مخاوف من هروب الودائع المصرفية في السودان

شهدت الودائع المصرفية في السودان تراجعا خلال الفترة الأخيرة، وسط مخاوف في الأوساط الاقتصادية من تداعيات هذه الظاهرة.
وكشف البنك المركزي السوداني عن تراجع ودائع العملاء الجارية، والادخارية والاستثمارية في إبريل/ نيسان الماضي إلى 2.398 تريليون جنيه، مُقارنةً بمارس /آذار 2.409 تريليون جنيه (الدولار = نحو 445 جنيها) مقابل ارتفاع عرض النقود، ما تسبب في حالة قلق حول مصير تمويل الجهاز المصرفي للقطاعات الحيوية خلال الفترة المقبلة خاصة في ظل الإشكالات والتعقيدات التي يجابهها الاقتصاد السوداني.
وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي محمد الناير لـ”العربي الجديد”، إن ارتفاع عرض النقود خلال شهر واحد لأكثر من 20.8% وانخفاض الودائع بأنواعها يعتبران مؤشرين سلبيين يتطلبان من الحكومة توضيح أسبابهما.
وأكد المحلل الاقتصادي هيثم فتحي لـ”العربي الجديد”، أن انخفاض نسبة الودائع طويلة الأجل يقف عائقاً أمام بنوك القطاع الخاص عند تمويل المشروعات طويلة الأجل، مضيفا أن هناك خطورة في زيادة نسبة الودائع قصيرة ومتوسطة الأجل، لأن تأثيراتها ستكون عنيفة حال زيادة حالات التعثر.
وأوضح تأثر نمو الودائع بارتفاع سعر الدولار، ما أدى إلى الاتجاه بالفوائض المالية للاستثمار في العملة الأميركية بيعاً وشراء بالسوق السوداء، أو اكتنازها خارج نطاق الإيداع بالبنوك. ويضاف إلى هذا تخلي بعض المستثمرين عن فكرة التوسع باستثماراتهم وانكماش حجم بعض الأعمال القائمة، حسب فتحي.

ونشر بنك السودان المركزي أداء أهم المؤشرات في القطاعين النقدي والخارجي وسعر الصرف ورصيد التمويل المصرفي بالعملة المحلية حسب القطاعات في شهر إبريل المنصرم، إذ أظهرت المؤشرات أنّ عرض النقود ارتفع من 3.820 تريليونات جنيه في مارس إلى 3.983 تريليونات جنيه في إبريل الماضي بمعدل نمو بلغت نسبته 20.8%، بينما انخفض إجمالي الودائع بجميع أنواعها.
وذهب فتحي إلى عدم ضرورة تصنيف ارتفاع الودائع المصرفية بالإيجابي أو السلبي. وقال إن ذلك ينتج بسبب عمليات الإقراض التي تقوم بها البنوك لجميع العملاء، وبالتالي لمعرفة ما إذا كان نمو الودائع إيجابيا أم سلبيا، علينا معرفة أسباب الاقتراض.
وأشار إلى أن الاقتصادات الحديثة تعد عملية نمو الائتمان والتوسع في الاقتراض أمرا محمودا إذا كانت نسبة كبيرة من هذه القروض يتم توجيهها لطرق استثمارية وتنموية، وليس فقط بهدف سد الاحتياجات الاستهلاكية المعيشية.
وألزم البنك المركزي في سياساته النقدية الحالية للعام 2022 المصارف بضرورة ضبط التوسع النقدي وتحجيم دور البنك والمصارف في تمويل الحكومة، وتعزيز تمويل القطاع الخاص لخدمة القطاعات الإنتاجية.
وفي السياق، وصف الاقتصادي السوداني عزالدين إبراهيم في حديثه لـ”العربي الجديد”، التغير في الودائع والكتلة النقدية بالطفيف مقارنة بالفترة من 2020 ــ 2021، والذي قفزت فيه الكتلة النقدية لـ2 تريليون جنيه لأول مرة في تاريخ السودان ما تسبب في ارتفاع معدلات التضخم.
وأكد أن انخفاض الودائع يقود إلى تراجع الكتلة النقدية، لافتا للاتهامات المتكررة للحكومة ووزارة المالية بلجوئها لطباعة النقود. وقال إن التراجع في حجم الودائع يؤثر بشكل عام على أرباح البنوك وقدرتها على التمويل خاصة القطاعات الإنتاجية.

ونشر موقع بنك السودان المركزي بحسب وكالة الأنباء الحكومية (سونا)، في آخر نشراته الدورية التي تصدر عن إدارة الإحصاء مؤشرات تدفق التمويل المصرفي لقطاعات الزراعة والصادر والنقل والتخزين والتجارة المحلية والطاقة والتعدين والتشييد والعقارات والاستيراد وعدد من القطاعات الأخرى.
وأبدى المحلل المصرفي عثمان التوم، تعجبا واضحا لارتفاع عرض النقود إلى هذا النحو. وقال في حديث لـ”العربي الجديد” إن البنك المركزي عمد إلى زيادة نسبة الاحتياطي النقدي القانوني للمصارف بالاحتفاظ بأرصدة نقدية لدى البنك بنسبة 20% بالعملتين المحلية والأجنبية بهدف تقليل عرض النقود وللحد من إفراطها في التمويل. وأشار إلى إمكانية قيام الحكومة بطباعة نقود إضافية ما تسبب في ارتفاع عرض النقود.
وألمح التوم إلى أن تراجع الودائع المصرفية جاء نتيجة لجوء العملاء لسحبها واستثمارها في مجالات أخرى، كشراء العملات الأجنبية والذهب والعقارات والسيارات لتكون مخزنا للقيمة.
واستبعد تعرض البنوك للإفلاس نتيجة تراجع الودائع وارتفاع عرض النقود. وقال إن البنوك لن تفلس ولكنها ستصبح أقل قدرة على تمويل السلع الاستراتيجية التي تحتاجها البلاد، ومنح التمويلات المصرفية المطلوبة في مجالات أخرى.

Comments (0)
Add Comment