ( فلان خارج الشبكة تماهياً مع روح العصر التقني والالكتروني – الرقمي ) ومن هؤلاء كان العلماء والمفكرين و جل الصادقين يا كرتي .. نعم جل الصادقين .. هذا
المشهد هو المشهد الذي حدث عندما ضاقت مواعين شوراكم يا كرتي و انعدمت وبدأت اجتهادات الأفراد حتي وصلت الي الصورة الختامية والي الذروة التي كرهت أنت بأدبك الجم الإشارة اليها ..اللحظة التي اصبح القرار فيها بيد مجموعة صغيرة وربما بيد فرد واحد تعزل من تعزل او يعزل من يعزل وتعين من تعين أو يعين من يعين علي وزارات الحكومة التنفيذية التي هي حكومة الحركة الاسلامية شئت أم أبيت حبيت أم كرهت يا كرتي ..
.. وهو المشهد الذي انتهي علي مشهد السقوط الكبير .. السقوط يا كرتي الذي لم تكن اللجنة الأمنية هي قدره الأول والأخير بل كان الأمر سيحدث سواءً وجدت هذه اللجنة أم لم توجد .. فعلت أم لم تفعل و أنت قلت هذا بنفسك و لكنك فقط فوجئت بسرعة
حدوثه .. بعضهم يا كرتي سيقولون بأن هذا الحديث يأتي في غير وقته ولكني أقول لهم بأنه في وقته تماماً .. هذا هو الحديث الذي يجب ان يقال لك الآن فالحركة الاسلامية مأزومة ما قبل التغيير الحكومي الذي حدث 2019م .. مأزومة منذ ثلاثة عقود هي تاريخ حكومتها التنفيذية المنهارة و أساس أزمتها تصدع بنيانها الشوري الذي كان مصدر قوتها الأول والأخير …
وان كان القدر قد ساعدها في الصمود ( المتهالك ) طوال هذه السنوات فإنه يساعدها الآن في تجليات الحاضر التي تمثل موضوعيات ايجابية لعودتها ونهوضها وقد حدثت لها هذه الايجابيات سريعاً وفي وقت وجيز بعد مرحلة انكسار و توهان قصيرة كما أن وجودك أنت يا كرتي و عدد من القيادات ذات الخبرة و الامكانيات والقدرات التنظيمية الكبيرة يمثل فرصة أخري للحركة الإسلامية الحقيقية لتعود بكامل ادواتها وقوتها وفي مقدمة كل ذلك نهجها الشوري وممارستها الشورية ..
.. أما و لو حبستم الأمر عندكم و عند خاصتكم و نخبتكم و ( أصدقائكم – رحم الله الشيخ الزبير ) فلن تعودوا بالحركة الاسلامية لزهوها أبداً حتي وان عدتم تحكمون و تمارسون السلطة بفعل هذه المعطيات التي تراصت الآن ليس بإجتهادكم فحسب ولكن وفي المقام الأول بقدر الله فيكم ثم نتيجة لضعف أعدائكم و قلة خبرتهم و جهلهم بشئون ادارة المجتمع والدولة .. اما الكرت الرابح الذي يحمله عنوان هذا المقال فلست انت يا كرتي بل هو كرت الشوري الذي هو ( جوكر ) الحركة الإسلامية ان التقطه انت يا كرتي من الصندوق فأنت من سيدير الأمر برمته و علي أصوله التي أقرها المولي عز وجل و صدقها و عمل بهديها رسوله الكريم صلوات الله عليه وسلامه مبتدءاً ومنتهيً ..