:: أبريل 2020، أطلق رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك حملة (القومة ليك يا وطني)، ثم دشنها، فتدافع بعض أبناء السودان – بالداخل والخارج – بالتبرعات، ثم (خلاص).. لا أحد – غير حمدوك ونفر قليل – يعلم ما حدث بعد ذلك.. كيف انتهت الحملة؟، وكم عائدها؟، وكيف تم التصرف فيه؟، وهل تم إيداع العائد في وزارة المالية؟، وهل أخضع العائد – وأوجه الصرف – للمراجعة عامة؟، وكيف تم اختيار أوجه الصرف؟.. الله أعلم.. لا أحد يعرف ما حدث، ليس تخويناً لأولئك، ولكن لأنها ليست دولة مؤسسات..!!
:: وبالتأكيد سيذهب الظن بقصار النظر – والفهم – بأن الهدف من تلك الأسئلة اتهام حمدوك أو غيره بالتصرف الخاطئ في أموال الحملة، ولكن الهدف (أكبر من كدا)، وأكبر من مستوى إدراكهم لمعنى دولة المؤسسات.. في دولة المؤسسات يجب أن تمر كل الأشياء عبر أجهزة الدولة وقوانينها، وتحت سمع وبصر الشعب.. ولكن في الدولة العشوائية، فالمسؤول يتصرف – كما يشاء – كالعمدة والناظر.. وقد يفعل هذا المسؤول أشياء صحيحة، ولكن خارج (مؤسسات الدولة)، وهذا خطأ..!!
:: واليوم نقرأ هذا الخبر.. (أعلن نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو عن نفرة شاملة لإنشاء صندوق خيري لدعم إعادة النازحين بغرب دارفور، وأنّ ضربة البداية بإيداع أموال تستقطع من القوات النظامية، وأكّد دقلو أنّه أجرى مشاورات مع رئيس المجلس السيادي القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، واتّفقا على استقطاع (2.000 جنيه) من كل ضابط في الجيش والشرطة، و(3.000 جنيه) من كل ضابط في قوات الدعم السريع، و(1.000 جنيه) من كل فرد بالقوات النظامية المختلفة)..!!
:: فالغاية – حسب الخبر – نبيلة، لأن النازحين يستحقون أموال هذه النفرة، ويجب استنفار كل أهل السودان حتى يعود كل نازح إلى دياره ويستقر.. وعليه، فالغاية من استقطاع الأموال (نبيلة)، ولكن الوسيلة غير مشروعة.. في دولة المؤسسات لا يتم الاستقطاع من راتب العامل بالدولة – عسكرياً كان أو مدنياً – إلا بالقانون، وبعد إجازة المبلغ والصندوق بواسطة أجهزة الدولة التفيذية والتشريعية.. ولكن في الدولة العشوائية، فإن الرئيس والنائب هما كل أجهزة الدولة، يما فيها التشريعية..!!
:: فمع الحديث عن نظام الحُكم، لا تنسوا أن السودان بحاجة إلى دولة مؤسسات أيضاً، لتحل محل (دولة الكجم).. يُحكى أن أحدهم سرق دجاجة من مزرعة جاره، فاجتمع نظار المنطقة وعمدها، وعقدوا محكمتهم، ثم حكموا على السارق بالسجن والجلد والغرامة، فسألهم مندهشاً: (معقولة ياخ؟، تلاتة عقوبات في سرقة دجاجة؟، دا قانون إنجليزي ولا مصري؟)، فرد عليه رئيس المحكمة: (والله لا إنجليزي ولا مصري، نحن كجمناك كجم).. وهذا ما يحدث للشعب السوادني، بعد تغييب القوانين والأجهزة الرقابية والتشريعية وغيرها من معالم دولة المؤسسات..!!