*******
حلم الانتخابات هل يتحقق؟
إعطني حريتي أعطك دولة قوية
الشعب هو الذي ينتخب وصندوق الانتخابات هو الذي يختار
لا أريد أن أتحدث عن الانتخابات وأهميتها في تحرير إرادة الأمة لتختار من يحكمها اختيارا غير قسري ولا تحت الضغط الخارجي والترغيب والترهيب وذلكم هو المثال الذي نسعى إلى تطبيقه . إن الأمم القوية هي التي تتمتع بمستوى عالٍ من الوعي وثقافة الديمقراطية وأهمية إدراك أن العملية الانتخابية فيها تعزيز للسيادة الوطنية دون تدخل أي جهات خارجية تريد أن تتلاعب بنتائج الانتخابات في اتجاه مصلحتها أو إجهاض العملية بأكملها إذا بدا لها أن مؤشراتها المستقبلية ليست في صالح قوى الاستعمار الجديد أو عملائه بالداخل ( اختطاف النظام الديمقراطي)
سأتحدث هنا عن التحديات والمهددات الداخلية والخارجية التي ستواجه العملية الانتخابية في السودان والمخاطر التي التي تُحْدِقُ بها ، تقوم أم لا تقوم ؟
سنتحدث بكل صراحة وشفافية عن الآتي:-
أ/المهددات الداخلية
أولاً / عملت حكومة حمدوك التي سيطرت عليها أحزاب صغيرة منبوذة ومهزومة تاريخيا في كل الانتخابات ، على عدم الالتزام بمهام الحكومة الانتقالية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية وعلى رأسها وضع قانون الانتخابات الذي يجيزه المجلس التشريعي الانتقالي ، الذي لم يقم أصلاً، وعدم تكوين مفوضية الانتخابات وإجراء إحصاء سكاني وإنشاء مجلس تسجيل الأحزاب وقانونه وتخطيط الدوائر الانتخابية
كل هذه الإجراءات تركتها قحت عمداً هروبا من شبح الانتخابات التي تهدد وجودها وتحدد مصيرها وهم يعلمون ذلك ، وقد قال قائل منهم إنهم يسعون إلى تمديد الفترة الانتقالية لعشر سنوات ليتمكنوا من مفاصل الدولة وقال “الانتخابات ما بتجيبنا” وكانت تلك أول خيانة للعهد في أول الطريق
ثانيا/ ما قامت به قحت خلال الثلاث سنوات التي أضاعتها من عمر الفترة الانتقالية من تدمير للاقتصاد وإفقار للدولة والارتماء في براثن البنك الدولي ورهن القرار السياسي للقوى الاستعمارية وفشلها في وضع موازنة قومية تتضمن ميزانية لإجراء الانتخابات وتبعاتها الفنية والإدارية ، بدد الآمال في قيام الانتخابات وتسليم السلطة للشعب خلال الثلاث سنوات التي ضاعت هباءً منثوراً وقد بقي القليل من الوقت واظنه لا يكفي . ذلك لأن أحزاب قحت الشمولية ولا تؤمن بالديمقراطية وليس لديها سجل في ممارستها في البلدان التي صدرت عنها أفكارهم وعقائدهم السياسية ، ولذلك تهرب دائماّ من مواجهة الأحزاب الوطنية في صناديق الاقتراع لمعرفتها بالنتائج مسبقاً. ثالثاً / الأحزاب اليسارية الصغيرة الحاكمة ليس لديها خبرة في بناء النظم الديمقراطية لأنها أحزاب شمولية راديكالية إنقلابية
رابعاً / اتفاقية سلام جوبا المفخخة
اتفاقية سلام جوبا ذات المسارات الوهمية الخمس أحدثت شروخا في النسيج الوطني وجعلت المسارات التي افترضتها تفكر في تقرير المصير أو الحكم الذاتي أو الإنفصال وهذه الروح التي سرت في البلاد تعتبر جزءاً من المخطط الغربي لضرب النسيج الوطني لتقسيم السودان ، فكيف نقبل على انتخابات قومية بوجدان مشروخ . ( أنظر مشروع بيرنارد لويس الذي أجازه الكونغرس الأمريكي ١٩٨٣ واعتبره استراتيجية أمريكية في أفريقيا والسودان على وجه الخصوص)
أنظر القانون الأمريكي لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان بتعزيز السيطرة المدنية على القوات المسلحة وكل المنظومة الأمنية وتصفية مؤسساتها الاقتصادية الصادر يوم الخميس ١١ ديسمبر ٢٠٢٠م)
خامساً/ الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام للسلام المفخخة
وغير الموقعة لا ترغب في قيام الانتخابات والانخراط في العملية السلمية والحياة المدنية والنظام الديمقراطي وإلقاء السلاح نظراً للمكاسب التي حققتها في ظل شراكتها في السلطة قبل إجراء الترتيبات الأمنية ونظرا لارتباطها بمحاور خارجية وانشغال بعضها بأعمال التعدين وتهريب الذهب واليورانيوم في الأماكن التي تسيطر عليها ( عبد الواحد محمد نور + عبد العزيز الحلو ) كما أن هذه القوات استطاعت تسريب عناصرها داخل الخرطوم مستقلة حالة السيولة الأمنية التي تعاني منها البلاد . فكيف يتسنَّى لنا إقامة انتخابات في وجود عناصر مسلحة داخل الخرطوم والمدن الأخرى قبل أن تقوم القوات المسلحة الحاكمة الآن بإجراء الترتيبات الأمنية وإكمال عملية السلام لتشمل كل الأطراف المدنية والعسكرية وتهيئة المناخ السياسي والأمني لقيام الانتخابات .
سادساً / إنفراط الأمن في العاصمة وفي الولايات خاصة الاحتكاكات في دارفور بين الحركان المسلحة والقبائل الدارفورية وامتداداتها في دول الجوار واستمرار عمليات النهب المسلح والاغتصاب وحرق القرى وكذلك في جنوب كردفان وعدم استقرار الأحوال في الشرق والوسط والشمال .وهنا نحتاج إلى مشروع وطني لتحقيق السلام الاجتماعي ورتق النسيج الوطني قبل الانتخابات
سابعاً / لا بد من وجود مشروع وطني لدمج الحركات المسلحة في الحياة المدنية ومساعدتها على بناء أحزاب وطنية كشرط لممارسة الديمقراطية والحقوق الدستورية بالتساوي مع الأحزاب المدنية التي لا تحمل سلاحاً ولا تمارس العسف والقوة في ممارسة السياسة فالمواطنون في نظر الدستور سواء في الحقوق والواجبات .
ثامناً / كثرة الأحزاب ونشوء كيانات سياسية عشوائية جديدة غير مسجلة أكثر من مئة حزب وواجهات متعددة لأحزاب الصغيرة صارت تمارس نشاطها قبل تسجيلها . إضافة إلى تشظي الأحزاب التقليدية القديمة إلى عدة أجنحة وظهور أحزاب تحمل لافتات عنصرية ، أو تعدد الأحزاب للقبيلة الواحدة ولا تقدم مشروعاً وطنياً قومياً وأحزاب عميلة للدوائر استعمارية ومحاور إقليمية طامعة في ثروات السودان وموقعه الاستراتيجي .
تاسعاً / تطاول غياب الحكومة المركزية والحكومات الولائية وعدم وجود رئيس وزراء للإشراف على تسيير وإدارة العملية الانتخابية . مما أحدث ربكة وتناقضاً في أداء الجهاز التنفيذي ، لأن الجيش وحده دون مؤسسات وطنية مستقلة ( قضاء مستقل ومجلس تشريعي انتقالي وحكومة تكنوقراط انتقالية ومفوضيات مستقلة تساعد في إنجاز مهام المرحلة الانتقالية دون الحاجة لتدخل أجنبي ) لا يستطيع الجيش وحده وهو مؤسسة قومية ذات مهام محددة ، تحقيق التوازن بين القوى السياسية المتنازعة على السلطة في الفترة الانتقالية وقبل إجراء الانتخابات في غياب الحكومة .
إذا لم تحسم كل هذه القضايا داخليا كأولوية قصوى فإن العملية الانتخابية سيكون مصيرها الفشل وسيكون التدخل الأممي حتمياً نظرا لوجود البعثة الأممية استنادا على القرار ٢٥٢٤ والقانون الأمريكي لدعم التحول الديمقراطي في السودان
ب/ المهددات الخارجية لقيام الانتخابات
أولاً /بعد فشل حكومتي قحت الأولى والثانية في إدارة البلاد واستقالة رئيس الوزراء وهروبه بليل بلا حساب ولا عقاب على فساد حكومته وتبديدها للمال العام وتلقيها أموالاً من جهات أجنبية وإدخال البلاد في أزمات اقتصادية ، مما جعل المواطنين يدركون الخدعة الكبرى التي انطلت عليهم بعد الإطاحة بنظام الإنقاذ ، مما جعل اسهمهم الشعبية ترتفع وصار بعضهم ينادي بعودتهم للحكم إلا العقائديين من أهل اليسار ، وهذا أدعى لتدخل القوى الغربية لتغيير المشهد السياسي في السودان لصالح أجندتهم قبل أن تقع الفأس في الرأس وتقوم الانتخابات ويفوز فيها التيار الإسلامي الوطني العريض وفقاً لعملية انتخابية صحيحة ومراقبة دوليا كما حدث في مصر والجزائر وتونس وفلسطين واليمن ، فيضطروا لإزالته بإنقلاب يدينونه ظاهريا ويدعمونه باطنياً
ب/ المهددات الخارجية
أولاً / ستسعى القوى العالمية وخاصة دول الترويكا وأمريكا ، إن لم تلهها الأحداث في اوكرانيا ، إلى إجهاض العملية الديمقراطية قبل قيامها بإثارة الفوضى وتعكير الأجواء السياسية وهذا ما يقوم به المبعوث الأممي فولكر في الخفاء والعلن ، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت نائبة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ايزوبيل كولمان، في جلسة الكونغرس الأمريكي أنها دعمت منظمات المجتمع المدني في السودان بمبلغ 100 مليون دولار وكثير من الأموال تتدفق على الناشطين العملاء خليحياً وغربيا
ثانياً /وجود البعثة الأممية غير الراغبة في قيام الانتخابات
هنا نلاحظ نشاط المبعوث الأممي في تعطيل أو تثبيت الجهود الوطنية لتحقيق الوفاق الوطني بحوار سوداني – سوداني
ولذلك سارع بتقديم مبادرة ثلاثية بين الإيقاد والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بالعودة إلى حوار انتقائي استثنى منه الأحزاب الوطنية والتيارات الإسلامية المناسبة لمشروعه العلماني مما سيعمل على تعقيد الأزمة وصب الزيت في النار . رغم أن هذه المبادرة فشلت إلا أنها كشفت أن البعثة لا تسعى لحل الأزمة السودانية إلا بالطريقة التي تحقق أهدافها الاستعمارية مقابل حل الأزمة السودانية .
ثالثاً / فولكر شكل حاضنة سياسية ومصدر تمويل لمنظمات قحت مثل لجان المقاومة والمرأة وبعض المنظمات العلمانية التي كانت تغذيها لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو لإبقائها حية تسير المليونيات الوهمية لتعكس صورة للعالم بعدم استقرار الأوضاع في السودان مما يستدعي تأجيل الانتخابات في السودان بقرار أممي بهدف عمل تسوية مع العسكر بعودة التيار العلماني بوثيقته الدستورية وتمكينه بالنسب التي حددها في مبادرته ، وهذا ما تقوم به دول المحور الإقليمي أيضاً . ولذا يتعرض السودان لضائقة اقتصادية لم يسبق لها مثيل ، ولتكون المساومة على حلها بالدعم الخليجي المباشر مقابل التنازل عن قرارات ٢٥ أكتوبر والرجوع للوثيقة الدستورية وعودة الأمور إلى مجاريها وسحق التيار الوطني الاسلامي المؤيد لتلك القرارات .
وقد أعلن فولكر صراحة أنه لن يتحاور مع المؤتمر الوطني أي بالعربي الفصيح (التيار الوطني الإسلامي العريض)
هذا الذي يحدث لبلادنا ينذر بخطر خارجي ماحق على الانتخابات في السودان وعلى وجود السودان نفسه كدولة متماسكة ذات سيادة وذات إرادة حرة .
ج /ما هي الحلول؟
١/ تعيين حكومة انتقالية اتحادية قوية مستقلة تقودها شخصية وطنية مستقلة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة رئيسا للوزراء ليكوِّن حكومة تسيير مهام قومية يكون من أولوياتها
أ/ إقامة الانتخابات في مواعيدها وإكمال مؤسساتها وقوانينها. ب / معالجة الضائقة الاقتصادية ووضع يدها على موارد البلاد ومحاربة التهريب وتقنين التعدين الأهلي وتوحيد قناة التصدير عبر بنك السودان ومراقبة الحدود بين السودان ودول الجوار.
ج/ ملء الفراغ الدستوري وإكمال مؤسسات العدالة ومفوضية الانتخابات ..إلخ
د / ضبط حركة السفراء وفقاً لاتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية ١٩٦٢
ه/ تقنين الوجود الأجنبي في السودان وحصر اللاجئين والنازحين وعدم تسجيلهم كناخبين .
٢/ وضع معايير وأسس وطنية لتسجيل الأحزاب ومعرفة مصادر تمويلها والتأكد من هوية أعضائها وثقلهم الجماهيري في المركز والولايات حسب النسبة التي يحددها قانون تسجيل الأحزاب وألا يكون تسجيل العضوية بالتوقيع فقط بل بالرقم الوطني الموجود في السجل المدني لجمهورية السودان
٣/ إنشاء محفظة وطنية لتمويل العملية الانتخابية ولا يقبل أي دعم خارجي للعملية الانتخابية ولا للأحزاب
٤/ إقامة المؤتمر القومي للتعافي والتوافق الوطني Reconciliation conference وتنقية الأجواء ونبذ الكراهية والجهوية والعنصرية وإزالة آثار قحت على الساحة السياسية السودانية والتواضع على ميثاق وطني لأهل السودان كافة
٥ / تعزيز حرية التعبير وفتح الأجهزة الإعلامية القومية للرأي والرأي الآخر وإنهاء الصيغة الشمولية التي تعمل بها وألا تكون أجهزة إعلام حكومية محتكرة للجهاز التنفيذي فقط وأن تتاح الفرصة للأحزاب لتقديم برامجها ومشاريعها للشعب بدلا من الهتاف والزعيق وسب الخصوم والنقد بلا تقديم رؤى وأفكار بديلة فالوزن يومئذ بالفكر والتخطيط السليم والحلول العلمية المدروسة الناجعة لقضايا الوطن وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ، أخشى أن تعلن بعض الأحزاب إفلاسها في مواجهة الجمهور
٦ / الاستغناء من خدمات فولكر ومخاطبة الأمم المتحدة برغبة الشعب السوداني وبأغلبية ساحقة في سحب بعثتها التي فرضتها دول الترويكا على السودان باعتراف السفير البريطاني المطرود السابق وعدم علم مؤسسات الدولة بهذا القرار وأظن هذا ممكنا في
٦/ فيظل التحولات العالمية الحالية يحتاج الأمر إلى عمل دبلوماسي دؤوب مع روسيا والصين ودول المعسكر الشرقي للوقوف مع السودان ضد الأطماع الغربية ودعم استقباله كدولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة
٥ / إعادة تخطيط الدوائر الانتخابية التي فُصِّلتْ على مقاس عباءات الأحزاب الطائفية والتقليدية لاتاحة الفرصة لظهور أحزاب طليعية شبابية جديدة تحمل رؤى وأفكار تواكب روح العصر وثقافة وهوية المجتمع السوداني .
٦/ تصميم دورات تدريبية حول العملية الانتخابية ورفع الوعي الوطني بمسؤولية الناخب في إختيار المشروع أو البرنامج الذي يؤيده دون إكراه أو إغراء أو تبعية عمياء لاشخاص أو بيوتات طائفية
٧/ لا بد من تصميم برامج إعلامية وثقافية لمخاطبة جميع شرائح المجتمع السوداني وتنوعه اللغوي والثقافي والجهوي لرفع الوعي الوطني وتعزيز ثقافة الديمقراطية
٨/ عدم عزل أو إقصاء أي حزب أو تيار فكري بعينه فالصندوق هو الذي يقصي والشعب هو الذي يختار
٩ إشاعة جو التنافس الشريف في تقديم المشروعات الصالحة للوطن يجعلنا نفكر في المستقبل أكثر من الماضي الذي يجرنا إلى الأزمات والخلاف والتناحر والكراهية
تعالوا نتنافس في خدمة الوطن داخل صناديق الاقتراع لا في ساحات القتال فنهلك الحرث والنَّسل .
صديق المجتبى