تعنت طرفي الأزمة يكبح جهود الحل في السودان

ما تزال حالة الانسداد السياسي تسيطر على مشهد الحوار السوداني الذي أطلقته “الآلية الثلاثية” (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد)، مع تمسك كلا الطرفين الفاعلين في الأزمة (المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير) برفض اتفاق شراكة جديدة مع الآخر. ويرفض العسكريون أي تحالف ثنائي جديد، بينما يرفض الطرف الآخر أيضاً العودة إلى شراكة مماثلة لتلك التي أقرتها الوثيقة الدستورية في عام 2019. وتشتد حدة العلاقة بين المعسكرين ومعها حرارة الاستقطاب لبناء جبهات مناوئة من قبل كل طرف ضد الآخر، ما يضع كل جهود الحل في مهب رياح الفشل. لكن ما مصير الحوار مع أجواء عدم التفاؤل، في حال فشل جهود حل الأزمة؟ إلى أين تتجه الأمور؟ وما احتمالات أن تعيد التداعيات اللاحقة للفشل السودان إلى الفصل السابع مجدداً، وقد سبق له أن قبع فيه مدة 15 عاماً.
الاحتمالات المفتوحة
يقول الباحث السياسي، محمد إبراهيم الأمين، إنه “في حال فشلت الآلية الثلاثية في الوصول إلى حلول للأزمة السودانية، فسيظل الشارع على الصعيد الداخلي في حالة مواجهة مستمرة مع السلطات العسكرية لاستعادة التحول الديمقراطي الذي هو من حقه المشروع، بكل ما يترتب على ذلك من تبعات على البلاد، من استمرار للتدهور الاقتصادي والأمني وكافة المحاذير التي تنذر بتصدعات عميقة تهدد وجود السودان نفسه”.
أما دولياً بحسب الأمين، “فهنالك عديد من الاحتمالات المفتوحة، أقلها عودة السودان إلى دائرة العقوبات والعزلة الدولية، مما سيفاقم الأوضاع بأكثر مما هي عليه، وقد تصبح مبرراً لدفع المجتمع الدولي إلى اللجوء لخيارات حاسمة لتدارك انجراف البلاد نهائياً نحو حرب أهلية في ظل اتفاق سلام ضعيف التنفيذ وتفلتات أمنية وغياب الدولة وضعف قدراتها الاقتصادية التي تؤثر حتماً على قدراتها الأمنية في ضبط الأوضاع وبسط هيبتها وتأمين الاستقرار وحكم القانون الذي يشهد ضعفاً واضحاً، حتى في العاصمة الخرطوم. وقتها سيكون الأمر حتمياً بالنسبة إلى المجتمع الدولي، التدخل وفق صيغ ليس مستبعداً أن يكون من بينها الفصل السابع”.
وأشار الباحث السياسي إلى أن “الدور الذي تقوم به الآلية ينحصر في تسهيل الحوار بين الأطراف وتقديم معينات لوجستية وبعض التمويل الذي يلزمها، لكنها لا تمتلك قدرة الضغط على أطراف الأزمة، لذلك برز الثقل الأميركي – السعودي الذي يمضي الآن في خط مواز لجهود الآلية وجاء لسد هذه الثغرة، كوسيط لديه قدرة الضغط على الفرقاء لتقديم تنازلات حتمية مطلوبة للوصول إلى حلول معقولة قد لا تحقق كل مطلوبات كل طرف، ولكن قدراً كبيراً منها لصالح البلاد”.
وألمح الأمين إلى أن “الأيام المقبلة ربما تشهد توسيعاً آخر للآلية الثلاثية، لتتحول إلى رباعية، بانضمام الاتحاد الأوروبي إليها بموافقة أطراف الأزمة، وذلك في إطار ملاحقة عامل الوقت لتسريع العملية السياسية ودفع الفرقاء إلى الوصول إلى حل في أقرب وقت ممكن”.
ويرى الأمين أن “الظروف العالمية الراهنة وما تشهده السياسة الدولية من تحولات ومناورات، منصرفة بصورة شبه كاملة باتجاه الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على الأمن الدولي وأسعار الوقود والغذاء حتى على الدول العظمى نفسها، وربما تكون غير مؤاتية وتجعل من الصعب منح اهتمام أكبر لقضايا السودان ومستقبله ومشكلاته”.
مسار الأحداث
على الصعيد نفسه، استبعد أستاذ القانون الدولي، ياسر عمر عبدالله، التحويل المباشر لمهمات بعثة “يونيتامس” الحالية المفوضة من مجلس الأمن بموجب الفصل السادس، إلى الفصل السابع، “لأن الحكم بفشل أو نجاح مهمة البعثة يتوقف على مسار الأحداث، بخاصة مع تزايد المخاوف من وقوع حرب أهلية في ظل تعدد الجيوش في الخرطوم، وفي حال وقع نزاع مسلح، فالمجتمع الدولي سيجد نفسه مجبراً على التدخل، ما يستدعي ساعتها إعادة النظر في مهمات البعثة، لأن الفصل السابع يتضمن تدخلاً أممياً ذا طبيعة عسكرية”.
وأوضح عبدالله، أنه “من خلال تجارب الأمم المتحدة فقد شهد مفهوم تهديد الأمن والسلم الدوليين تطوراً نوعياً في السنتين الأخيرتين، بدليل حالة ليبيا التي اعتُبرت فيها مسألة حقوق الإنسان وكذلك التهديدات البيئية من المهدِدات، بحيث لم يعد يُنظر إلى الحرب وحدها حتى يحول الأمر إلى الفصل السابع، فهي لم تعد المهدد الوحيد للسلم والأمن العالميين”. وأردف قائلاً “هناك نوعان من مهمات الوسطاء في القانون الدولي، إما بمنح الوسيط صلاحيات إصدار قرارات ملزمة للأطراف أو صلاحيات محدودة تتعلق بتقريب وجهات النظر والمساعدة وتسهيل جلوس الأطراف معاً، ورفع تقارير عن سير المهمة إلى مجلس الأمن، وهو ما ينطبق على تفويض بعثة يونيتامس الأممية التي يقودها فولكر بيرتس”. وأضاف عبدالله، “من المهم الإشارة إلى أن الأمم المتحدة تحرص دائماً على سلاسة الانتقال من الفصل السادس إلى السابع، وبحكم استراتيجيتها تدعم انتقالاً سريعاً وسلساً متى وقع ما يفيد بأنه في حالة توفر الأسباب، فإن الأوضاع تؤثر في الأمن والسلم الدوليين”، لكنه لا يستبعد، تعطيل أي قرار في هذا الشأن، باستخدام حق الفيتو من قبل روسيا والصين، مما يعني أن على مجلس الأمن أن يجتهد في عدم فشل بعثة يونيتامس الحالية، على الرغم من التعثر وطول فترة إرساء الحلول.
تسريع الجهود
في السياق، وعلى الرغم من عدم تفاؤله بنجاح “الآلية الثلاثية في الوصول بالأطراف السودانية إلى حلول سلمية للأزمة الراهنة، بسبب شدة الانسداد والانقسامات على الساحة السياسية، استبعد السفير علي يوسف أن “ينتقل الأمر مباشرةً إلى مجلس الأمن بسبب وجود دول عظمى لن تسمح بإصدار قرار ضد السودان لأسباب كثيرة معلومة، لا سيما إذا ارتبط الأمر بالفصل السابع المعني باستخدام القوة”.
ورجح يوسف أن “تستمر العقوبات المباشرة والذكية الموجهة لأشخاص محددين من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من دون أن يكون الهدف هو طرح الموضوع على مجلس الأمن لاتخاذ قرار بموجب الفصل السابع، كما أن هناك دولاً مثل الاتحاد الروسي والصين لن تسمح بذلك”.
من جهة أخرى، أكد فولكر بيرتس، رئيس بعثة “يونيتامس” الدولية إلى السودان، عقب اجتماع مشترك بين اللجنة العسكرية و”الآلية الثلاثية”، أن “السودان يمر بأزمة وليس هناك وقت مفتوح متاح من دون حدود”، مشدداً على أن “البعثة ستبذل كل الجهد للمساعدة على إيجاد حلول للأزمة”.
وكشف بيرتس أن “الاجتماع كان بناءً ومثمراً وصريحاً، وناقش دفع عملية الحوار السياسي لإخراج السودان من الأزمة الحالية”. وبدا بيرتس متفائلاً بالوصول إلى “مرحلة اتفاق الأطراف الفاعلة في المعادلة السياسية والمجتمع السوداني”.
وأوضح رئيس البعثة الدولية أن “اللجنة العسكرية برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو أكدت على ضرورة الإسراع في العملية السياسية والحوار مع تأكيد كل الأطراف السياسية على أهمية الوصول إلى حلول”.
تصاعد الحراك
من جانبها، أعلنت “قوى الحرية والتغيير” (المجلس المركزي) رسمياً، عن رؤيتها لإنهاء الأزمة. وتضمنت الرؤية، “إنهاء الانقلاب بحل كل المؤسسات التي نشأت بعد 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وإعادة تشكيلها وفق اتفاق نهائي توقعه القوى السياسية المختلفة، وتنظيم انتخابات تحت رقابة دولية عقب فترة انتقالية اقترح أن تتراوح مدتها بين 18 إلى 24 شهراً، وإصلاح أمني وعسكري يفضي إلى جيش وطني موحد بعيد عن السياسة، فضلاً عن إجراءات تهيئة المناخ للتحول الديمقراطي، بـإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ووقف الاعتقالات التعسفية وصناعة دستور دائم بـطريقة شاملة وديمقراطية تنتهي بمؤتمر دستوري يضع الأسس التي تحكم السودان مستقبلاً”.
أما على صعيد الحراك الداخلي المتصل، فشدد الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة، على أن “لا مجال لعقد أي تحالف ثنائي مع أي جهة محددة”، مؤكداً “تمسك قيادة الجيش بحوار شامل تحت مظلة الآلية الثلاثية، لا يستثني أحداً، عدا حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقاً) ويفضي إلى توافق وطني كمخرج وحيد في هذه الفترة الانتقالية، وصولاً إلى مرحلة الانتخابات”.
كذلك أكد البرهان خلال اجتماع لضباط القوات المسلحة و”الدعم السريع” بالقيادة العامة، بشأن التطورات السياسية الراهنة في البلاد، على موقف القيادة الثابت تجاه قضايا أمن واستقرار البلاد، مجدِداً أن “المنظومة الأمنية على قلب رجل واحد وغير قابلة للمزايدة على قوميتها وأهدافها الوطنية”.
على نحو متصل، عقدت اللجنة العسكرية الثلاثية ومجموعة الحرية والتغيير (ميثاق التوافق الوطني) لقاءً مشتركاً، برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو، اتفق فيه الجانبان على دعم جهود الآلية الثلاثية باعتبارها الوحيدة المتاحة للحوار الذي يجب أن يكون شاملاً.
روسيا على الخط
وعلى خط الأزمة السياسية، التقى وكيل وزارة الخارجية السودانية، دفع الله الحاج، السفير الروسي في الخرطوم، فلاديمير جيلتوف، مثمناً مواقف موسكو الداعمة والمساندة للسودان في المحافل الدولية، فيما أكد السفير حرص بلاده على تعزيز العلاقات الثنائية والتنسيق في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتطلعها إلى ترقية التنسيق والتعاون بين البلدين وتنشيط الاتفاقيات الثنائية الموقعة بينهما.
وقدم الحاج للسفير الروسي شرحاً عن تطورات الأوضاع السياسية في البلاد، والجهود التي تبذلها الآلية الثلاثية لاحتواء الأزمة السياسية الراهنة، مؤكداً له “حرص الدولة على تحقيق الوفاق الوطني لتشكيل الحكومة وتكملة بقية الفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات حرة”.
وكان الطلب الذي تقدم به رئيس الوزراء السوداني السابق، عبدالله حمدوك، للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لإنشاء بعثة أممية تحت البند السادس، أثار جدلاً واسعاً في الأوساط السودانية، بشأن طبيعة البعثة الأممية الجديدة، التي وافق مجلس الأمن الدولي على إرسالها بالإجماع، حيث كان السودان قد ظل لأكثر من 15 عاماً، منذ أن فرض مجلس الأمن الدولي في 31 يوليو (تموز) 2007، عقوبات عليه تحت الفصل السابع بموجب القرار 1769 لحماية المدنيين في دارفور وتيسير وصول المساعدات الإنسانية إليهم، نتيجة تصرفات نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي أطاحت به ثورة أبريل (نيسان) 2019 الشعبية.
ويشير مسؤولون ومتخصصون، إلى أن البعثة الجديدة (اليونيتامس) تتيح للسودان كعضو في الأمم المتحدة، الاستفادة من إمكانات المنظمة في دعم متطلبات التحول نحو الحكم المدني وإرساء دعائم السلام وبناء قدرات المؤسسات الوطنية، فضلاً عن توفير الدعم لمفاوضات السلام، وتعبئة المساعدات الاقتصادية والتنموية.
وكانت “الآلية الثلاثية” بدأت العمل في مارس (آذار) الماضي، بالتشاور غير المباشر مع الأطراف المختلفة، وعقدت يوم الأربعاء 8 يونيو (حزيران) الحالي، اجتماعاً تقنياً، لمناقشة تفاصيل التحضير، إلا أن “قوى الحرية والتغيير” و”حزب الأمة” و”لجان المقاومة” وقوى ثورية مؤثرة أخرى، قاطعت، ما حدا بالآلية تعليق الجلسات لإفساح الفرصة لالتحاق الجميع بفعاليات الحوار.

Comments (0)
Add Comment