توقعات بدخول كنانة (مستثمرة) في الإيثانول والإنتاج الحيواني
بقلم: أحمد جبريل
لأول مرة أزور الولاية الشمالية، لم أطأ أرضها إلا قبل أسبوعين، انطباعات جيدة خرجت بها عن الولاية وأهلها، عدت بمحبة كبيرة تجاه الشمالية ومواطنها الراقي المتحضر.
أتاح لي العمل الصحفي زيارة أغلب الولايات حيث تبقت لي جنوب كردفان ووسط وغرب دارفور، في الولايات التي زرتها وجدت طباعاً مختلفة فيها الجيد والسيء، بيئات متردية أوساخ في كل صقع وفج، جرائم كبيرة وصغيرة عمليات نهب في قلب المدن والفيافي، لكن الشمالية غير.
الإنسان هو أساس النهضة أخلاقه وسلوكه تقود مقار السكن حضراً وريفاً الى مراقي النظافة والأمن والسلام الاجتماعي وهو ما تعيشه الشمالية الرافلة في ثوب عزها آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من ربها بكدح وفلاح أهلها المنتجون للقمح والتمر والفول .
الأمن هناك مبسوط بلا قوافل جند بأحذية ثقيلة وعربات مدججة بالسلاح، الشرطة تراقب عن كثب وتجمع المعلومات التي تعينها في منع الجرائم كأقصى درجات الأمن الوقائي لذلك تسير في شوارع دنقلا ليلاً لا تخشى على نفسك من شيء فلا تسعة طويلة ولا متفلت يضع سكيناً على حزام بنطاله (الناصل) ولا شباب تحت تأثير الآيس والسلسيون في أزقة الأسواق وفرندات المتاجر رغم ان الولاية معبر للمخدرات التي تأتي بالمعابر والصحراء عبر التهريب، لكن أعداد المدمنين ليست مقلقة وأغلب المخدرات عابرة غير مستقرة بالولاية.
الشرطة في الولاية الشمالية تقوم بأعمال عظيمة وسط بنية تحتية قاسية وناقصة ومتصدعة، زرت مدينة كرمة النزل وجدت قسمها بائساً متصدعاً يحتاج الهدم والبناء من جديد وفق أسس معمارية تراعي دور الشرطة في حفظ الأمن وحقوق الموقوفين وتاريخ المدينة التي تحتضن القسم.
شرطة المرور تبذل جهداً عظيماً في تيسير أمور شركاء الطريق في الترخيص والرخص، لكن قطوعات الكهرباء وتذبذب الشبكات يعيقان انسيابية عملها تجاه المواطنين، شرطة التعدين بالولاية تقوم هي الأخرى بدور عظيم في حفظ الذهب وتأمين نقله وحفظ أمن المعدنين الذين تتفشى بينهم النزاعات بسبب المعدن الملعون، تقوم شرطة المعادن بمكافحة تهريب الذهب والتهرب من التحصيل الحكومي على المنتج منه.
الباقر أحمد علي والي الولاية خلال مكوثي بولايته لاحظته كل صباح يخرج في زيارة الى منطقة ما مصطحباً معه طاقمه التنفيذي والأمني متفقداً وموجهاً بالحلول للمشاكل التي تعرض عليه، الباقر ابن مدينة كوستي يقدم نموذجاً رائعاً للحكم بالولاية الشمالية رغم تذمر أصحاب الرأي المخالف له ولأسلوبه الإداري وهو حق أصيل لهم، فالاختلاف نعمة ويقود للتغيير وتحسين الأداء إذا كان موضوعياً وفي قالب من الاحترام.
مشروعات استثمارية ضخمة تزخر بها الولاية الشمالية ترفد خزانتها بالأموال لتسهم في التنمية وترقية الخدمات، كل شيء هناك منظم ومرتب فمدينة دنقلا أنظف مدينة سودانية تنافس المدن الأفريقية والعربية، بسوق المدينة حاويات قمامة موزعة بعناية تأتي ناقلات النفايات كل صباح لتفرغها في جوفها وتنطلق بها، (كولرات) أو مبردات مياه الشرب منتشرة في السوق، سلطات المحلية رفقة شرطتها تتابع الظواهر الشاذة بالسوق واستغلال التجار للطرقات والأزقة لعرض وتخزين بضاعتهم تتعامل معهم سلطات المحلية بحزم، لا توجد فوضى بسوق دنقلا كل شخص ملتزم بمكانه وحيزه القانوني
والسلطات وسط الناس تراقب وتصوب وتعاقب.
تناغم كبير بين حكومة الولاية وأجهزتها المعاونة خاصة الشرطة حيث يرافق اللواء شرطة إسماعيل الصادق مدير شرطة الولاية الوالي في جولاته معيناً ومساعداً في كلما يطرأ على الوضع الأمني أو معالجة أي مشكلة طابعها شرطي ولا علاقة للجهاز التنفيذي بها.
هناك أمانة الزكاة التي عندما تزورها تجدها فارغة إلا من موظفيها، أهل تلك البلاد يملكون أنفة وكبرياء موروث من تاريخهم البعيد ضارب الجذور في عمق التاريخ، لا يأتون للديوان الا بعد اضطرار واستنفاد كافة الحلول، الديوان مفتوح للناس يديره خبير زكوي يعد من أميز كفاءات العمل الزكوي بالسودان تنفيذاً وتخطيطاً، محمد أحمد عشة أمين الزكاة وجد البيئة الصالحة للعمل والإبداع فانطلق في مسار عمل وإنجاز تتحدث به الولاية الشمالية إذ رفع كفاءة التحصيل والمصارف وكافة قنوات الزكاة بعمل جماعي علمي مدروس.
ثمة غلاء أسعار طاحن بالشمالية، المواطنون كافة يشكون منه، التجار يتسابقون في رفع الأسعار إلى مستويات خيالية وهو ما يدعو حكومة الولاية للتدخل العاجل وفرض تسعيرة موحدة تراعي هامش ربح للتاجر والوضع الاقتصادي الصعب للمواطن.
منارة أخري لفتت نظري في دنقلا قناة الشمالية الفضائية، زرتها وجدت في مكتب الاستقبال الهرم الإذاعي علم الدين حامد الذي أُطلق اسمه على استديو خاص بالقناة والآخر باسم الشهيد الزبير محمد صالح أحد أبناء الولاية، قناة متطورة مديرها ناجي فاروق يحمل أفكاراً متقدمة في إدارة العمل الإعلامي، حدثني عن افتتاح ثلاث مكاتب للقناة بالإمارات ومصر والسعودية لعكس أنشطة أبناء الولاية في الوقت الذي تكابد فيه إذاعات ولائية الأمرين وماتت تلفزيوناتها بإهمال الحكومات وضعف الإدارات الإعلامية وانعدام التمويل، عبر أحد المصادر علمت أن وزارة مالية الشمالية تمد القناة شهرياً بمبلغ أربعة ملايين جنيه للتسيير وهو مبلغ محترم رغم أن ماكينة العمل الفضائي تلتهمه، لكنه أفضل من ولايات أخرى تم مسحها من خارطة العمل الإعلامي، كوادر شبابية تحمل رؤى متقدمة ولديها القدرات لقيادة مؤسسات ضخمة وتحمل مسؤوليات عظاماً مطلب من مطالب الثورة وقد نفذته الولاية الشمالية بتولي ناجي ورفاقه من المبدعين والمبدعات لإدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون.
ثمة تباين لحظته خلال حواري مع والي الشمالية فيما يلي قسمة أنصبة التعدين، الوالي يرى أن القرار ٩٠ الصادر من وزير المالية الاتحادي بتحديد ٨٥% للمالية الاتحادية و١٥% للمحليات مجحف وظالم للولايات المنتجة للذهب، لكن ما لم يقله الوالي قاله محمد صلاح مدير شركة الموارد المعدنية بالولاية في ذات الخصوص اذ فصل لي أن النسب توزع بذات الأرقام أعلاه بين المالية الاتحادية والمحليات المنتجة أي أن المبالغ لا تورد في حساب وزارة مالية الشمالية، بل للمحليات المنتجة مباشرة .
في هذا تغول واضح من وزير المالية على صلاحيات الولاة حيث لوزارة المالية الولائية حق الولاية على المال العام الخاص بالولاية كان الأوفق توريد الأموال لدى الولاية، ثم إلزامها بتوريدها لاحقاً للمحليات المنتجة وهذا مسلك خاطئ أيضاً لأن هناك محليات لا تنتج الذهب وعليها التزامات فصل أول وتنمية وخدمات من أين تسدد، موارد الولاية لا تجزأ ويجب أن تمركز فى وزارة المالية، ثم لاحقاً يأتي التخصيص بنسب لا تضر المحليات غير المنتجة للذهب.
الولاية الشمالية أمامها تحديات كبيرة أبرزها تصدع الطريق الدولي ومرور شاحنات بأوزان ثفيلة عليه وعمليات التهريب التي يتم فيها استغلال الصحراء الشاسعة إضافة الى دخول مخدرات الترامادول وغيره والزحف الرملي الذي يعيق حركة السيارات من والى الولاية ومكافحة العقارب التي لم تترك طفلاً أو شرطي مرور إذ تعاني دوريات المرور السريع المنتشرة بالولاية خاصة مناطق أم الحسن والملتقى من كثرة العقارب والثعابين وهي مشكلة يجب معالجتها جذرياً.
ثمة بشارة أزفها لأهل الشمالية بمساعٍ يبذلها الوالي ربما عادت بمشروعات لإنتاج الإيثانول من البامبي ومزارع لإنتاج الدواجن والبيض وتسمين العجول (أغلى أسعار للفراخ على مستوى السودان بالولاية الشمالية) شراكة بين الولاية وشركة سكر كنانة، حسب علمي يتوقع جلوس والي الشمالية الى إدارة كنانة ممثلة في السيد عبدالرؤوف ميرغني العضو المنتدب للشركة وهو شاب مرن جداً ومتفهم لهكذا قضاياً، أعتقد حسب رأيي كمتابع لمشروعات كنانة الجديدة أنها ستذهب للولاية الشمالية، البيئة الآمنة والصالحة للاستثمار بكافة أنواعه متوفرة الآن بالشمالية، تعاني كنانة بولاية النيل الأبيض مضايقات جمة لن تحفزها على ضخ المزيد من المشروعات بالنيل الأبيض بالتالي الشمالية أنسب خيار لتتمدد الشركة الكبيرة في مشروعات الدواجن التي لها فيها باع وخبرات أيضاً إنشاء مصنع لإنتاج الإيثانول من البامبي وهي تجربة جديدة دخلتها كنانة قبل عامين عقب نجاحها في إنتاج الإيثانول من مخلفات قصب السكر، اجتماع الوالي والعضو المنتدب لكنانة ستعقبه نتائج مذهلة تعود بالنفع على إنسان الولاية الشمالية والسودان وكنانة.
غادرت الشمالية وقد رأيت رأي العين دنقلا المدينة التاريخ وكرمة النزل وأرقو والبرقيق والسليم وود نميري والصحابة والغابة والقولد والغدار والملتقى، تعرفت على مجتمع فريد بأخلاقه وسلوكه المتحضر واحترامه للضيف ولي عودة لبلاد الملوك إن كان في العمر متسع بإذن الله.