:: ما الذي يحدث بشرق السودان، بعلم – أو جهل – المسماة بالحكومة؟.. فيما لا تزال الباخرة بدر غارقة في ساحل سواكن بالمواشي النافقة، وهي المقدرة خسائرها (4.000.000 دولار)، اصطدمت باخرتان ببعضهما – يوم أمس – في الميناء الشمالي ببورتسودان .. (48 ساعة)، هي الفترة الزمنية الفاصلة بين الحدثين.. وقبل حدث الغرق بميناء سواكن وحدث الاصطدام بميناء بورتسودان، كان هناك حدث الحريق بميناء سواكن أيضاً..!!
:: ما الذي يحدث بشرق السودان، بعلم – أو جهل – السلطات الموصوفة بالمسؤولة.. والشاهد، قبل حوادث الموانئ المتتالية، كان هناك حادث حريق أهم الخطوط الرئيسية التي تغذي بورتسودان بالمياه (خط أربعات).. وقبل حريق هذا الخط الرئيس، كان هناك حدث إغلاق ميناء الحاويات الجنوبية (48 يوماً)، وقبل هذا الإغلاق تم تعطيل أكبر أبراج كهرباء بورتسودان بما أسموها حادث حركة (شاحنة)، وقبل هذا كانت هناك تفجيرات نادي سلبونا، ثم حصار دار النعيم، وانتشار المخدرات.. و..و.. ما خفي أعظم..!!
:: على أجهزة الدولة أن تنتبه لما يحدث بشرق السودان، إن كانت هي غافلة عما يحدث، أي ما لم تكن تعلم – وترصد – كل شيء، ثم (تعمل رايح).. فالأحداث المتتالية دائماً ما تُنبئ بمخاطر كُبرى، أي هي أجراس إنذار للكوارث الكبرى.. والمؤسف في أحداث الشرق هو عدم الوصول إلى المسؤولين عن هذه الأحداث وكشفهم ثم محاسبتهم.. ولذلك، فإن لجنة تحقيق هنا وأخرى هناك، عقب كل حادث، لتخدير الرأي العام، لن تُخفي حقيقة ما يحدث أو ما يُراد لهذا الإقليم في المستقبل غير البعيد..!!
:: والمهم، أقرّ هشام علي أحمد، وزير النقل المكلف، بوجود عقبتين في طريق تطوير الموانئ البحرية، أحدهما وجود الجسم الرقابي داخل الجسم التنفيذي، ثم ترهل العمالة (14.800 عامل)، بينما الطاقة المطلوبة (6.000 عمل)، وهذه بعض الحقائق وليست كلها.. فالترهل صحيح، وكذلك عدم استقلالية االسلطة الرقابية وهي (إدارة التفتيش البحري)، وهي من إدارات الهيئة العامة للموانئ البحرية، وكانت تسمى سابقاً المصلحة البحرية التجارية..!!
:: لقد تأخّر فصل الرقابة عن الخدمات والتشغيل بالموانئ، وكان يجب أن يتم هذا الفصل قبل هذا التردي.. وليس من المنطق أن تُراقب الحكومة هيئة الموانئ بإحدى إداراتها.. فالمدير العام لهيئة الموانئ هو الذي يُعيّن مدير إدارة التفتيش البحري، فكيف يراقب هذا الموظف مديره، وكيف يحاسبه؟.. في الدول التي تقدس المؤسسية، فإن السلطات الرقابية مستقلة وتتبع لأعلى سلطة سيادية أو تنفيذية بالدولة، أي للمجلس السيادي أو مجلس الوزراء، حسب الوضع الراهن.. وهذا ما يجب أن يحدث بهذه الدولة الفاشلة في كل مناحي الحياة..!!
:: أما الترهل، فمرده هو أن الموانئ البحرية تحولت إلى مشاريع إعاشة، وليست مجرد مرفق خدمي.. وكثيراً ما سألت: ما الذي يمنع تطوير الموانئ بالقطاع الخاص كما تفعل الدول، بما فيها العظمى؟ ولماذا التوجُّس من الشركات التي لا تستوعب إلا الطاقة المطلوبة والقادرة على الإنجاز؟.. فالصوتّ الرافض لإشراك القطاع الخاص في تشغيل وإدارة الموانئ هو (الأعلى)، والأنظمة دائماً ما تخشى هذه (الحلاقيم)، رغم قناعتها بأن تحرير التشغيل والخدمات – وكل الاقتصاد – هو الحل لتجاوُز الفشل والعجز والترهل..!!