الخرطوم ــ محيي الدين شجر
وأفصح خبير إنقاذ نهري أن 50% من “أسماك البردة” تعرض الانسان للغرق. خطورة “أسماك البردة” ودورها في عمليات الغرق التي كثرت في الأونة الأخيرة.
وكشف التحقيق قوة الشحنة الكهربائية لتلك الأسماك والمناطق التي تتواجد فيها في السودان.
وقال مدرب إنقاذ نهري إن “البردة” تدخل الانسان في مرحلة الغيبوبة ثم يتعرض بعد ذلك للغرق وأن قوتها الكهربائية تختلف حسب حجمها.
البَرَد..السمك القاتل
غرق مئات الشباب في السودان بصورة يومية بسبب هذه السمكة
باحثة: قوة الشحنة الكهربائية لسمكة البردة تصل إلى (350) فولت
خبير إنقاذ نهري: (50%) من أسماك البرد تُعرِّض الشخص للغرق
مدرب إنقاذ نهري: تُدخِل الإنسان في غيبوبة ويَتعرَّض للغرق
اختصاصي طب شرعي: لم يحدث أن كتبنا في التقارير أن الوفاة بسبب البردة
عقيل سوار الذهب: نجد سباحين ماهرين يتوفون غرقاً، ونجد أشخاصاً يقفون على حافة النهر ولكنهم يغرقون
في العام 2017م، وفي السابع عشر منه تحديداً رن هاتفي، وكان المتصل زوج خالة زوجتي، ويدعى عبيد الله، أخبرني دون مقدِّمان قائلاً: تعلم أنت أن كل الأسرة بترعة خشم القربة، ولقد غرقت ابنتي وزوجة ابني وزوجتك نغم، كان الخبر صادماً بالنسبة لي ووقع عليَّ وقع الصاعقة لأني أعلم سلفاً أن ترعة خشم القربة بكسلا ليست غريقة ومياهها ضحلة، وبعد أن سافرت كسلا أخبروني أن الغرق كان بسبب سمكة بردة، أفرغت شحنتها الكهربائية في الماء فأصابت الشحنة الكهربائية كل من كان بالترعة وتسببت في موت الثلاث، ونجاة أخريات بصعوبة وبعد نقلهن للمستشفى.
في العزاء الذي أقمته بمنزلي بحي النصر حضر أحدهم وحكى لي قصة غريبة وعجيبة ذكر بأن قريب له ذهب إلى سوق السمك بالموردة وأحضر سمكاً طازجاً وحين وصوله لمنزله بالحاج يوسف، قال لأسرته: إن اليوم هو يوم السمك، وبدأ في تنظيفه، وعكفت زوجته على إعداد النار وأثناء تنظيفه للسمك أفرغت سمكة بردة كانت بين السمك شحنتها في يده لتفارق روحه جسده.
ولقد قرأت قصة لأحدهم يحكي عن جار له صعقته بردة حينما كان يسبح في النيل وتفحم.
قصص كثيرة عن تسبب سمك البرد في إزهاق روح الناس في السودان، وقبل أيام أخبرني رئيس التحرير المُكلَّف فرح أمبدة، بأن قريباً له هاشم أحمد فالح، عمره (21) عاماً، فقط، انتقل إلى جوار ربه في 27 رمضان، المنصرم، في غابة السنط في موقع ضحل للغاية بسبب سمكة بردة.
تحذير
قصص غرق كثيرة يشيب لها الغراب كلها مسببة بكهرباء سمكة البردة، ولقد حذَّر الفريق عثمان عطا، مديرالإدارة العامة للدفاع المدني في شهر رمضان المعظم الماضي، المواطنين بتجنب الاستحمام بالنيل بعد الزيادات التي طرأت في مستوى المياه وظهور سمك البرد القاتل بكثرة وازدياد حالات الغرق – على حد قوله.
هل تؤدي إلى الوفاة؟
فهل فعلاً تؤدي سمكة البردة إلى الوفاة حين تصيب الإنسان داخل النيل بشحنتها الكهربائية، أم تشل حركته ويغرق غرقاً طبيعياً؟ وإذا كانت بمثل هذه الخطورة لماذا لم تضع السلطات المسؤولة تحذيرات تمنع السباحة في بعض المناطق؟ وماهي أكثر المناطق التي يكثر فيها سمك البرد؟ وماهي البردة التي تقتل الناس بكثافة في السودان وماحجم شحنتها الكهربائية؟
أسئلة كثيرة دارت بخلدي وأنا أنقِّب عنها.
الإنقاذ النهري
(الصيحة) وللحصول على معلومات دقيقة عن سمكة البردة زارت إدارة الإنقاذ النهري بشارع النيل الخرطوم نسبة لتعاملهم اليومي مع حالات الغرق وخبرتهم الطويلة في المجال، والتقت بالملازم عمار فاروق، الذي ظل يعمل في الإنقاذ النهري لمدة (31) عاماً، واستفسرته عن سمكة البردة ليقول: أسماك البرد هي مثلها والأسماك العادية الأخرى، ولكنها مختلفة في أنها تحمل شحنات كهربائية وتختلف في أحجامها، وكلما كان حجمها كبيراً يكون تأثير الكهرباء التي تفرغها كبيراً، وأضاف: إن (50%) من أسماك البرد تُعرِّض الشخص للغرق، وقال: هي توجد بكثافة في النيل الأزرق وتتكاثر في الأماكن الطينية والكهوف و(السار) جبال تحت الماء، ومناطق الحجر، وذكر أن البردة لا تتحرَّك نحو الإنسان في الماء، بل الإنسان هو الذي يذهب إلى مكان وجودها، لأنها لا تتمتَّع كباقي الأسماك بحركة كثيرة، وأوضح أن الإنسان حينما يقرِّب منها تلامس جسمه وتشل حركته وتستمر في شل حركته حتى يغرق، وحول مقدار الكهرباء المخزنة بداخلها قال: لم نجر مقياساً لحجم الكهرباء، ولكن كلما كان حجم البردة كبيراً كان تأثيرها كبيراً حسب تجربتنا الطويلة مع هذا النوع من السمك، وأوضح قائلاً: خلال عملنا الطويل في الإنقاذ النهري نصادفها وتصيبنا بشحنتها الكهربائية لكننا نكون متحسبين بملابس واقية وعازلة ونعرف خطورتها والتعامل معها، وقال: من قبل فقدنا زميل لنا غطاس، حينما نزل في عمق مترين فتعرَّض للغرق ولم نعرف سبب غرقه مع أنه غطاس ماهر ولم يخضع للتشريح لمعرفة سبب الوفاة بطلب من أسرته.
أماكن وجودها
وحول أماكن وجودها قال الملازم عمار: تكون بكثرة في النيل الأزرق من المنبع على طول النيل كمناطق سنار وسنجة والدمازين ومناطق الخيران والمناطق الطينية ذات الطمي والمناطق الحجرية.
سؤال وإجابة
إن السؤال الذي تبادر إلى ذهني عند سماعي عن البردة وأنها تقتل من يقرب منها أن السؤال هو: هل هي تقتله بشحنتها الكهربائية أم تؤدي إلى إصابته بالشلل ثم يموت غرقاً؟
أجاب على هذا السؤال الدكتور صابر مكي، اختصاصي الطب الشرعي بمشرحة أم درمان بقوله لـ (الصيحة): إن تشريحهم يكون مبني في المقام الأول على معرفة هل الشخص غرق غرقاً عادياً أم غرق بفعل فاعل أو قتل وتم رميه في النيل بعد ذلك؟ وذكر أن البردة تعمل على شل حركة الإنسان وإذا حاول الحركة يتعرَّض للغرق ولا تكون هنالك أي آثار تدل بأن غرق نتيجة إصابته بشحنة كهربائية للبردة على عكس الشخص الذي يموت نتيجة التماس كهربائي، فتكون هنالك علامات واضحة، مثل موضع دخول التيار ومكان خروج التيار، أما الذي تصيبه البردة فيكون غرقه عادياً.
وأضاف: إن البردة تطلق شحنتها الكهربائية في الماء وتصبح كل المنطقة فيها تيار كهربائي تصيب من كان موجوداً بصعقتها وتؤدي إلى إصابته بالشلل.
ويؤكد حديثه الدكتور عقيل سوار الذهب، اختصاصي الطب مدير مشرحة بشائر، حيث قال لي: لم يحدث أن كتبنا في التقارير أن الوفاة بسبب البردة، إنما نكتب بأنه غرق عادي.
مبيِّناً أن المتوفي بالكهرباء له خصائص أخرى غير متوفرة في الذي
يموت بسبب البردة .
خارج النهر
وأضاف الدكتور عقيل سوار الذهب، كبير اختصاصيي الطب الشرعي، أن الغرق هو عملية استبدال الهواء بالماء داخل الرئتين، أي اختلال في وظيفة الرئتين والقلب والدم عامة، فيحتل الماء حيزاً كبيراً داخل الرئتين ويحدث ما يسمى بـ”اسفكسيا الغرق” وتتم كل هذه العملية مابين دقيقتين إلى خمس دقائق، معتمداً على مقدرة الإنسان ودرجة تحمُّله ودرجة تحمل أعضائه.
العلاقة بالإنسان
وعن سمكة البردة وعلاقتها بالإنسان، قال: إن البردة تحتوي على شحنة كهربائية عالية وعندما يلامس جسمها الإنسان فإنه يصعق بشحنة كهربائية تؤدي إلى وفاته وغرقه، من جانبي سألت عدداً من الصيادين عن البردة، حيث قالوا: إن البردة تحتفظ بهذه الخاصة الكهربائية حتى خارج النهر ولا يستطيع المرء لمسها لفترة طويلة. وحول الدلائل التي تشير إلى حوادث البردة، قال: نجد سباحين ماهرين يتوفون غرقاً، ونجد أشخاصاً يقفون على حافة النهر ولكنهم يغرقون بدون أسباب، وقد نجد المياه بالكاد تغمر الجثة، وكم من مشاهد رأيناها لغرقى كنا في حيرة شديدة في فك طلاسم الأسباب التي جعلت المتوفى يغرق، ونقول: من المحتمل أن يكون السبب سمك البردة، وقال الدكتور عقيل: إن الكهرباء العادية عندما يتعرَّض لها المرء فإن هنالك مدخلاً للتيار الكهربائي ومخرجاً، فيما لا تظهر هذه الآثار عند ملامسة الإنسان لصعقة البردة.
الأكسجين
يقول يس السيد، مدرِّب إنقاذ نهري، إنهم دائماً يتعرَّضون لصعقة البردة الكهربائية ولكنهم يكونوا متوقعين لها ويتعاملوا معها باحترافية ويستطيعوا الخروج من المأزق وفق اتباعهم لقواعد السلامة المحدَّدة للغوض، وأوضح أن أي تهور في الغوض يؤدي إلى الغرق .
وأضاف يس السيد، قائلاً: إن الكهرباء الموجودة في البردة لا تسبب الوفاة، ولكن بمجرَّد إصابة الشخص بكهرباء البردة ولامست جسمه يحدث هلع وخوف يزيد من سرعة دقات قلبه وتقل نسبة الأكسجين في رأسه وتقل المقاومة ويزيد خوفه ويصل الجسم مرحلة الغيبوبة فتنعدم الحركة ويسقط الإنسان في الماء ويتعرَّض للغرق ويصبح غرق طبيعي، وأكد أن الغرق يمكن أن يحدث في منطقة ضحلة.
أسماك تنتج كهرباء
الباحثة دينا إبراهيم عالم، من معهد أبحاث “البيئة والموارد الطبيعية” التابع للمركز القومي للبحوث، قالت في تصريحات سابقة لها: إن الأسماك هي الحيوانات الوحيدة التي -أحياناً- تكون لها أجهزة مصممة لتوليد شحنة كهربائية، وأن هنالك اثنين من أنواع الأسماك التي لها الخاصية لإنتاج صعقات كهربائية كبيرة منها: أسماك البردة في المياه العذبة وسمك الطوربيد في البحار، وقالت: إن هذه المعلومة كانت معروفة لسكان شواطيء البحر الأبيض المتوسط والذين نحتوا هذه الأشكال في رسوماتهم وكتبوا عنها في تطبيقاتهم الطبية والعلاجية، وأوضحت أن المصريين كانوا على دراية بأنواع من الأسماك سمّاها (مورمايرس) في النيل، أي سمكة (خشم النبات) والتي أن كانت شحنتها الكهربائية ضعيفة، إلا أنها محسوسة عند اللمس باليد. وأوضحت الباحثة أن العلماء منذ القدم انتبهوا إلى تيارات الكهرباء القوية التي يطلقها ثعبان البحر من شمال أمريكا، وقد تمت إضافة أعداد أخرى من الأسماك الكهربائية في القرن التاسع عشر، عن طريق التشريح وعن طريق الأعضاء الموجودة في الزعانف، وباكتشاف وسائل جديدة محسَّنة لاكتشاف الشحنات الضعيفة تم اعتبار تلك الأعضاء أعضاء كهربائية حقاً، وأضافت أن الميزة المشتركة بين كل أجهزة الأعضاء الكهربائية في هذه الأسماك هي أنها مبنية في شكل أقراص كبيرة العدد في شكل خلايا، وإنما ما يميِّز سمكة البردة فيما يتعلق بالأعضاء المنتجة للكهرباء أن الكهرباء تأتي من أعضاء في غدد خاصة موجودة في جلد البردة السميك، ومن خصائص الشحنة الكهربائية في البردة أنها تأخذ شكل موجات صغيرة متلاحقة ومتصلة تختلف في مدتها وقوتها من نوع إلى آخر. وأن قوة الشحنة الكهربائية لسمكة البردة قد تصل إلى (350) فولت، (قوة الشحنة الكهربائية للتيار الكهربائي في الشبكة القومية للكهرباء الموصلة إلى المنازل 220 فولت) فيما تصل قوة الشحنة الكهربائية لثعبان البحر إلى (550) فولت، كما أن هذه الأسماك لها القدرة في التحكم في التيار الكهربائي دون أن تتأثر بها السمكة نفسها، ولقد أصبح من غير المشكوك فيه أن هذه الأنواع من الأسماك في مقدورها أن تنتج شحنات كهربائية قوية تستعملها في حالتي الهجوم والدفاع.
أسماء متعدِّدة
حسب بحثي فقد وجدت أن لسمكة البردة أسماء متعدِّدة حيث يطلق عليها:
سمك الرَّعَّاش أو السمك الرعاد وهي أسماك مزوَّدة بعضلات خاصة قادرة على توليد تيار كهربائي. وتولِّد الأسماك الرعّاشة صدمات كهربائية قوية لحماية نفسها من الأعداء، وتدوّخ أو تقتل فريستها. وتقوم كذلك بتفريغ تيارات كهربائية أضعف لكشف الحيوانات والأشياء في المياه الطينية، حيث تعيش ويطلق عليها سكان شمال السودان أم جرقة.
وتسمى -أيضاً- رَعَّادَة النيل أو فُتْرَة النيل أو رَعَّاشة النيل. وتسمى بَرَّادة في نهر النيل (في السودان) وتوجد في كثير من الدول الأفريقية وتنشط ليلاً وتختبئ بالأماكن التي تكثر بها الحجارة والنباتات وتتغذى على الأسماك والكائنات الصغيرة ولها جلد سميك وتطلق شحنة كهربائية عند إحساسها بالخطر أو عندما يتم الإمساك بها.
توعية
الصحافي فرح أمبدة، والذي فقد أحد أقاربه- كما ذكرت – طَالَبَ بأن يقوم الدفاع المدني بحملة توعية مكثفة بمخاطر البردة في الأوقات التي تنتشر فيها بوضع محاذير ولافتات توضح أماكنها، وبعد وفاة زوجتي بترعة خشم القربة الضحلة تساءلت وقتها لماذا تسمح حكومة كسلا بأن تكون تلك المنطقة مسرحاً للرحلات وفي كل عام تفقد كسلا مجموعة من شبابها في ذات المنطقة؟
هذا التساؤل رد عليه الملازم أمير فاروق، بإدارة الإنقاذ النهري بالدفاع المركزي، حيث قال: ظلوا وباستمرار يحدِّدون مكان العوم الآمن، وقال: إن الغرق يكثر في فصل الصيف وفي زمن إجازات المدارس، كما يكثر في المناسبات والرحلات من الأسر التي تحاول الترفيه. وقال: نحن نحدِّد المناطق الآمنة والمناطق الخطرة للسباحة، وقال: في الخريف لا توجد منطقة آمنة، وذكر أن المناطق الآمنة هي منطقة بري والشجرة ومنطقة بيت المال، وفي كل عام تُحدَّد بعلامات حمراء وتربط حبال بطول الأطفال، ولكن الممنوع في السودان مرغوب ودائماً يتخطوا الحواجز التي نضعها وتحدث حالات الغرق.
والمناطق الخطرة سمَّاها في منطقة الحلفايا ومنطقة المنارة واستوب السيسي والموردة وشمبات المرسى والحملة في الشجرة وسوبا شرق وسوبا غرب والجريفات وكبري المنشية شرق وغرب ومنطقة جبل أولياء السياحية والسبلوقة والشيخ الطيب والجيلي والجزيرة أسلانج، وأضاف بأنها مناطق يرتادها الناس ويحدث فيها الغرق باستمرار.