يرى اقتصاديون وأكاديميون أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان الآن فرضت على الأطفال العمل في مهن شاقة وصعبة، وقالوا إن ذلك أدى إلى تغييبهم عن الدراسة وضياع مستقبلهم، وأضافوا.. بأن الأطفال دون الخامسة كانت الحكومة المسقطة تقدم لهم العلاج مجاناً، لافتين إلى هذا أن البرنامج توقف، والحكومة ممثلة في وزارة الصحة الآن لا تهتم بصحة الأمومة والطفولة، مشيرين إلى أن سوء التغذية يهزم الخطط التي تهدف إلى تحسين وضع الأطفال في السودان، وأكدوا بأنه دون معالجة أسباب انتشاره لا يمكن تقليل نسبة وفيات الأطفال.
تحمل مسؤولية
وكشف تقرير دولي، بحسب مصادر صحافية، عن تعرض ما يقارب 8 ملايين طفل ممن يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في السودان لخطر أكبر من جراء الأزمات الاقتصادية المتزايدة والجوع والصراع والممارسات الضارة، ودعت كل من منظمة بلان إنترناشيونال بالسودان، ومنظمة أنقذوا الأطفال، واليونسيف، ومنظمة الرؤية العالمية بالسودان، جميع الجهات المسؤولة إلى التضامن مع الأطفال السودانيين وتحمُّل المسؤوليات الجماعية المتمثلة في عدم ترك أي طفل خلف الركب. وذلك بمُناسبة اليوم الدولي للطفل الأفريقي.
جوع متزايد
وأضافت المنظمات الدولية : أننا نشعر بقلقٍ عَميقٍ من أنّ الوضع الاقتصادي المتدهور في السودان، والصراعات المُستمرّة، والجوع المتزايد، والتأثير العالمي لتغيُّر المناخ، إلى جانب أزمتي التغذية والمياه الممتدتين، سوف يمحو المكاسب التي تحقّقت من خلال أنشطتنا التي تتمحور حول قضايا الأطفال في السنوات الأخيرة، لا يزال السودان، بالنسبة لعدد كبير جداً من الأطفال، مكاناً صعباً للغاية للولادة والنمو فيه.
حرب أوكرانيا
وقدّرت وكالات الإغاثة؛ أنه في هذا العام 2022م، أن 14.3 مليون شخص في جميع أنحاء السودان سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية، وما يقرب من 8.2 ملايين من الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية هم من النساء والفتيات، و7.8 ملايين من الأطفال، وإنه بسبب الأزمات المتعددة التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، فمن المُرجّح أن يزداد هذا العدد.
سوء تغذية
وأوضحت المنظمات أن ثلاثة ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون حالياً من سُوء التغذية الحاد، منهم 650,000 طفل يُعانون من سُوء التغذية الحاد الشديد دون الحصول على أيِّ علاج، سيموت نصف الذين يعانون من سُوء التغذية الحاد الشديد في كل عام، لا يزال 78,000 طفل دون سن الخامسة يموتون لأسباب يمكن الوقاية منها، وهو رقم يقدر أن يرتفع بشكل كبير إذا لم تتم زيادة الاستثمارات في القطاع الصحي.
أطفال ومدارس
وكشفت المنظمات، أن في السودان، 3.6 ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس، ويتأثر 8.1 ملايين طفل ممن هم داخل المدارس سلباً بإغلاق المدارس. ولا يحصل ما يقرب من 17.3 مليون شخص على مياه الشرب الأساسية، في حين لا يستطيع 24 مليون شخص الوصول إلى مرافق الصرف الصحي المناسبة.
ارتفاع رهيب
يقول الباحث والمحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي إن السودان في وضع غير آمن، خاصة أن 86 إلى 87 % من وارداتنا من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، مضيفاً بأن السودان من أفقر بلدان العالم مع تسارع كبير في وتيرة ارتفاع الأسعار، إلى جانب ارتفاع رهيب لمعدل التضخم، موضحاً أن الخبز يأتي على رأس السلع التي تشهد زيادة مطردة في ثمنها، مشيراً إلى أن تراكم الأزمة السياسية وأحداث العنف القبلي في الأقاليم والأزمة الاقتصادية العميقة، عمل على تفاقم حقيقي لوضع كان سيئاً في الأساس.
أزمات خطيرة
ويبين د. هيثم أن للسودان موارد اقتصادية متنوعة وضخمة، وقال في حديثه ل”اليوم التالي” إنها لم توظف بالطريقة المثلى لدعم الاقتصاد الذي يعاني حالياً من أزمات خطيرة، منوهاً إلى أن القطاع الزراعي يمكن أن يحل كثيراً من مشكلات الاقتصاد السوداني، خاصة في ظل بروز أهمية الأمن الغذائي عالمياً وداخلياً.
مهن شاقة
ويرى أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان حالياً فرضت على الأطفال العمل في مهن شاقة وصعبة، مبيناً أن ذلك أدى إلى تغيبهم عن الدراسة وضياع مستقبلهم، وتوقع تزايد أعداد الأسر تحت خط الفقر، مع استمرار الأزمة الاقتصادية بالبلاد، قاطعاً أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أعداد الأطفال العاملين، ويؤكد أن السودان، يحتاج الى تحسين صحة الأم ووضعها الاقتصادي، إضافة إلى تغيير كثير من الأنماط الاجتماعية، لتعزيز الرضاعة الطبيعية باعتبارها المصدر الأساسي لتغذية الأطفال دون سنتين.
انتشار الفقر
ويشير د. هيثم إلى أن سوء التغذية يهزم الخطط التى تهدف إلى تحسين وضع الأطفال فى السودان، وأكد أنه دون معالجة أسباب انتشاره لا يمكن تقليل نسبة وفيات الأطفال، خاصة ما دون عامين، قائلاً : إنها سن الرضاعة الطبيعية، وأوضح بأن سوء التغذية يرجع إلى عدة عوامل منها انتشار الفقر والصراعات المسلحة، إضافة إلى اللجوء والنزوح، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع.
أزمة مركبة
من جانبها.. وصفت الأكاديمية د. سهير صلاح الأزمة الاقتصادية في السودان بالأزمة المركبة، وقالت إن جزء منها يرتبط بالأزمة العالمية، والجزء الثاني يرتبط بالبرنامج الاقتصادي الذي تبنته حكومة حمدوك، مضيفة أن حكومة حمدوك عملت على التحرير الاقتصادي دون مراجعة ومتابعة ووضع الاحتياطات التي تخفف من حدة الآثار الجانبية للبرنامج الاقتصادي، إضافة إلى الفساد الكبير الذي صاحب البرامج المصاحبة وعدم الشفافية في الأموال التي قدمتها المنظمات الدولية، إلى جانب ضعف الإدارة وعدم وضوح الرؤية.
مجانية العلاج
وتشير إلى أن الأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من الأمراض كانت الحكومة المسقطة تقدم العلاج المجاني لهم، لافتاً إلى أن هذا البرنامج توقف وأصبحت الحكومة ووزارة الصحة لا تهتم بصحة الأمومة والطفولة، وفي ما يتعلق بالتعليم قالت د. سهير إن الظروف المعيشية لها انعكاسات سالبة على التسرب من المدارس، وأضافت.. كلما كانت الظروف المعيشية صعبة زاد تسرب الطلاب في المدارس، بل حتى الجامعات.
سياسة وطلاب
ونوهت بأن عدم الاستقرار السياسي أدى إلى تسرب الطلاب من المدارس، موضحة بأن هناك ملاحظة في أعداد الطلاب الذين تغيبوا عن امتحانات مدارس الأساس وامتحانات الشهادة السودانية فقد كان بأعداد غير مسبوقة، وقالت يمكن ربط هذا الغياب بالظروف المعيشية وعدم الاستقرار في العام الدراسي الذي نتج من عدم الاستقرار السياسي.
ظروف اقتصادية
واعتبرت أن ما يحدث الآن جرس إنذار لوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ لمعالجة الوضع في الفترة السابقة، ولفتت إلى أنه في بداية هذا السمستر في الجامعة تقدم عدد من الطلاب بتجميد السمستر نتيجة للظروف المادية والاقتصادية للأسرة، وكذلك عدم استقرار الجامعات، خاصة الطلاب القادمين من الولايات التي ترتبط بمهنة الزراعة والرعي.
مؤشر خطير
وأوضحت د. سهير صلاح أن ذلك حدث في العديد من الجامعات، إضافة إلى انتقال عدد من طلاب الجامعات المرموقة للدراسة في جمهورية مصر وتركيا، معتبرة أن هذا مؤشر خطير يحتاج لوقفة من مديري الجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وقالت إن سبب الانتقال ليس العامل الاقتصادي، بل عدم الاستقرار في العام الدراسي بالجامعات الذي نتج عن عدم الاستقرار السياسي.