مجزرة فض الاعتصام.. (3) أعوام والجرح لم يندمل

 

هيئة محامي دارفور: يجب أن تقدم لجنة التحقيق استقالتها

لجان المقاومة: اتجاه لقيام “اعتصام” اليوم الواحد إحياءً لذكرى المجزرة

البعث: فض الاعتصام جريمة نكراء بددت الأمل والتفاؤل الذي وسم بداية الانتقال

الخرطوم: مهند بكري

3 أعوام مرت على مجزرة فض الاعتصام، التي يذرف السودانيون الدموع في إحيائها مرتين خلال العام الواحد دون أن تتمكن لجنة التحقيق من الوصول إلى نتائج لتصبح ذكراها علامة فارقة في تاريخ البلاد القديم والحديث، وبعد مرور نحو 36 شهراً من ارتكاب المجزرة لا يزال الغضب الشعبي حيال ملف العدالة من أبرز محركات المواكب التي تنتظم العاصمة ومدن أخرى خلال الفترة الماضية.

وكشفت لجان المقاومة عن اتجاهها لإحياء ذكرى مجزرة فض الاعتصام التي ارتكبت في يوم الاثنين الموافق الثالث من يونيو 2019م عن طريق “اعتصام اليوم الواحد” دون أن تشير إلى تفاصيل أكثر.

تحضير لجان المقاومة لإحياء الذكرى

يقول المتحدث باسم لجان المقاومة السودانية، طه عواض لـ(اليوم التالي): تأتي تحضيرات لجان المقاومة على مستوى السودان عامة وعلى مستوانا التنظيمي في لجان المقاومة السودانية لهذه الذكرى المؤلمة في شكل عمل ميداني وإعلامي ضخم يوازي العمل السياسي الذي تقوم به لجان المقاومة من خلال إنتاج الرؤى والأفكار الثورية التي خرجت في شكل المواثيق الثورية وهو يصب في إدانة تلك الأحداث التي طالت المدنيين العزل من انتهاكات تمثلت في القتل والتنكيل والاغتصابات الجماعية وإهانة كرامة الإنسان السوداني في محيط القيادة العامة وإدانه المتهمين بتلك الفظائع من الذين أعطوا الأوامر، إما بالفعل أو بالمراقبة المخزية للقتلة وهم يقومون بارتكاب تلك الفظائع دون أن يحركهم واجبهم الوطني الذي أقسموا عليه أمام الله بأن يقوموا بحماية المواطنين.

وتابع: “كما أشرت أن الهدف هو تحقيق العدالة الناجزة، وهذا الأمر بشكل عمل لجنة الأستاذ أديب يبدو أكثر صعوبة في هذا الملف تحديداً حيث أن اللجنة ومنذ أن باشرت أعمالها لم تطلع بتقرير واضح عن سير أعمالها وتحقيقاتها ناهيك عن الوصول إلى الهدف الأساسي وهو تحديد المجرمين الذين ارتكبوا تلك المجزرة وهذا لا يعني أننا نبحث عن حل لجنة التحقيق تلك لإيمانا التام بأن عمليات التحري وإثبات البينة القانونية وتحديد المتهمين الرئيسيين قد تمر بتعقيدات قانونية قد تستغرق وقتاً، ولكن ليس بذلك الطول الذي امتد لثلاث سنوات كاملة من رحلة البحث عن الحقيقة المعروفة للجميع ونحن من خلال تجديد العهد للشهداء الذين سقطوا جميعاً في تلك المجزرة سنمارس كل الضغوط السلمية من أجل إكمال عمل اللجنة للخروج باتهام واضح أو سنضطر لكي لا يضيع الدم السوداني لللجوء للقضاء الدولي من أجل التحقيق في تلك الأحداث، كما حدث في أحداث جبال النوبة ودارفور من قبل المحكمة الدولية.

ويقول عواض إن الذكرى تمر علينا والسودان يمر بمنعطف سياسي مهم في تاريخ ثورة ديسمبر المجيدة والذي بدأ من تاريخ انقلاب 25 أكتوبر الذي أتى من صلب الشمولية التي دامت لأكثر من 50 عاماً، هذه الذكرى المؤلمة هي امتداد لذكرى مجازر تمت بشكل أو آخر بسبب الصراع على السلطة والثروة في تاريخ السودان كان خلال الحكم الوطني الذي راح ضحيته مواطنون سودانيون كان كل ذنبهم أنهم آمنوا بهذا البلد، وللأسف الشديد لم يتم الجزاء العادل لقتلتهم في ظل وجود السلطة القضائية على امتداد تاريخها الطويل المصاحب للحكم الوطني عجزت في الإجابة عن أسئلة أسر الضحايا المغدورين من أحداث الجزيرة أبا ومجزرة بيت الضيافة وعنبر جودة حتى مقتل الشرفاء في القوات المسلحة في رمضان وأحداث معسكر العيلفون وأحداث كجبار وبورتسودان، وتابع: والمجازر التي ارتكبت بحق أهالينا في دارفور وجبال النوبة وشهداء حراك هبة سبتمبر وثورة ديسمبر المجيدة التي مثلت فيها مجزرة القيادة العامة حدثاً دامياً يضاف لسلسة البحث عن إهدار الدم السوداني الذي لا نريد تجزئته وهو لا يزال مستمراً خصوصاً بعد أحداث ما بعد انقلاب 25 أكتوبر.

أسباب تعطل التحقيقات

وفي هذا السياق يقول رئيس اللجنة، نبيل أديب لـ(اليوم التالي) إن غياب الحكومة أثر خاصة على عمل لجنة الخبراء الأجانب لفحص الأدلة المادية، وسير التحقيقات وهي المرحلة قبل الأخيرة من نهاية التحقيقات، التي أكد أن نتائجها لن تسلم إلا عند وجود رئيس وزراء للبلاد.

واتهم أديب جهات ـ لم يسمها ـ بمحاولة دفع اللجنة إلى التعجل بالتوصل إلى نتائج التحقيق، وتابع: “هذا ماذا يعني؟” واستطرد بالقول: التعجل يعني وضع الزمن فوق ما يتطلبه التحقيق من جمع للبينات، وأن النتيجة ستكون كما رأينا في عدد من المحاكمات هو تقديم دعاوى ضعيفة إلى المحكمة وهذا يعني أن المحكمة ستقوم بشطب هذه الدعوى، وأن ذلك من مصلحة الجاني في الإفلات من العقاب.

وأضاف أديب: “ما نؤكده هو أننا لن نسمح بأن نكون نحن كلجنة سبباً للإفلات من العقاب ونعمل على تقديم قضية متماسكة تحمل من البينات ما يدعو إلى إدانة المتهمين”، ومضى أديب: (أنا أعتقد أن ما يجري من محاولة للتعجيل برفع التقرير هي محاولة ليست حسنة النية، وإنما هي محاولة مدبرة لمنع اللجنة من تقديم دعوى جنائية متماسكة تسمح بإدانة المسؤولين عن الجرائم التي صاحبت فض الاعتصام).

لجان صورية

وطالب رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود لجان التحقيق في الانتهاكات بتقديم استقالاتها خاصة “لجنة التحقيق المستقلة في مجزرة القيادة العامة”.

وقال محمود لـ(اليوم التالي): الآن بعد المجازر العديدة في كل مدن السودان، على سبيل المثال مجزرة القيادة العامة، تتواصل أعمال العنف والقتل خارج القضاء بصورة واسعة النطاق وممنهجة، فقط بعد انقلاب 25 أكتوبر، الآن عدد القتلى يزيد عن 90 شخصاً من الشباب، وتابع: “حق التظاهر مكفول بالقوانين الدولية والعهود والآليات والمواثيق الدولية، وإذا استدعى الحال لفض التظاهرات، يتم عادة في الدول المتحضرة تحت إشراف القضاة والنيابات ولا يستخدم فيها الرصاص الحي أو المطاطي أو حتى البمبان، الا إذا استدعت الضرورة القانونية ويحددها القاضي المختص أو وكيل النيابة المختص لأنه يعرف الحالات”.

واستطرد بالقول: حتى اللجان (الصورية) التي تكونت، للتحقيق في الانتهاكات، يجب أن تنتبه أن التاريخ سيحاسبها، وإذا لم يستطيعوا تقديم شئء، يجب أن يتقدموا باستقالاتهم، خاصة نبيل أديب، يجب أن يستقيل ويفسح الطريق للجنة دولية مختصة تقوم بهذه المهمة بعد أن ثبت عجزه وأنه غير جاد في متابعة الملف وهذا إهدار للعدالة، مشيراً إلى أن هذه الجرائم تندرج تحت الجرائم الثلاث الشنيعة في العالم وهي جرائم الإبادة الجماعية والحرب والجرائم ضد الإنسانية ما جرى في الخرطوم هو جرائم ضد الإنسانية ولا تسقط بالتقادم ولا يجوز فيها العفو.

تخليد ذكرى انتفاضة مارس ـ أبريل

فيما يقول المتحدث باسم حزب البعث عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير، عادل خلف الله لـ(اليوم التالي) إن اعتصام 6 أبريل 2019 أمام القيادة العامة للقوات المسلحة كان استلهاماً جماهيرياً مبدعاً في تخليد ذكرى انتفاضة مارس ـ أبريل 1985 التي يعد شعب السودان رائداً لها على نطاق الحراك الجماهيري التحرري منذ ستينيات القرن الماضي، وبواسطته وسعت قوى الحراك السلمي انتفاضتها وأوصلتها لمرحلة الإسقاط السياسي لدكتاتورية الإنقاذ، لتفتح صفحة جديدة من نضالها الوطني ببلورة نظام ديمقراطي تعددي معبر عن خصائص الوطنية السودانية، نمت وترعرعت مصالح وامتيازات في كنف النظام الإنقاذي لقوى اجتماعية واقتصادية محلية وخارجية، ليس لديها الاستعداد للتخلي عنها ولا قبل لها بتحمل أنموذج وطني للديمقراطية والتعددية.

وتابع: استمرار الاعتصام لأكثر من ثلاثة أشهر وعم أنموذجه القرى والحضر في السودان، بل وتكرس أنموذج يحتذى على نطاق العالم ونضالات شعوبه، وكما في قوانين الفيزياء، لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه.

وأضاف: أعدت قوى الرد، حماية لامتيازاتها وكخطوة للاستفراد بالسلطة جريمة فض الاعتصام، بددت الجريمة النكراء الآمال والتفاؤل الذي وسم بداية الانتقال بتركيبته المعقدة التي عرفت بالشراكة والتي تجلى فيها التفاؤل والآمال في مقدار المرونة التي استساغتها على مضض قوى الحراك السلمي.

شكلت جريمة فض الاعتصام منعطفاً حاداً في مسيرة الانتفاضة وتحولت الآمال والتفاؤل إلى توجس وخشية وهو ما تبدى جلياً من سلوك المكون العسكري لاحقاً بوضع العصا الواحدة تلو الأخرى في دوران دولاب الانتقال، وتمدد خارج اختصاصاته جراء تراخي رئيس الوزراء وربما تناغمه معهم في بعض القضايا لا سيما الموقف من قوى الحرية والتغيير وتكشف ذلك في التحضير الانقلابي الذي نفذ في 25 أكتوبر _ 21 نوفمبر بعد أن باءت كل محاولات الترويض والإعاقة بالفشل والتي كشفها الموقف من توحيد قوى الحرية والتغيير في مهرجانها في 8/9/2021م.

وأشار خلف الله إلى أن الدعوة لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة كانت كقارب النجاة من التأثيرات المدمرة للانتقال والشراكة، والتي أدخلتها الجريمة في بحر لجي.

ووفق التسليم بالممكن وإرادة الطموح تم تجاوز ذلك عبر نصوص الوثيقة الدستورية التي لم تسعف المسؤولين عنها من غضبة وحسرة وأسى قوى الحراك التي أصدرت حكمها عملياً عليهم ولم تكن في انتظار نتيجة ما يسفر عنه تقرير لجنة التحقيق التي آثرت السلامة وراهنت على شراء الوقت.

واستطرد بالقول: بانقلاب قوى الردة والفلول الذي أضاف المسؤولين عن جريمة فض الاعتصام جرائم مضافة في حق الشعب وحقوق الإنسان وموارده وثرواته.

يبقى القصاص العادل والمساءلة الجنائية عن كل ما جرى منذ رمضان الدامي وحتى أكتوبر الارتدادي رهين بساعة إعلان الإضراب السياسي والعصيان المدني عبر قوى أوسع جبهة من القوى السياسية والاجتماعية للديمقراطية والتغيير، لتمكن قواها من تشكيل سلطة مدنية ديمقراطية تفرض سلطانها على كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وفق أساس دستوري جديد وتنجز مهاماً متوافق عليها من ضمنها المساءلة والمحاسبة الجنائية والانتقالية وفق لا جريمة تسقط بالتقادم ولا إفلات من العقاب.

علامة فارقة في تاريخ البلاد

في السياق يقول مسؤول الاتصال بلجان مقاومة بحري، مصطفى عبدالله لـ(اليوم التالي) إن ذكرى فض الاعتصام “ذكرى أليمة وهي الوحيدة التي تفجع الشعب مرتين في العام” وباتت علامة فارقة في تاريخ البلاد الحديث والقديم على حدٍ سواء، حيث تم الفض بالقوة واستخدمت خلاله القوات التي نفذت (أسلحة ثقيلة وخفيفة) وقت كان المعتصمون السلميون يتأهبون للاحتفال بالعيد أمام قيادة توقعوا أن تنحاز إلى مطالبهم، لكن قامت بقتل نحو 200 من المعتصمين وخلفت مئات الجرحى والمفقودين ونحو 40 شهيداً طفت جثامينهم في النيل ما يدلل على محاولة مرتكبي المجزرة طمس الأدلة والتستر من الفظائع التي قاموا بها “وفق تقارير غير رسمية”.

وأضاف: كنا نأمل أن تقوم اللجنة المستقلة بالتحقيق وصولاً إلى مرتكبي المجزرة وتقديمهم إلى العدالة، حيث ارتكبت المجزرة بصورة ممنهجة ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية.

أما بخصوص التحضير للذكرى فيقول مصطفى إن هنالك مشاورات لإقامة اعتصام “اليوم الواحد” في إحياء ذكرى المجزرة، مشيراً إلى أن لجان المقاومة تسير بخطوات جديدة في طريق إسقاط الانقلاب.

لكن بعد مرور 3 أعوام على فض الاعتصام لا تزال عشرات الأسر تنتظر ظهور أبنائها ممن شاركوا في الاعتصام واختفوا بعد يوم من المجزرة، ولا تزال أسر الشهداء الذين عثر على جثث أبنائهم ينتظرون القصاص العادل لهم.

 

Comments (0)
Add Comment