تزايدت عمالة الأطفال في السودان بصورة لافتة عقب تراجع الدخول مقابل الاستهلاك نسبة للتردي الاقتصادي الحالي،و خاصة بعد انتشار جائحة كورونا قبل عامين أو يزيد، مما أرغم الأمر معظم الأسر بالسماح لفلذات أكبادها البحث عن عمل لمجاراة الظروف الصعبة التي خلفتها الجائحة، وتظل قضية عمالة الأطفال من أبرز القضايا التي يصعب على الدولة معالجتها أو الحد منها في ظل الراهن بالبلاد، وفي مثل هذا الواقع تواجه الأسر السودانية تحديات المعيشة والفقر المدقع، وكذلك تصاعد تكاليف دراسة أبنائهم مما حدا بهم إلى اللجوء للعمل لسد حاجة الأسرة.
ومن الملاحظ في الآونة الأخيرة انتشرت بكثافة ظاهرة عمالة وتشغيل الأطفال ما دون السن القانونية للعمل، وتبدو الدوافع والأسباب معلومة بحكم التردي الاقتصادي الذي يحف بأرجاء البلاد، الشيء الذي أمر بإتاحة الفرص واتجاه الأطفال للعمل بحثاً عن أسباب العيش مشاركة ومساهمة منهم لذويهم في التخفيف عن الآثار والأعباء المعيشية، لكن بعض خبراء علم الاجتماع يرون أن عمالة الأطفال وانتشارها مؤخراً ينسب إلى ازدياد حدة الفقر باعتباره سبباً رئيساً مما دفعهم للعمل، وما يراه بعض الاقتصاديين نحو عمالة الأطفال أنها مهمة وتجلب لهم مهارات ومكاسب مادية، ولكن بعض التحذيرات تطلق من قبل الاقتصاديين من انتشار عمالتهم بصورة لافتة في هذا التوقيت مما ينعكس ذلك سلباً على مستقبل هذا الجيل من الأطفال.
نسب وأرقام
وبحسب إحصاءات موثوقة أجريت مؤخراً فإن 52% من الأطفال في مرحلة الأساس خارج المدرسة، وهذا يدل على أن التسرب المدرسي يدفعهم إلى سوق العمل، وكشفت الإحصائيات أن نسبة الملتحقين بالمدارس ما بين 62% في المدن و37% في الأرياف، وحوالي 49 في المائة للذكور، مقارنة مع حوالى 46 في المائة للإناث، فضلاً عن نحو 33 في المائة لا يصلون الصف الخامس، ويشير البحث الذي أجرته منظمة “اليونيسيف” العام الماضي، إلى اختلاف المفاهيم حول عمالة الأطفال، فهناك عمالة أطفال بأجر وعمالة من دون أجر، بعضهم يعمل مع أسرهم في المزارع والمراعي والشؤون الأخرى، وهناك عمالة المنزل أقل أو أكثر من أربع ساعات في اليوم، وتقول هذه الدراسة إن تشخيص ظاهرة عمل الأطفال لا تقتصر على البعد الكمي، وإنما تتجاوزه إلى التشخيص الكيفي لشروط هذا العمل وناتجه الاجتماعي، وكالة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، قالت إن هناك حوالي ثلاثة ملايين طفل سوداني خارج المدرسة، يعملون في عدد من الوظائف مثل البناء وتنظيف المنازل وجمع القمامة.
الفقر سبباً
وتشير باحثة علم الاجتماع، كوثر حسين إلى أن الوضع الاقتصادي السيء دفع الأطفال للعمل في الأسواق في سن لا تصلح للعمل بتاتاً، وعزت ذلك لاكتسابهم أشياء وصفات لا تناسب أعمارهم، وقالت كوثر في تصريح لـ(اليوم التالي) إن الأطفال عادة ما يتأثرون بأفعال الكبار ويسارعون في تقليدهم وتلقائياً نجدهم يتداولون مصطلحات لا تليق بأعمارهم، وأوضحت أن أغلبهم أصبحوا يتعاطون الممنوعات والمكيفات المذهبة بالعقول، وأرجعت ذلك إلى الفقر باعتباره سبباً رئيسياً في انتشار عمالة الأطفال.
مزايا ومخاطر
فيما يقول المحلل الاقتصادي محمد النيل، إن ظاهرة عمالة الأطفال في السودان ليست دخيلة، وقديماً كنا نعمل منذ نعومة أظافرنا مع أجدادنا في المزارع والحقول والتجارة، وأكد أن الغاية منها تحقيق مكاسب وخبرات عملية تساعد في تخفيف الأعباء المعيشية للأسر، لكنه يلفت إلى أن الواقع الاقتصادي أصبح معقد جداً خاصة بعد جائحة كورونا مؤخراً، وزاد بالقول: تراجعت دخول الأسر مقارنة بما قبل الجائحة، ومضى قائلاً: ربما هذا ما دفع بالعديد من الأسر بأبنائهم نحو العمل لسد الفجوة، وأعاب في الوقت نفسه على بعض المظاهر والسلوك التي وصفها بغير الحميدة، مشيراً في تعليق نحو القضية عبر (اليوم التالي) إلى أن هناك تحديات تواجه الأطفال في سوق العمل، وحدد من أبرزها عدم قدرتهم على تحمل التكاليف الملقاة عليهم بجانب عدم قدرتهم على اكتساب مهارات جديدة في العمل، ونوه إلى أن البعض يعمل على استغلالهم مقابل مبلغ زهيد، داعياً الجهات المختصة لضرورة إجراء مسح ميداني لمعرفة مزايا ومخاطر عمالة الأطفال في السودان، محذراً في الوقت نفسه من انتشار عمالتهم بصورة لافتة في هذا التوقيت مما ينعكس ذلك سلباً على مستقبل هؤلاء الجيل من الأطفال.