عادت أجواء التوتر في شأن سد النهضة الإثيوبي إلى الواجهة مجدداً، بين إثيوبيا من جهة، ودولتي المصب (السودان، ومصر) من جهة أخرى، بإقرار مدير سد النهضة كيفلي هورو احتمال تأثير الخرطوم والقاهرة بعمليات الملء الثالث للسد الذي سيكون في شهري أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) المقبلين، فضلاً عن تأكيده أن هذا التأثير على الجانبين السوداني والمصري لا يعني إثيوبيا بشيء، كما استبعد إيقاف عملية الملء لجهة أنه عملية تلقائية. هذا التصريح أثار حفيظة السودانيين، باعتبار أن السودان الأكثر تأثراً من سد النهضة في حال حدوث أي مخاطر، بحكم الحدود المشتركة، فكيف تواجه الخرطوم هذه التداعيات المحتملة من عملية الملء الثالث للسد، في ظل توقعات بحدوث فيضان على النيل الأزرق الذي يقام عليه سد النهضة، بسبب معدلات الأمطار العالية المتوقعة هذا العام؟ خرق للاتفاقيات رسمياً، اعتبرت الخارجية السودانية، تصريحات هورو بأنها تزيد من حدة توتر العلاقات بين البلدين وتمثل خرقاً للاتفاقات السابقة، مطالبة في بيان، المسؤولين الإثيوبيين بالكف عن مثل هذه التصريحات غير المنضبطة والالتزام بمبادئ الدبلوماسية عبر الحوار والتفاوض كخيار لحل الخلاف بين الدول الثلاث في شأن سد النهضة. أضاف البيان، “لعل من المدهش عدم اكتراث المسؤول الإثيوبي للأضرار المحتملة على الجانب السوداني على الرغم من اعترافه باحتمال تأثر كل من السودان ومصر بعملية الملء الثالث ما يشير إلى أن إثيوبيا تريد المضي قدماً في مواقفها الأحادية السابقة”. وفي وقت أكدت فيه الخارجية السودانية على ضرورة الالتزام بالمواثيق والعهود وعملية التفاوض الجارية التي تحفظ حق الأطراف الثلاثة بغية الوصول لتسوية شاملة لأزمة سد النهضة تحقق المصالح المشتركة حتى لا تتحول نعمة السد إلى نقمة، جددت تأكيد حق إثيوبيا في التنمية. تبادل المعلومات في المقابل، قال وزير الري والموارد المائية الأسبق في السودان، عثمان التوم، “في تقديري أن المشكلة التي يمكن أن يعانيها السودان أو بالأحرى تشكل له تهديداً مباشراً تتمثل في عدم توفر المعلومات وتبادلها من الجانب الإثيوبي عند تشغيل وملء السد، فمرات عدة، تكون هناك أخطاء غير مقصودة أو عدم معرفة وإلمام في ما يتعلق بهذا الشأن من الإثيوبيين، وما صرح به مدير سد النهضة الإثيوبي للإعلام أخيراً باحتمال تأثر دولتي المصب بعمليات الملء الثالث للسد يؤكد أن ليست لديه المعرفة الكاملة والفرق بين عمليات بناء وتشغيل السد”. وتابع التوم، “المعلومات بالنسبة لنا مهمة جداً لأن سعة السدود لدينا صغيرة بخاصة سد الروصيرص (يبعد 20 كيلو متراً عن سد النهضة) الذي يعتمد على الوارد من سد النهضة، لذلك، هناك حاجة ضرورية لمعرفة كل ما يختص بعمليات الملء والتشغيل مسبقاً حتى يقوم الجانب السوداني بوضع خططه على المدى القصير والمتوسط والطويل”. وأشار إلى أنه بالتأكيد في حال كان الفيضان عالياً، وتم التخزين بالنسبة لسد النهضة مبكراً، فستكون هناك مشكلة تواجه الجانب السوداني، لكن إذا تم التخزين في أغسطس وسبتمبر، سيكون الوضع طبيعياً، ولن تكون هناك مشكلة، وفي كل الحالات، لا بد من الوضوح والشفافية من قبل الإثيوبيين ومعرفة السودانيين المتخصصين بشؤون السدود برنامج إدارة سد النهضة في كل ما يخص عمليات التخزين من حيث بدايتها وانتهائها. وبين وزير الري والموارد المائية الأسبق أن المسؤولين في الجانب السوداني اكتسبوا خبرة كبيرة وتراكمية تجعلهم يتعاملون بكل اقتدار مع أي طارئ قد يحدث، من خلال استخدام أساليب علمية لتفادي أي مشكلة، مؤكداً أن إدارات السدود السودانية ظلت في حال انعقاد دائم لمناقشة مستجدات الوضع. استعدادات مبكرة في السياق، قال مدير الإدارة العامة لمياه النيل، في وزارة الري والموارد المائية في السودان، عبد الرحمن صغيرون الزين، “عندما يكون معدل الفيضان الناتج عن الأمطار الغزيرة عالياً، فإنه في صالح السودان، لأن سد النهضة كبير والملء يحتاج لأن يكون معدل الأمطار كبيراً، وحسب توقعات منظمة إيقاد، سيكون معدل أمطار هذا العام أعلى من المتوسط، وطالما ملء السد الثالث يبدأ في أغسطس، فهو موعد مناسب، بخاصة أن الطمي على النيل الأزرق يكون قد تم حجزه خلال يوليو (تموز)”. مصير خزان الروصيرص العتيق تحت رحمة سد النهضة ونوه الزين إلى أنه يبقى تبادل المعلومات التي تتعلق بمسألة ملء السد بين الجانبين السوداني والإثيوبي هو الأمر الملح والمهم، فحتى الآن، لا توجد أي اتصالات رسمية بين الخرطوم وأديس أبابا تتصل بهذا الشأن، لافتاً إلى أن إدارة الخزانات في وزارة الري السودانية اجرت استعداداتها التامة ولديها خطة عمل لتلافي المخاطر التي قد تحدث. تداعيات كارثية من جهته، أشار العضو السابق في مفاوضات سد النهضة عن الجانب السوداني أحمد المفتي إلى أنه، للمرة الأولى، تعترف إثيوبيا بوجود آثار جانبية سلبية على السودان ومصر من ملء سد النهضة، في الإشارة إلى تصريح مدير السد، بينما لا تلتزم، أي أديس أبابا، بمعالجة التعويض عن تلك الآثار ومنحهما الحق في القلق، مبيناً أنه سبق لإثيوبيا إعلان التزامها المتكرر بعدم تسبُّب السد أي ضرر على الدولتين، إذ تضمن النص ذلك صراحة في إعلان المبادئ الموقع في 2015. وأوضح المفتي أنه في حال لم تطالب القاهرة والخرطوم بموجب إعلان المبادئ والقانون الدولي بمعالجة الآثار الجانبية السالبة والتعويض عنها، فإن ذلك سيُنهي حق الدولتين في المطالبة لاحقاً بتلك التعويضات، والتي من المتوقع أن تزداد بازدياد التخزين، وتوقع أن تكون هناك تداعيات كارثية بكل المقاييس عقب انتهاء الملء الثالث لسد النهضة، إذ ستمتلك أديس أبابا حينها بشكل فعلي ورسمي قنبلة مائية خطيرة للغاية يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة جداً على دولتي المصب، موضحاً أنه باكتمال الملء الثالث، يكون مخزون المياه قد وصل إلى 18 مليار متر مكعب، وهي القنبلة المائية التي ستجعل السودان ومصر ينصاعان للإرادة الإثيوبية في كل شيء، بخاصة أن سعة سد الروصيرص السوداني ستصبح 7.5 مليون متر مكعب فقط في مواجهة سد النهضة لو كان فارغاً. وأفاد العضو السابق في مفاوضات سد النهضة عن الجانب السوداني بأن الملء الثالث للسد يختلف تماماً عما سبقه من إجراءات، فهو أكثر خطورة، لأنه يمكن الجانب الإثيوبي من امتلاك تلك القنبلة المائية، وباكتماله، تنتفي الحاجة للمفاوضات، وعلى الخرطوم والقاهرة آنذاك التفرغ لمجابهة المخاطر التي سيتسبب فيها السد، بينما السودان ومصر لا تحركان ساكناً مثلما فعلتا عند الملء الأول والملء الثاني.