محلل سياسي: لن يقبل العسكريون الخروج من المشهد السياسي
التغيير: العسكريين لن يخرجو بإرادتهم من المشهد وضغط الشارع سيحقق المطلب
أستاذ علاقات دولية: خلال الفترة الانتقالية لا يمكن فصل السياسة عن الأمن
ظل مطلب خروج العسكريين من المشهد السياسي السوداني منذ وقت طويل حلماً يلاقي إجماعاً وسط تيارات سياسية ومدنية وتنظيمات شبابية ولجان المقاومة، وفي ظل رفض شراكة جديدة مع العسكريين هل سيقبلون الخروج من المشهد السياسي وإدارة الفترة الانتقالية وتشكيل حكومة تسيير أعمال من الكفاءات الوطنية مقابل أن تتجه الأحزاب لبناء نفسها والاستعداد للانتخابات، وبحكم سياسة الأمر الواقع وسلطة السلاح، فالعسكريون هم المحرك الأساسي للسودان الآن، وقد أجمع متحدثون لـ(اليوم التالي) على رفض المؤسسة العسكرية الخروج من المشهد وإدارة الفترة الانتقالية بإرادتها من المشهد السياسي إلا بضغط متواصل من الشارع المتوحد، وعزوا رفض العسكر الخروج من المشهد إلى طموح الاستئثار بالسلطة والنفوذ والحلم بأن يكونوا حكاماً يعطوا الأوامر بدلاً من أن يتلقوها.
تحجيم أحلام
يقول عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير ومقرر المكتب القيادي للتجمع الاتحادي أحمد حضرة في تصريح خص به (اليوم التالي) إن المكون العسكري لن يخرج بإرادته من المشهد السياسي إلا بضغط متواصل من الشارع المتوحد ضد أي انقلاب عسكري أو مشاركة للعسكريين في السلطة وفي قمة أجهزتها بالإضافة إلى تحديد دور المؤسسة العسكرية في هياكل إدارة البلد ومهامها بتوصيف واضح والتزام من قبل القوات المسلحة، وأضاف: هذا هو الضامن لإبعاد وتحجيم أحلام الطامعين منهم للوصول للسلطة عن طريق الانقلابات وأرجع حضرة رفض خروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي إلى تجربة الانقلابات العسكرية في السودان والاستئثار بالسلطة والنفوذ شجع الكثير من العساكر على التفكير والتخطيط للانقلابات قد تكون فردية أو بتحالفات مع قوى سياسية، فضلاً عن طموحات وأحلام العسكريين في أن يكونوا حكاماً يعطوا الأوامر بدلاً من أن يتلقوها، وسهولة وضمان نجاح الانقلاب حسب التجارب السودانية السابقة كلها مشجعات للمغامرين أو لقوى سياسية لا يمكن أن تصل للحكم عن طريق الانتخابات في الإقدام على ذلك وفق تعبيره.
رفض عسكري
وفي السياق يقول المحلل السياسي الفاتح عثمان إن قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي تطالب المكون العسكري بخارطة طريق لتسليم السلطة التنفيذية كاملة للمدنيين من قوى الثورة أي لهم والحزب الشيوعي ولجان المقاومة، إضافة للجبهة الثورية التي تضم الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام وفق رؤيتها، الأمر الذي رفضه المكون العسكري والذي أعلن من جانبه رفضه التام لأي اتفاق ثنائي وأعلن تمسكه بحوار وطني يشمل جميع القوى السياسية السودانية عدا المؤتمر الوطني علاوة على تمسكه بعدم تسليم السلطة الا لحكومة توافق سياسي متفق عليها من القوى السياسية أو حكومة منتخبة، وقال عثمان لـ(اليوم التالي) إنه في حال قدم المجلس المركزي للحرية والتغيير طرحاً بخروجه وخروج المكون العسكري من السلطة التنفيذية بالإضافة إلى خروج كل الأحزاب السياسية من السلطة التنفيذية في الفترة الانتقالية والتوافق على شخصيات محايدة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والحياد فغالباً سيوافق المكون العسكري على الخروج من السلطة التنفيذية والتراجع إلى مجلس الأمن والدفاع لمتابعة الشؤون العسكرية وترك السلطة وأكد أن ذلك ليس مطروحاً حالياً من قبل قوى الحرية والتغيير ولا من لجان المقاومة ولا الحزب الشيوعي.
تحقيق سلام
يقول أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية الدكتور محمد خليل الصيام إن مهام الفترة الانتقالية تحقيق السلام وتهيئة المناخ لانتخابات حرة نزيهة وأن مشاركة القوات المسلحة في الحكم بغرض تحقيق السلام والحفاظ على سيادة السودان وأنه خلال الفترة الانتقالية لا يمكن فصل السياسة عن الأمن، وشدد الصائم في حديثه لـ(اليوم التالي) على تشكيل حكومة كفاءات هدفها السودان وليست لإرضاء الحركات المسلحة أو دول الإقليم سيما وأن إدارة الفترة الانتقالية بحاجة إلى تعاون كافة الشرائح بما فيها القوات المسلحة لنجاحها الأمر الذي يتطلب عودة الأحزاب إلى قواعدها وإعادة بناء هذه الأحزاب بما يواكب التطورات الحالية بصورة تقدمية والتفكير في إعادة بناء الإنسان السوداني، وبحسب الصائم أن خروج الجيش من المشهد السياسي يجب أن تتبعه سياسات كثيرة كإدارة الفترة الانتقالية بكفاءات ودمج كافة القوات المسلحة في جيش واحد لجهة أن الحكم ليس من مهامه فضلاً عن أن جميع شرايح المجتمع تنادي بحكم ديمقراطي
وطالب بضرورة تحديد علاقة العسكريين بالسياسة من خلال دستور دائم يفصل فيه ذلك مستقبلاً، سيما وأن حماية الدستور وأمن البلاد داخلياً وخارجياً ودرء الكوارث الصناعية والطبيعية ومساعدة المواطنين والأمن القومي من مهام الجيش علاوة على أن تتفرغ القوات المسلحة للتدريب حتى تكون جاهزة لأداء مهامها بكفاءة عالية، وأكد أن ضرر المؤسسة العسكرية من مشاركتها في الحكم الأمر الذي أفقدها جاهزيتها ومهامها الرئيسية وأضاف أن الأحزاب السياسية التقليدية أوعزت للعسكريين ومهدت لهم طرق الدخول في السياسة والاستيلاء على السلطة خلال كافة الحقب العسكرية التي حكمت البلاد منذ العام 1953م.
اقتراح ضعيف
فيما يقول المحلل السياسي الرشيد أبو شامة إن العسكريين لن يقبلوا الخروج من المشهد السياسي وتشكيل حكومة كفاءات لإدارة الفترة الانتقالية سيما وأنهم أكدوا المضي قدماً في الحوار وصولاً لتسليم الحكم لحكومة منتخبة ديمقراطياً، وقال أبو شامة في حديثه لـ(اليوم التالي) إن العسكريين لن يخرجوا من المشهد وأنه اقتراح ضعيف وليس له تأثير فضلاً عن أنه لن يقبل من الحرية والتغيير المجلس المركزي، وأرجع ذلك لعدم وجود ضمانات يستند عليها.
مطلب القوى السياسية
وطبقاً للمحلل السياسي الصادق المقلي أن رجوع العسكريين للثكنات مطلب كل القوى السياسية والثورية والمدنية رغم وحدة الهدف، فإن الاختلاف في السيناريوهات، ويقول المقلي في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن كافة القوى السياسية الثورية تنادي بإسقاط الانقلاب ما يعني استمرار الحراك الثوري في الشارع على غرار ثورة ديسمبر التي أسقطت الإنقاذ بينما المجلس المركزي أنهى الانقلاب من خلال الحراك والشروع في عملية سياسية تفضي الى إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة الى المدنيين الأمر الذي قاد إلى إنهاء مخاوف لجان المقاومة من عودة المجلس المركزي إلى الحكم سيما وأن رؤيتها أن تترك لقوى الثورة اختيار رئيس الوزراء والحكومة من كفاءات وطنية مستقلة، وحول تمسك المكون العسكري وتشبثهم بالسلطة قال المقلي إن العسكريين مهما كرروا تصريحهم بوقوفهم على مسافة واحدة، أن المعارضة تتهمهم بتجيير فلول النظام البائد والحركات المسلحة وجماعة اعتصام القصر وقيادات من الإدارة الأهلية والطرق الصوفية كتحالف مع السلطة العسكرية، وأوضح أنه ليس في مقدورهم إن لم تكن نيتهم تسليم الحكم لسلطة مدنية محسوبة على القوى الثورية والمدنية والسياسية المناهضة للانقلاب الأمر الذي أدى إلى تعقيدات المشهد السياسي، وتساءل: حتى وإن تشبث العسكر بالسلطة كيف وإلى متى يصمدون أمام المد الثوري في الشارع والعزلة الدولية والإقليمية.
دوافع التمسك
وبحسب تقارير صحفية وإعلامية سابقة أن دافع تمسك المجموعة العسكرية الحاكمة بالسلطة، هو احتمال محاسبتهم على الانتهاكات التي حدثت في فترة حكمهم منذ 11 أبريل 2019 وحتى الآن، بما في ذلك مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، التي – بحسب توثيقات عديدة – راح ضحيتها مئات القتلى، إضافة إلى أكثر من مائة قتيل على الأقل سقطوا أثناء قمع تظاهرات ما بعد انقلاب 25 أكتوبر وطبقاً لذات التقارير تحولت المؤسسة العسكرية في البلاد إلى قوة اقتصادية ضاربة، سيطرت عبر مشاريعها الاقتصادية والاستثمارية على معظم موارد دخل الدولة، عبر تمكين نفسها في صناعات وأنشطة اقتصادية، إضافة إلى التجاوزات والتسهيلات التي تمنح إلى النشاطات التي ترعاها وتستفيد منها، ويمتلك الجيش أكثر من 200 شركة تابعة له، تعمل معظمها في مجالات صناعية وإنتاجية واستهلاكية، بالإضافة إلى منظومة صناعية ضخمة تعمل في مجال إنتاج وتصنيع الأسلحة، ويقدر رأسمال الشركات التابعة للجيش بعشرة مليارات دولار، وهو رقم عالٍ مقارنة بأوضاع السودان الاقتصادية، ما دفع أكثر من جهة وشخصية نافذة للمطالبة بخصخصة شركات الجيش أو طرحها للمساهمة العامة، وتصاعد مطلب تبعية هذه الشركات إلى السلطات المالية المدنية، عقب ثورة ديسمبر، في ظل حكومة شراكة ما بين المدنيين والعسكريين.