(1)
طلب مني أحد المدراء ذات مرة إبداء رأي حول فيلم وثائقي ، وبعد مشاهدة قصيرة ولإن السينارست والمخرج حضور بيننا قلت له: هل لديكم فيلم آخر للمشاركة في المسابقة؟..
كانت تلك ملاحظة كافية لإلحاقي بقائمة (تكسير المجاديف) و (إحباط الروح المعنوية) ونحو ذلك من مفردات وتوصيفات، مع ان المطلوب مني حينها إسداء نصح وقد فعلت وفق تقديراتي، ومن حينها توقفت عن إبداء الرأي الصريح ، وكما نصحني الأخ الفاضل الضو الماحي (تقليل الملاحيظ).. المهم لم يفز الفيلم بل لم يدرج في قائمة المنافسة، ومع ذلك لم تتغير نظرة القائمين عليه..
وفي مسابقة أخرى، وقد توقفت لدقائق في غرفة المونتاج وشاهدت جزء من مقدمة فيلم عن جزيرة سنجنيب، قلت للأخ المخرج سيف الدين ، هذا الفيلم مميز وسيفوز بإذن الله، مع إضافات صغيرة، ثم تذكرت مآلات ملاحظتي تلك، فتوقفت، وخرجت لحقني الأخ سيف راجياً الإفصاح عن رأي بلا حرج، واتذكر أنني قلت له (لقد أبهرني التصوير وزوايا الكاميرا وتوظيف الإمكانيات، ولكن المؤثرات والموسيقى لا تتناسب مع الفيلم، الأفضل موسيقى من بيئة المنطقة أو على الأقل سودانية)، وذهبت.. وحين شاهدت الفيلم مكتملاً بعد فوزه في المسابقة دهشت من روعة المؤثرات الصوتية..وقد لا يتذكر الأخ سيف ذلك، وربما كانت موسيقاه معدة سلفاً، ولكنه أستمع لي بكل حواسه وأشعرني بأهمية ملاحظتي تلك.. هكذا هو الأخ سيف الدين حسن، لم يكن مجرد مخرج أو مجرد منتج أو مجرد مدير شركة، وإنما مشروع عملية (إبداعية) يبحث عن المبدعين والمتميزين ويلتقط الأفكار ويشحذ الهمم ويوظف التقنية.. ولا يتوقف.. وهذا نهج التميز، لإن الإبداع مثل (المونتاج) مزج بين العناصر وتوليف بين المتنافر وإكمال النواقص بمنكهات فائقة المذاق.. ولذلك نجح بحمدالله ، ولأنه فيه (بركة) من الصادقين..
(2)
أستفسرني الأستاذ عوض جادين مدير التلفزيون الأسبق عن سبب (إسقاط) احد البرامج عن الخارطة الجديدة، والأستاذ عوض دقيق الملاحظة ومن الصعب رده عن رأيه، قلت له ببساطة (التفاصيل )، هذا النوع من البرامج كان مثيراً للدهشة في أزمان سابقة، أما اليوم فإن تطور الإنتاج تعمق في التفاصيل والمراحل الدقيقة، فإما أن ننافس بذات القدرة أو نصرف النظر.. وقد وافقني الرأي..
والتفاصيل الدقيقة و المعايير العالية هي عنصر أساسي في نجاح العمل التلفزيوني، فأنت مطالب بأن تسحر (العين) وترغم السمع على (الإصغاء) وتحرك المشاعر وتشغل الفكرة وتضيف معلومة، وكل ذلك في قالب من المتعة.. تلك لوحة الإنتاج الوثائقي (الأخذ بالألباب).. وتلك سمة مثابرة الأخ سيف.. وفريقه..
(3)
ولهذا هناك عزوف عن الإنتاج الوثائقي على أهميته، فهو إستنزاف طاقة وموارد ووقت.. وسعي دائم لإمتلاك الأجهزة الحديثة وإستمرار التدريب، وإقتراح الأفكار وابتدار المشروعات والصبر عليها.. وقد هيأت الأيام والتجارب الأخ سيف علي مغالبة الصعاب، ولكم ان تتصوروا حجم المعاناة حتى يتحقق النجاح أو الفوز، إن وراء كل فيلم أو سلسلة، أيام طويلة من السهر والسفر والغبار والتعب والإحباط.. ولكن النفس الكبيرة لا يقيدها اليأس ولا تحدها المحاذير..
(4)
توقفت طويلاً عند تعليق خبيرة في مجال الوثائقيات، قالت لنا : لديكم موضوعات وقضايا مدهشة ولديكم كفاءات متقدمة، فقط ينقصكم القدرة على التسويق وإدارة العملية الإنتاجية)، وأقترحت ان ننتج (سلسلة أعمال) مما يوفر مادة خام وإنتاج عريض وموازنة معقولة..
وهذه المعادلة اخذ بها الأخ سيف الدين، حين بدأ إنتاج سلسلة (أرض السمر)، ووفق في توفير رعاية وتمويل، وهذا الجند الأقل حظوة في بلادنا..
إن الفيلم الوثائقي هو مادة تاريخية ومعلومة ثقافية وترويج سياحي وصورة ذهنية وتعريف بالناس والحياة والعادات والتقاليد وإمتاع بالمؤانسة.. وكل ذلك على رأس الأخ سيف ورفاقه.. ولئن الدولة مشغولة بالشواهد العجلي واللحظية والمظهرية، وراس المال لا يجد أرقام وحسابات ربحية، فإن الإنتاج الوثائقي يتطلب اهل العزائم والإرادة والإيمان بالقضية.. سيف الدين لها..
مبارك لك اخ سيف الدين حسن كل نجاح وكل فوز أو تجربة جديدة وبارك الله فيك وفي فريق عملك.. والسلام