بروفيسور مجدي محمود.. جدري القردة قديم لا يسبب جائحة ولا ينتقل بالتنفس

أكد متخصص في علم المناعة والوراثة، أن جدري القردة مرض قديم منذ عام 1958، وغير مميت ولا ينتقل عبر التنفس والرذاذ كفيروس كورونا، وأنما بالاحتكاك بالمرضى، وتنقله القوارض مثل الفئران، ولا يسبب جائحة كجائحة كورونا..
وكتب بروفيسور مجدي محمود محمد على أستاذ علم المناعة والوراثة الجزئية بدولة الإمارات العربية حاليا وأستاذ بجامعة العلوم الطبية السودانية سابقا مقالا بعنوان (جدري القردة ومسلسل الأمراض الناشئة)..
وذكر بروفيسور مجدي ان ما دعاه لكتابة المقال هو ما يدور الآن على مستوى العالم وبداية الهلع الذي بدأ يداعب العقول والقلوب فيما يخص جدري القردة (القرود)
وقال هذا الأمر أيضا يذكرني بقصة كنت سردتها في حديث لي عن بداية علم المناعة واكتشاف اللقاحات، وهي مرتبطة بشكل كبير بالمرض الذي ظهر للسطح .. مرض الجدري بشكل عام وبصورة خاصة جدري القردة
فقد ذكرنا أن بداية اكتشاف فكرة أن يكتسب شخصا ما ، مناعة أو حماية من الاصابة بمرض ما… لها ارتباط بجزيئيات من الميكروب نفسه؛ وقد كانت البداية بالتعامل مع أبقار للحصول على ألبانها من بعض النسوة في بريطانيا ، وتمت ملاحظة اكتسابهن لوقاية من الاصابة بمرض الجدري الذي كان وقتها هاجسا كبيرا، حيث اتضح أن تلك الأبقار مصابة بجدري البقر والذي تسببه فيروسات من نفس العائلة ولكن تختتلف الأنواع من حيوان لآخر بما فيها الإنسان..
هذه الملاحظة دفعت العالم الانجليزي ادوارد جينر للتوصل للحصول على فكرة امكانية استخدام مستخرجات من قروح ناتجة من الاصابة بجدري البقر للوقاية من مرض الجدري الخطير للانسان، علما بأن مرض الجدري تسبب في موت ما يقارب الخمسمائة مليون شخص في العصور الوسطى حيث أن نسبة الوفاة من المرض تصل 90%..
وتم استئصال المرض بفضل هذه اللقاحات التي تم تطويرها وأخذها بانتظام في كل العالم في برنامج ناجح بدأ 1967 حتى تم اعلان توقف الاصابات الجديدة، حيث كانت آخر اصابة تم اعلان وجودها في الصومال 1977 ثم تم الاعلان بواسطة الصحة العالمية عن استئصال المرض بشكل نهائي عام 1980 وهو قمة النجاح لعمل اللقاحات والتي ضربنا بها مثلا عند ظهور جائحة كورونا وانتاج اللقاحات الخاصة بها.
مرض الجدري تسببه فيروسات من فئة الدي إن إي (DNA viruses) وكنت قد أوضحت من قبل أن الفيروسات تُصنَّف إما DNA or RNA
وذلك حسب المادة الجينية التي تحملها ، وذكرت بأن فيروس سارس كوف 2 (كورونا) هو من فصيلة آر إن إي (RNA viruses) وهي الأكثر قدرة على إحداث الطفرات الجينية
جنس الفيروس المسبب للجدري بجميع أشكاله يسمى : ارثو بوكس فايروس من عائلة بوكس فيريدي (poxviridae) علما بأن الأخطر هو ذلك الذي يصيب الانسان ويعرف بمرض الجدري (smallpox) بينما تقل نسبة الخطورة بشكل كبير للأنواع الأخرى مثل جدري البقر والماعز والدجاج والقردة
علما بأن برنامج اللقاحات ضد الجدري التي كانت يتم أخذها حتى الثمانينات ساعدت بشكل كبير في الحماية ضد معظم أنواع الجدري الأخرى التي تصيب الحيوانات مثل جدري البقر وجدري القردة الذي بدأ يطل برأسه هذه الأيام خاصة وأن عملية اللقاح توقفت بعد استئصال مرض الجدري، وأن تلك اللقاحات كانت تحمي أيضا من جدري القردة، لذلك لم يختفي وكانت هنالك أكثر من 4600 حالة في الكنغو فقط عام 2020 حسب ورقة علمية تم نشرها فبراير من هذا العام..
جدري القردة معروف منذ فترة طويلة (1958) وموجود في أفريقيا بشكل خاص ، وهو ليس مرتبطا بإصابة القرود كما يُفهم من الاسم ولكن لأنه تم عزل نوع الفيروس المسبب له في المختبر من خلايا مستخرجة من القرود لإجراء تجارب والتعرف على أنواع العائلة المختلفة. ويتم انتشار الفيروس بواسطة القوارض مثل أنواع الفئران المختلفة
تم التعرف على سلالتين منه، الأولى في غرب أفريقيا والثانية في وسط أفريقيا وتتراوح درجات الخطورة بينهما حيث أن سلالة غرب أفريقيا تسبب الموت بنسبة 1% بينما تلك التي في شرق أفريقيا وتعرف في الكنغو الديمقراطية تصل نسبة الموت فيها 10% وظهر لأول مرة في الانسان عام 1970 وذلك في الكنغو الديمقراطية
ظهر للمرة الأولى في الولايات المتحدة عام 2003 بواسطة استيراد بعض الفئران الخاصة والمتواجدة فقط في أفريقيا (من غانا) وهي أضخم نوع من الفئران (الجقر) وكانت تحمل فيروس المرض وانتقلت لبعض الفئران المستأنسة وتسمى كلاب براري رغم أنها ليست كلاب وكانت تخص أسرة أمريكية وتسبب ذلك وقتها في انتشار المرض في حوالي ست ولايات وأصاب أكثر من سبعين شخصا وقتها
أما النوع الذي ظهر مؤخرا في أوروبا وأمريكا هو من نفس سلالة غرب أفريقيا ذات نسبة الوفيات الأقل (1%)
بدأ ظهور المرض مؤخرا في أوروبا ببريطانيا ، وهو أمر غريب حيث أنه ليس معروفا وجوده هناك ، وغالبا يكون ظهوره مرتبطا بعملية سفر وقدوم شخص من إحدى المناطق التي يتوطن فيها المرض وتأكد أن شخصا كان عائدا من نيجريا ومعه الفيروس والاصابة، ولكن بعد ذلك بدأ ينتقل بين مجموعة أخذت العدوى من مصابين وبالتأكيد عملية سهولة الانتقال والسفر في العالم هي التحدي الأكبر لانتشار هكذا أمراض فالعالم أصبح كأنه منطقة واحدة، ومن هنا جاء انتشار الأوبئة والجوائح
الآن يتواجد في بريطانيا أكثر من عشرين حالة وظهر في فرنسا وبلجيكا والسويد والبرتغال وألمانيا والولايات المتحدة وكندا وأخيرا استراليا (أكثر من 11 دولة خارج موطن الفيروس الأصلي وهو أفريقيا)
الأعداد ما زالت قليلة ولم تكن مميتة الحمدلله ، ولكن الذي رفع درجة القلق هو أن الأعداد التي تم اعلان اصابتها تفوق كل الأعداد التي ظهرت خارج أفريقيا منذ عام 1970
الأعراض بصورة عامة تبدأ بارتفاع درجات الحرارة وصداع وألم حاد في العضلات وتضخم في الغدد اللمفاوية وبعد ذلك تبدأ عملية الطفح الجلدي في راحة اليدين والأرجل ثم الوجه وبقية الجسم وذلك بعد ثلاثة أيام تقريبا من ظهور الأعراض الأولى ، وهذه القروح مزعجة وتبدأ في افراز سوائل وهي معدية حيث تحتوي على الفيروس ، وقد يستمر ذلك لمدة أربعة أسايع ثم يبدأ في الانحسار ، ولكن قد تصاحبه اصابات بكتيرية ثانوية تعقد من الحالة وتبدأ أعراض تنفسية واسهال ولكن ليس في كل الحالات وتعتمد بشكل كبير على مناعة المصابين..
فترة حضانة المرض من ستة أيام لأسبوعين وقد تصل 21 يوما، بشكل عام المرض حيواني المنشأ وهو يؤكد حديثنا المتكرر عن عملية انتشار الأمراض المشتركة والناشئة ..
جدري القردة بصورة عامة منتشر ومحصور في مناطق معينة في أفريقيا ضمن قائمة ما يعرف بالأمراض المهملة
Neglected disease
ومجتمعات رعوية ريفية تتعامل مع الحيوانات بصورة لصيقة ، والعدوى قد تأتي من ذلك ، وأيضا في حال تم خرش حيوان مصاب لإنسان .
إمكانية نقل الفيروس العدوى، من انسان لإنسان أيضا تم توثيقها وبدأ ذلك للأسف في بعض المثليين في علاقات جنسية حميمة وهي وسيلة من وسائل انتقال الفيروس، وبدأ في هذه الدائرة من المثليين في بريطانيا ثم انتشر لآخرين لهم علاقات مع الفئة الأولى التي تحمل العدوى.
ولكن بصورة عامة العدوى ليست سهلة الانتشار وتحتاج لتواجد وتقارب مع المصابين من قبلات واحتكاك مباشر ، وهذا لا يثبت أن المرض ينتقل جنسيا ، ولكن غالبا للقرب المباشر مع شخص مصاب يحمل الفيروس وبه بعض القروح أحيانا وأحيانا الرذاذ من المصابين ولكن بنسبة أقل.
لا يوجد لقاح حاليا أو علاج مباشر حيث أنه لايوجد علاج للأمراض الفيروسية ، ولكن كما أوضحنا سابقا أن لقاحات مرض الجدري يتم الاحتفاظ بها في مركز التحكم في الأمراض بأتلانتا بالولايات المتحدة ، وكذلك في موسكو وأيضا بعض العلاجات المتخصصة ، وذلك تم تحسبا لاستخدام الفيروس في حروب بيولوجية فهي من أخطر العوامل البيولوجية.
في الختام نخلص لأن المرض حاليا لا يرتقي ليسبب جائحة مثل كوفيد ووسائل انتقاله ليست مثله كما كان يتم بالتنفس والعطس والرذاذ المباشر ولكنه يحتاج لاحتكاك مباشر وقرب أكثر بين المصابين أو من حيوان مصاب أيضا..
بدأت قبيلة العلماء في البحث والبحوث ومحاولة التعرف على الخارطة الجينية للفيروس ومقارنتها بالسلالات المعروفة من قبل ونوافيكم بالنتائج.

Comments (0)
Add Comment