بروف بلدو : ألف شاب وشابة يبحثون عن الراحة النفسية في (الآيس) يومياً
الآيس يتسبب في ازدياد التهابات الكبد الفيروسية ومرض نقص المناعه
خبير تربوي : عدم الوعي الديني وضعفه ومتابعة أهل النفوس الضعيفة أثر في كثير من الشباب
تصدر جهات رسمية وشرطية أخباراً بين الحين والآخر، عن ضبط كميات من الحبوب المخدرة والحشيش في مناطق مختلفة من السودان، والتي أغلبها تباع بواسطة شبكات إجرامية تنشط في تهريب وتخزين وتوزيع أنواع مختلفة من المخدرات ،ويعتبر الحشيش و”الترامادول” و”الآيس” من اكثر أشكال المخدرات المتداولة في البلاد، ويرى اختصاصي علم النفس والاجتماع أن “الآيس” أو “الكريستال” الأكثر رواجاً واستخداماً، ومن مخاطره أن إدمانه يتم من أول جرعة وتسبب في ظهور حالات التهابات الكبد المنتشرة بالبلاد، فضلاً عن أن متعاطيه يستطيع فعل كل شيء دون اعتراض، مما جعله نجم الساحة في المخدرات.
(اليوم التالي) أجرت تحقيقاً لأسباب انتشار المخدرات وطرق معرفة متعاطيها والعلاج..
الخرطوم : مروة فضال
ألف حالة يومياً
كشف البروفيسور علي بلدو، استشاري التأهيل وعلاج الإدمان ل(اليوم التالي) أن مخدر الآيس والذي يعرف (الشبو والاسنو والكرستل مس، اب صليب) أصبح في ازدياد مطرد هذه الأيام، مبيناً وجود ما يقارب ألف حالة تقريباً يومياً من الشباب والشابات من متعاطي الكرستل مس الذين يذهبون للعلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز التأهيلية وأن الحالات لا تمثل إلا القليل من حالات أخرى كثيرة لا يتم عرضها للعلاج خوفاً من الملاحقة القانونية والقضائية و من الوصمة الاجتماعية .
وأوضح بلدو ل(اليوم التالي)أن الآيس عبارة عن مادة تدعى الانفتامين، وهي مادة منشطة للجهاز العصبي ويظهر في صور (صخور وبلورات كرستالية صغيرة لونها كرستالي) ويحدث الإدمان عليه من أول جرعة، سواء كان الشخص مدركاً عند تناولها ام لا، وهذا في حد ذاته خطورة لإدمان الشخص دون أن يكون لديه علم بذلك أو أن له صلة بهذه المادة، وبالتالي يمكن بسهولة وقوع الكثيرين في إدمانه دون علم بذلك.
أنواع جديدة
وفي السياق قال بلدو.. إن السودان أصبح مستقراً وموطناَ للكثير من أنواع المخدرات بكافة أشكالها وأنواعها الطبيعية والتقليدية والجديدة، موضحاً وجود أصناف جديدة من المخدرات كمخدر الكرستو أو كما يسمى ( بالبوس أو اللورد أو المستر )، إضافة إلى المخدرات الرقمية أو ما يسمي( بالآيدوزر) ويتناولها الأشخاص عن طريق الأقراص المدمجة أو الفلاشات والوسائط المتعددة، وتؤدي ل(ضيق النفس والأزمات القلبية) وقد تؤدي إلى الوفاة والتشنجات.
ولفت إلى وجود فئات عمرية صغيرة السن انضمت إلى المدمنين والمدمنات، مبيناً حالات الإدمان في عمر السابعة والثامنة في (مراحل الأساس والابتدائي) ويمتد الإدمان ليشمل فئات عمرية أكثر تقدماً في السن خلاف ما هو معهود، إضافة إلى وجود حواء السودانية في عالم الإدمان، وأوضح وجود أنواع أخرى من الإدمان (إدمان المواقع الإباحية والأدمان الرقمي)
أسباب تؤدي إلى الإدمان
ويضيف بلدو أن التعامل السيء من قبل المجتمع وعدم مد يد العون للأشخاص والمرضى والمتعاطين و غياب الرقابة الأسرية والمجتمعية، فضلاً عن غياب النماذج الصالحة فيما نراه من تشوهات سلوكية وأخلاقية وقيمية ألقت بظلالها على هذا العالم، مضيفاً.. (الشباب والشابات والمواطنون يحسون بحالة من الإحباط و والشعور بعدم الارتياح والانزعاج والانفصال المجتمعي) مما يساعد في نمو الإدمان، كما توجد جهات معينة تريد أن يكون المواطن السوداني مغيباً وغائباً عن الوعي، وتقوم بتوفير هذه المخدرات الغالية الثمن مجاناً لكل شخص ولكل من يريد وبكثافة وبكافة المنافذ، في ظل ضعف الإمكانات الخاصة بالمكافحة، بجانب نقص مراكز الإدمان ونقص الاستشاريين المؤهلين في هذا الجانب، مما فاقم من الأزمة، وأصبح المجتمع يعيش عدم الأمان وانتشار التعاطي والتي أصبحت تستفحل يوماً بعد يوم .
عدم رقابة من الدولة
من جانبها ترى د. ثريا ابراهيم الحاج اختصاصية علم الاجتماع، أن هناك انتشاراً كبيراً للمخدرات وسط الأطفال والمراهقين وذلك لأسباب أمنية متعلقة بعدم وجود رقابة من الدولة، مما سهل من دخولها إلى السودان، وتضيف ثريا ل(اليوم التالي).. التي يتم استعمالها (ليس البنقو الذي يزرع في السودان) بل هناك أنواع أخرى من خارج السودان لها علاقة بالحدود.
وأشارت إلى أن هناك أسباباً مرتبطة بالأسرة خاصة الأطفال المراهقين (اليافعين)، وأن كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية تلعب دوراً في استقرار الطفل (حتى لا يذهب مع أصدقاء السوء وممارسة أشياء كثيرة ) بسبب الإهمال والعنف أو نمو الطفل في أجواء محفزة مما يجعله فريسة سهلة (للشلليات) وأصحاب السوء، إضافة إلى التمييز بينه وإخوته أو الضرب والعنف والإساءة اللفظية، فضلاً عن وجود نموزج سيء في المنزل.
ولفتت ثريا إلى الطلاق عندما يكون طلاقاً غير آمن ( لا يستطيعون إدارة تربية أبنائهم) مما يحدث تفكك أسرى، كذلك الإهمال.
وقالت لا بد من انتباه الأسر ومتابعة استقرار أبنائها ومساعدتهم في حال الإدمان وأخذهم إلى الطبيب للمعالجة.
وتضيف قائلة.. من العوامل أيضا الحالة الاقتصادية للأسر لأن المروجين يستهدفون الشباب الأكثر فقراً؛ سواء في المدرسة أو الجامعة، وذلك بتوفير كل مايحتاجونه وبعدها يتعاطى ويصبح مدمناً، مما يخلق مشاكل تجعله يفعل كل ماهو غير متوقع، وكذلك يتسرب من الدراسة والبعض يحدث له تشرد .
وأردفت.. لمعرفة الأطفال متعاطي المخدرات يجب ملاحظة (النوم المتقطع واحمرار العيون والسلوك ) والمتابعة مع الطبيب
وأشارت إلى أن هناك نوع مخدر ” الآيس” يجعل الشخص نشطاً لدرجة بعيدة ومجرد تركه يحدث له انهيار في الجسم، وأردفت : المؤشرات والإدمان تختلف من شخص لآخر حسب جسم الإنسان ونوع المخدر وكميته، وأوضحت أن هناك وعياً من الأسر ورغبة في مساعدة أبنائها من تخطي تعاطي المخدرات، وعلى الأسر المستقرة وغيرها ان تراعي أبناءها وتتابع سلوكهم.
طرق التعاطي والأعراض
ويضيف بروف بلدو ، يتم تعاطيه عن طريق التدخين أو الحقن الوريدي أو الاستنشاق الإيجابي أو السالب، ويمكن أيضاً استعماله في الشيشة والتي من أكثر الأشياء التي تساعد في نشر هذا المخدر، فضلاً عن وجوده في السجائر العادية التي يتم حشوها به مما يصعب من اكتشافه أو التوصل إليه، وفي الغالب الشخص الذي يتعاطى هذه المخدرات الجديدة يحدث له تغيرات من ساعتين إلى ثمان ساعات مثل (الشعور باليأس والحزن والكآبة وضعف الشهية والإعياء والقلق والتوتر والأرق الشديد والإرهاق الجسدي وعدم الشعور بالفعالية والتشنجات الخطيرة) التي قد تؤدي إلى الوفاة
الأضرار
وقال بلدو.. يؤدي إلى ضرر وتلف في المخ وموت خلايا المخ والسكتة الدماغية والخرف المبكر ونزيف المخ ويؤثر على القلب في الخفقات والذبحة الصدرية والاحتشاء القلبي والوفاة المفاجئة والفشل الكلوى وازدياد حالات إضطرابات الكلي وتليف الكبد وانتشار الفيروسات الكبدية.
لافتاً إلى تسببه في ازدياد التهابات الكبد الفيروسية المختلفة في البلاد، ومرض نقص المناعة المكتسب ويؤدي إلى ضعف المناعة وشحوب الوجه وسوء المظهر والتغير في الشفاه، ووجود هالات سوداء حول العين وجفاف الفم والقدم وتقرحات في الوجه، إضافة إلى الهلاويس السمعية والبصرية والتهيج والعنف والبرنوية والوهم والاكتئاب الحاد والسلوك العدائي والميول إلى الانتحار، وغالباً مدمنو الكريستال مس ينهون حياتهم بالانتحار أو القتل الجماعي بقتل الأهل والأصدقاء والأسرة ومن ثم الانتحار ويجعل الشخص في حالة من التوهان وعدم الإدراك والرغبة في التعاطي ويقوم بعمل أي شيء للحصول عليه (بيع المقتنيات والسرقة والقتل و الاغتصاب والنهب والسلب ويرتبط بالاضطرابات الأمنية في البلاد (النهب المسلح والسرقة بكافة أشكالها) كما يؤدي إلى مشاكل أخلاقية (كالدعارة وبيع النفس وتجارة الجنس) التي أصبحت مربوطة به واضطرابات التشنجات وآلام المفاصل والعضلات والتوتر والقلق والنعاس المستمر وحوادث الحركة بأشكالها المختلفة والحوادث المرورية والجرائم القريبة (القتل، التدمير ، الهياج)
طرق للعلاج
ويشير بلدو ل(اليوم التالي) إلى أنه يتم العلاج من مخدر (الآيس) بالتعرف عليه والكشف، ومن ثم سحب السموم من الجسم والكشف الطبي للمدمن، ويلي ذلك اكتشاف أي أعراض انسحابية أو تسممية، ومن ثم التأثير النفسي والسلوكي والمتابعة الخارجية للمريض وإشراك الأسرة في ذلك.
واردف قائلاً : إن( الكريستل مس) نجم الساحه في السودان وأزاح البنقو والفرمدول مما يشكل خطورة بالغة على الأسر السودانية، حيث أصبح (هناك مدمن للكرستل ميس بيننا ولا ندرى)؛ خاصة وأن عند تعاطيه لايدرك الشخص ذلك ويمكن أن يؤدى إلى الإدمان، مما جعل الجميع في مرمى الكرستل مس.
يؤثر على مستقبل الدولة
فيما أوضح الخبير التربوي الهادي السيد أن العامل الاقتصادي و البطالة أديا إلى عوامل نفسية للشباب، وكثير من المراهقين؛ مما جعلهم متعاطين للمخدرات عن الواقع.
مردفاً.. عدم الرقابة من الأسرة وانشغال أولياء الأمور( وراء المعاش) زاد من نسب المتعاطين وهذا يؤثر على مستقبل الدولة .
وأشار إلى أنه من أسباب انتشارها عدم الوعي الديني وضعفه ومتابعة أهل النفوس الضعيفة أثر في كثير من الشباب, إضافة إلى وسائل التواصل والفراغ وأردف.. يرى الطلاب أن تناولها نوع من الرجولة وكل ذلك هروب من الواقع، وعلى الأسر مراعاة أبنائها كما جاء في الحديث النبوي (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته) وإذا تم الإهمال ستكون هناك مساحة كبيرة لتعلم كل شيء، لذلك لا بد من الرقابة الحكومية لبتر المخدرات وعلى الاسر رقابة ابنائها.
أسباب متعددة
وفي السياق.. قال الباحث الاقتصادي آدم يوسف ل(اليوم التالي).. يعتبر الشباب الفئة الأكثر تعداداً في السودان، و مورداً بشرياً مهماًا ، لا سيما الطلبة والخريجين والباحثين ، وأرجع الأسباب الرئيسية لظاهرة تفشي الإدمان وسط هذه الفئات إلى ارتفاع نسبة البطالة وضعف فرص العمل اللائق ، النفسية والأسرية إضافة إلى ارتفاع تكاليف المعيشة ، وكثرة أصدقاء السوء ، كلها أسباب ساهمت بشكل مباشر في ازدياد نسبة الشباب للانحراف والسلوكيات السالبة.
لافتاً إلى وجود أسباب أخرى مرتبطة بالسياسة العامة للدولة، كاختلال موازين العدالة الاجتماعية ، وعدم الاهتمام بالبحوث والدراسات التي تعالج مثل هذه الظواهر ، واستمرار اهتمام الإعلام بالمرجعيات الثقافية التقليدية في إنتاج الصور الذهنية حول المتعاطين وسط الشباب في مجتمعات محلية محافظة، ما يوفر ضمانات ثقافية إيجابية، وأشار للحد من الظاهرة ومقاومتها من قبل الشباب أنفسهم.
و استناداً على انتشار المخدرات و أخطارها على الشباب، وتحديداً في المجتمعات المحلية، لا بد من ًسد فجوة المعالجة القانونية في التعامل الأمني والقضائي أولاً مع التاجر والمروج والمتعاطي والمدمن.
وضرورة التطبيق الحازم للقانون، ما يحتاج أن لا تكتفي الجهات المختصة بتطبيق القانون، بل ايضا أن تؤكد للمجتمع بأنها تطبق القانون ولا تتهاون فيه فضلاً عن ًوضع برامج للتوعية ونشر ثقافة إيجابية تحد من الانتشار و الاهتمام بتطوير مضامين إعلامية يخطط لها علمياً تستهدف تعزيز ثقافة إيجابية وسط الشباب تعزز مناعتهم ضد إغراء مروجي المخدرات، وتواجه الثقافة الاستهلاكية التي تستهدف تهيئة الشباب بشكل غير مباشر للتعاطي.
وتابع آدم دعوة الجامعات إلى تطوير دورها في الحد من انتشار المخدرات وسط الشباب وطلاب الجامعات من خلال التعاون مع الجهات المختصة، ونشر برامج التوعية والإرشاد، إضافة إلى دعوة الباحثين إلى الاهتمام بدراسات المجتمعات المحلية في الموضوعات ذات الصلة بالمخدرات، إضافة إلى التركيز على البيئات الشبابية غير الآمنة، والانتقال من الدراسات الشمولية إلى دراسات المجتمعات المحلية.