ماذا يحدث على الحدود السودانية – الإثيوبية؟

 

تعوّدت المجموعات الإثيوبية المسنودة بالسلاح على التحرك مع بداية كل موسم زراعي باتجاه أراضي الفشقة الخصبة بولاية القضارف، شرق السودان، الأمر الذي يخلف سنوياً قتلى وجرحى ورهائن مختطفين من الأهالي والمزارعين بدافع الفدية المالية مقابل إطلاق سراحهم، في وقت ظل فيه الجانب الإثيوبي ينفي صلته بتلك الميليشيات والعصابات المعروفة محلياً (بالشفتة).

مناوشات وقتل واختطاف

تواترت الأنباء خلال الأسابيع الماضية عن تحرك مجموعات من تلك العصابات الإثيوبية المسلحة صوب منطقة الفشقة، ما حدا بقوات الجيش السوداني إلى الاستجابة لنداءات المزارعين لحماية أراضيهم هناك، بخاصة مع الاستعدادات الجارية للموسم الزراعي الجديد ودخول موسم الأمطار (الخريف).

تتحدث مصادر وسط المزارعين والأهالي بمنطقة الفشقة، عن نشاط محموم للميليشيات الإثيوبية في عدد من المناطق الحدودية بمحليات القريشة وباسنده والقلابات الشرقية والفشقة الصغرى، تهدف بصفة أساسية إلى زعزعة استقرار المزارعين والرعاة وتجار عمال فحم الأشجار النباتي، وإرغامهم على هجر تلك المناطق قبل بداية الموسم الزراعي المطري، لزراعتها من جانبهم.

بعض قُدامى المزارعين بالمنطقة أوضحوا أن تحركات الميليشيات الإثيوبية تنشط على الحدود الموازية لمحلية باسندة جنوب منطقة القلابات المجاورة لمعسكر (شاي بيت) الحدودي.

وقال الأهالي إن ميليشيات إثيوبية مسلحة توغلت بالفعل نهاية مايو (أيار) الماضي داخل الأراضي السودانية شمال مدينة القلابات السودانية باتجاه معسكر خور الجير على الشريط الحدودي بولاية القضارف شرقي السودان.

يشير مواطنون ومزارعون إلى أن الميليشيات المسلحة أطلقت النار على ثلاثة من السودانيين العاملين في مجال إنتاج فحم الأشجار، وقتلت اثنين منهم بينما أصيب الثالث بطعنة سكين نقل على أثرها إلى مستشفى مدينة القضارف للعلاج.

يروي الأهالي عن تكرار محاولات الميليشيات اختراق الحدود السودانية بمنطقة القلابات أكثر من مرة، إذ قامت في آخر محاولاتها باختطاف أحد المزارعين السودانيين بالمنطقة يدعى (إ. ج إ)، مطالبة بمبلغ مالي كبير نظير الإفراج عنه.

وأثار تكرار حوادث الاختراق للأراضي السودانية والاختطافات غضب المواطنين الذين نظموا تظاهرات احتجاجية مطالبين الجيش السوداني بحسم تلك التعديات، وبسط سيطرته لحماية أراضي المنطقة وتوفير الأمن للمواطنين.

الوالي يطمئن ويبرر

في السياق، أكد والي القضارف المكلف، رئيس لجنة الأمن بالولاية، محمد عبد الرحمن لـ”اندبندنت عربية”، هدوء الأحوال على الحدود، مؤكداً أن القوات المسلحة تترصد أية أنشطة معادية، وعلى أهبة الاستعداد لتأمين الموسم الزراعي، ليكون أول موسم خالٍ من اعتداءات القوات المسماة بميليشيات الشفتة.

وطمأن عبد الرحمن المزارعين بأن لجنة أمن الولاية والقوات المسلحة وكافة الأجهزة النظامية تتابع عن كثب، وتعمل على زراعة أكبر مساحة ممكنة في تلك المناطق العزيزة عالية الخصوبة، وحشدت لذلك أكبر عدد من الآليات، وأعلى درجات التأمين هذا الموسم.

الوالي أشار إلى أن لقاءه القنصل الإثيوبي بالقضارف عمل على تهدئة الأوضاع على الحدود، بخاصة أنها مفتوحة للحركة من الجانبين، كما أن النشاط التجاري بينهما منساب بشكل طبيعي، إلى جانب أن الأنشطة الاجتماعية في إطار العلاقات والدبلوماسية الشعبية مستمرة من دون توقف.

وأضاف الوالي، “لأول مرة منذ سنوات عدة يتم تأمين الموسم الزراعي في منطقة الفشقة بولاية القضارف شرق السودان على الحدود السودانية الإثيوبية، من دون اعتداءات ميليشيات الشفتة الإثيوبية، على الرغم مما يروج من مخاوف تعوّد عليها المزارعون مع بداية كل خريف، طمعاً من تلك الميليشيات في الاستيلاء على بعض المساحات الزراعية وزراعتها بالقوة.

وبخصوص ما يجري تداوله حول المناوشات على الحدود السودانية – الإثيوبية، وأحداث القتل لعدد من المواطنين خلال الفترة القليلة الماضية، عزا الوالي ذلك إلى خلافات مالية بين بعض عصابات تهريب البشر الموجودة في بعض تلك المناطق، مشيراً إلى أن تلك الخلافات حول الأموال أدّت إلى اشتباكات بين المهربين، الذين وصفهم بأنهم “سماسرة” سودانيون وإثيوبيون، في إطار تصفية حسابات بينهم.

تمشيط وتأمين الحدود

مصدر مسؤول على الحدود كشف، لـ”اندبندنت عربية”، عن أن السلطات السودانية طالبت الطرف الإثيوبي بتسليمها الجناة المتورطين في حوادث القتل التي وقعت أخيراً على حدود البلدين، كما قامت القوات المسلحة بتمشيط شامل لكل المنطقة، بخاصة أن الجهة التي قتلت المواطنين الثلاثة ما زالت غير معلومة.

ولفت المصدر إلى أن الأطواف العسكرية تعمل باستمرار لتأمين الموسم الزراعي، مصحوبة بجهود كبيرة لزراعة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي المستردة غير المزروعة، تفوق نسبتها 40 في المئة من مساحتها الكلية، ما يمكن أن يشكل إغراءً للطامعين في زراعتها بالتعدي والقوة.

وكشف المصدر عن أن السلطات السودانية منعت استئجار الأراضي حتى لا تتم زراعتها بواسطة الأجانب (لا عنوة، ولا بالإيجار)، مبيناً أن الحدود بين البلدين مفتوحة لحركة التجارة والمواطنين، بحيث يسمح بدخول العمالة لحصاد الموسم السابق، لكن وفق شروط وضمانات تبدأ من معابر الدخول حتى رحلة عودة العمالة إلى بلادها مرة أخرى بالعدد نفسه الذي دخل.

على صعيد متصل، دعا قنصل إثيوبيا بولاية القضارف، أنته تاريكو، حكومة وشعب الولاية إلى ضرورة التعاون والتكاتف لتقوية العلاقات الأزلية بين الشعبين الشقيقين والمصالح المشتركة بينها، وأعرب خلال احتفال تسلمه عمله بالقضارف، بحضور أمين عام الحكومة، ممثل والي القضارف، عبد الله محمد جودو، وقادة الأجهزة الأمنية وعدد من رموز مجتمع الولاية من الإدارة الأهلية وجمعية الصداقة السودانية – الإثيوبية بالولاية، عن أمنياته بتحقيق طموحات وتطلعات الشعبين خلال فترة توليه العمل.

وأكد ممثل الوالي متانة وأزلية العلاقات الثنائية بين السودان وإثيوبيا، بخاصة مع ولاية القضارف والأقاليم المجاورة، ما يتطلب عون القنصلية للاضطلاع بدورها في ترقية العلاقات، وفتح مزيد من آفاق التعاون في المجالات المختلفة بينهما.

وقال جودو، بحسب وكالة السودان للأنباء الرسمية (سونا) أن المناوشات التي ظلت تحدث من فترة لأخرى على الشريط الحدودي لن تؤثر على العلاقات المتينة الممتدة بين البلدين، داعياً إلى ضرورة تبادل الزيارات ونقل التجارب والخبرات بين الجانبين، لا سيما في مجالات الشباب والرياضة والثقافة والزراعة والمجتمع.

في السياق نفسه، أوضح محافظ الفشقة الأسبق، علي الشيخ الضوء، لـ”اندبندنت عربية”، أن ميليشيات الشفتة الإثيوبية ليست محض عصابات، بل إنهم مسلحون مدعومون من الجيش الفيدرالي الإثيوبي، وهدفهم الرئيس الاستيلاء على الأراضي الزراعية التي تتميز بالخصوبة والجودة ووفرة مياه الأمطار للري.

وأضاف الضوء أن المسلحين درجوا على مهاجمة الأراضي السودانية مع بداية كل موسم زراعي في مثل هذه الأيام بنهاية مايو، إذ تعتبر من أيام التناوش المعروفة، للوصول إلى سهل الفشقة الخصب، كما يهاجمون أيضاً عند نهاية كل الموسم بهدف الاستيلاء على المحصول المحصود.

وأشار محافظ الفشقة الأسبق إلى أن تركيز المسلحين على أراضي الفشقة الصغرى المتاخمة لإقليم الأمهرة، سببه أنها الأقرب لهم والأسهل في الوصول إليها، كونها مفتوحة على إقليمهم من دون حواجز طبيعية، بينما يفصلها بعض الأنهر عن ولاية القضارف، ما دفع بالقوات المسلحة إلى إنشاء كباري ومعسكرات بهذه المنطقة، أما الفشقة الكبرى، فهي أقرب إلى إقليم تيغراي.

الجيش ينفي ويؤكد

من جانبها، نفت القوات المسلحة السودانية سيطرة ميليشيات أو قوات إثيوبية على أراضٍ سودانية بغرض حماية مزارعي الأمهرة على الحدود الشرقية.

ونفى الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبد الله، لوسائل إعلام محلية، ما يتم تداوله في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حول سيطرة ميليشيات إثيوبية على أرض سودانية، مشيراً إلى أن القوات المسلحة تمارس مهامها على الحدود الشرقية بتأمينها ومنع أية اعتدءات على المزارعين والأراضي الزراعية السودانية، ومؤكداً الاستقرار التام للأحوال الأمنية بمنطقة الفشقة وكل حدود البلاد الشرقية.

وكان نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، وزير الخارجية، دمقي مكنن، وصف علاقة بلاده بالسودان بأنها غير جيدة، متهماً الخرطوم بدعم جبهة تحرير تيغراي المتمردة ضد بلاده، ما زاد من توتر علاقات البلدين.

وقال مكنن، خلال تقديم تقرير وزارته أمام مجلس النواب، نهاية الشهر الماضي، إن الخرطوم استغلت الحرب في تيغراي، واجتازت الحدود، والوضع مضى نحو الأسوأ بعد أن أصبح السودان منطلقاً لجبهة تيغراي المتمردة، مرجحاً أن أفضل الخيارات للبلدين حل تلك القضايا سلمياً.

وظلت حدود السودان وإثيوبيا تشهد توترات عسكرية متكررة منذ سنوات عدة، بخاصة بعد أن فرض الجيش السوداني سيطرته على أراضي الفشقة الكبرى والصغرى، ونشر قواته فيهما، مسترداً بذلك مساحات زراعية خصبة واسعة تقدر بمئات الآلاف من الأفدنة الزراعية، كانت مجموعات من مزارعي الأمهرة الإثيوبيين تزرعها تحت حماية ميليشيات مسلحة مدعومة من قبل الجيش الإثيوبي، منذ ما يقارب 25 عاماً.

Comments (0)
Add Comment