احمد دندش يكتب : عن محمد عبد القادر احكي ليكم

 

مدخل:
(أنت محظوظ إن وجدتَ مكتب محمد عبد القادر خالياً من الضيوف)!

في خواتيم العام 2008، كنت أجلس معه داخل مكتبه الذي يحتل الجانب الشمالي من صالة تحرير الرأي العام، وكان النقاش آنذاك يدور بينه وبين بعض محرري قسم الأخبار حول كيفية اصطياد الأخبار الحصرية، فمحمد عبد القادر مدير تحرير صحيفة الرأي العام آنذاك يعتبر من (جهابزة) الأخبار في عوالم الصحافة السودانية، وأحد نجبائها الذين تشهد لهم صاحبة الجلالة بصولاتهم وجوالاتهم، فيما كان محررو قسم الأخبار بالصحيفة يتحيّنون الفرص لاقتحام مكتبه بغرض التزود من خبراته تلك، وكان هو يمنحهم ما يبتغون بكل أريحية وطيب خاطر، فنجاح قسم الأخبار كان يعني له نجاحه كمدير تحرير للرأي العام في تلك الفترة -والتي كان يقاسمه إدارة التحرير فيها الأستاذ ضياء الدين بلال-.

بعد فراغه من محرري قسم الأخبار، التفت إليّ قبل أن يباغتني بسؤال صعب جداً عن شاعر إحدى الأغنيات، وقبيل أن أعترف له بعدم إلمامي بالمعلومة، راح يتحدث عن ذلك الشاعر بالتفصيل، قبيل أن يقول لي بلهجة حملت قدراً من المرح: (بعد كدا ما أظن صعب ألقى عن المبدع دا مادة بكرة في صفحتكم؟)، وهكذا كان أبو حباب، (رقيقاً) في منح تكاليف مهام العمل، و(أبوياً) في طريقة التأنيب والزجر، وأظن أن تلك الصفات هي التي قربته وبشدة من كافة العاملين بالوسط الصحفي والإعلامي، وجعلته (أرباباً) مع سبق (الحب والاحترام).

لازلت أذكر جيداً تلك الأيام الجميلة التي قضيتها داخل (بيتي الكبير) الرأي العام، ولازلت أذكر كذلك عشرات المواقف والمشاهد التي كان أبو حباب طرفاً أصيلاً فيها؛ تلك المواقف التي توزعت فيها صفاته ما بين الكرم والشهامة والمرؤة وحتى (خفة الدم)، بينما كانت صفة (التواضع) هي القاسم المشترك الأجمل.

طوال سنوات علاقتي الودودة بأبو حباب، كنت أتساءل عن سر تلك (التركيبة الجمالية الاستثنائية) التي يتمتع بها ذلك الرجل؛ فهو صارم في العمل ومرح خارج الدوام، وهو أيضاً كاتب سياسي من الطراز الرفيع وأديب وناقد فني عندما يتطلب الأمر، وهو أيضاً_ وللغرابة_ هلالابي يحبه المريخاب، وتلك ميزة لا أعتقد أنها تتوفر إلا عند (أبو حباب).

كثيرون ظلوا وعلى مدى سنوات طويلة يتساءلون عن سر الإجماع الكبير على محبة محمد عبد القادر في دواخل الزملاء والقراء معاً، ذلك السر الذي أُلخصه في نقاط عديدة أولها نقطة (البيئة) التي جاء منها أبو حباب، تلك البيئة الممزوجة بعبق الصوفية وعنفوان السياسة، بالإضافة إلى (التربية) التي نالها على يد (الناظر عبد القادر) -رحمه الله- والذي كان لوحده مدرسة قائمة بذاتها، إلى جانب (النبوغ والشجاعة) اللتان يمتلكهما، تلك الصفات التي ساعدت أبو حباب ليصبح اليوم أحد الكتاب المؤثرين جداً في الصحافة السودانية وصاحب إحدى مدارسها المتنوعة.

ناصية:
عزيزي أبو حباب، أعذرني إن قصرت فيما كتبت، فالحروف تتقازم أمامك وتهرب المفردات (خجلاً) بسبب عدم قدرتها على التعبير ومنحك ما تستحق، متعك الله بالصحة والعافية وأدامك لنا نبراساً ومعلماً وأخاً وصديقاً.

Comments (0)
Add Comment