دكتور ياسر أبّشر يكتب: التصوير والتدوير

 

كاتبان سودانيان بلغت بهما قدراتهما الإبداعية درجة تمكنهما من اختصار ما يكتبه الآخرون في مقالة كاملة في عبارات وجيزة كاشفة خارقة حارقة. كلمات قليلة لها قوة وفعل الكاريكاتير. هذان الكاتبان هما الأستاذ حسين ملّاسي والاستاذ محمد عثمان إبراهيم.
ويبهرك محمد عثمان إبراهيم بقوة عارضته وفصاحته في الانجليزية. وثقتي في وطنيته الفياضة.
كتب محمد عثمان إبراهيم أن الذين يريدون أن يفهموا سبب رعب الساسة السودانيين من إدانة العدوان الإثيوبي أن يبحثوا قصة الصحفي الراحل أحمد طيفور مع القنصل الإثيوبي ترقي. وأضاف إن “الناس الكانوا بيحضروا ورش العمل في راديسون بلو أديس ما بيقدروا يفتحوا بوزهم”!!! هكذا
وحقيقة فالأستاذ المبدع لم يبعد النجعة، بل أصاب كبد الحقيقة.
وأضيف إليهم الذين تدربوا في دبي وفي القاهرة، بل الذين يكثرون من الذهاب إلى كل تلك المدن من الساسة والناشطين ولا يقدّرون لأرجلهم قبلُ الخطو موضعها!!! وانت تفهمني عزيزي القارئ الكريم.
ألّفَتْ الممثلة المصرية اعتماد خورشيد كتاباً عن انحرافات جهاز المخابرات المصرية زمن عبد الناصر والذي كان يرأسه صلاح نصر، وتحدثت عن إجبار صلاح نصر لزوجها على تطليقها ليتزوجها هو، بل والشهادة على عقد الزواج. وتحدثت في كتاب آخر عن انحرافات صفوت الشريف الذي كان نائباً لصلاح نصر.
عفى السادات عن كليهما، وأعاد صفوت الشريف للحياة السياسية، وتدرج الشريف في المناصب وشغل منصب رئيس مجلس الشعب ، وزارة الإعلام زمناً.
كان لصفوت الشريف وهو ضابط أمن إسم كودي وهو “موافي”، وكان مسؤولاً عن قسم السيطرة Control، وفي وقته ذاك استطاع بالفعل السيطرة على زعماء ومسؤولين عرب ومن بينهم سودانيين!!!
حدثني وزير إعلام سوداني أنه زار صفوت الشريف في مكتبه، وأنه ذُهل لجُرأة الشريف وتحدُّثه بطريقة استعراضية عن قدرته على السيطرة، بل وأخذه لغرفة ملحقة بمكتبه حيث قدم له عرضاً عن قدرته على رؤية ما يدور داخل غُرف بعض الفنادق الفخمة من تلك الغرفة المليئة بشاشات العرض!!! وفي زمنٍ أتاحت التقنية فيه أن تكون عدسة الكاميرا بحجم مسمار صغير ويُموّه بلون السطح الذي يبرز منه أصبح ممكناً وضعها في مرآة الغرفة أو مفتاح النور أو مقبض الباب ومن ثم تصوير كل شيء، ليبدأ بعدها الابتزاز.
وأعرف شخصياً مَنْ وقع في براثن المخابرات المصرية وأُخضع للابتزاز وجُنّد، ودخل في حالة من الإحباط النفسي كادت أن تسبب له انهياراً عصبياً، ولكن ضميره استيقظ بعد حوالى عامين فهرب لينجو بجلده وعقله ونفسياته.
على أن قوم قحت ماتت ضمائرهم، وران على قلوبهم ما كانوا يتجسسون. مردوا على العمالة حتى ما عاد يستفزهم ما يسمعونه من الذين جندوهم. فأعرف من وصفه مسؤول أماراتي “بالخنيث” مع الاعتذار للقراء الكرام، وما أنا هنا إلّا ناقل. وصفه بكل هذا القبح ولا زال يعمل معهم لعلمه أنه “مصوّر” للأسف الشديد. وبالتصوير يجري تدوير المُصَوَّر أنى شاء المُصَوِّر.
وما كان للتصوير من دور ، كذلك للمال دور كبير ، واعترفت به نائبة مدير المعونة الأمريكية وكتب كاميرون هيدسون وآخرون عنه ، وتقوم المنظمات والسفارات بدور التسليم للعملاء .
ومثل ذلك الذي وصفه الإماراتي بالوصف القبيح في ميتة القلب واهتراء الضمير ذلك الوزير القحتاوي الذي أخضعه الحبش للتفتيش الشخصي وجردوه من ملابسه في المطار – عدا ملابسه الداخلية – وهو وزير، فلم يستطع أن يعترض أو يحتج لأسباب هو يعرفها ويعرفها كثيرون. لهذه الدرجة من الهوان وصلوا بالسودان.
إن الإنسان ليأسى حين يجهر جاهل نذل متفاخراً – في غير مفخرةٍ – أنه سيذهب للسفارات سفارة سفارة، والحكام لا يضربون على يده بالقانون، حتى غدت السفارات مَحَجّةً لكل عميل يطوف بها جهاراً نهاراً.
ولمّا رأيت شباباً دون العشرين وهم يعتمرون خوذات، وعلى وجوههم أقنعة غاز ويتسلحون بمئات الدروع المصنعة، أيقنت أن ما كُتب عن مئات ألوف الدولارات وزعتها السفارات على القحاتة صحيح، وإلّا فمن أين لهؤلاء الأغرار بكل هذه الواقيات!!! ولما رأيتهم يهجمون على الشرطة والجيش بكل تلك العدوانية، وآخرين يقفزون من الكبري حتى تتكسر اقدامهم أو يقفزون في النيل، تأكد لي أن كل واحد منهم “راسو ما حلو”!!!! فمن تلك الألوف جرى شراء ما يلعب بالرؤوس ويطيش بالعقول ويدمر مستقبل أولادنا.
لقد ثبت أن التجسس والدعارة صِنْوَان. كلتاهما تستعبِدُ مقارفها لا يقوى فكاكاً منها. ومثلما تصل العاهرة إلى درجة الجُرأة، كذلك بلغت الجرأة بالعملاء السودانيين حداً جعلهم يدافعون عن قتل جنودنا والتشكيك في بيانات الجيش، ودون مراعاة حتى لمشاعر ذويهم المكلومين. وتحدث نكرات أوغاد حول هذا ، بل إن صحيفة “الجريدة” اليسارية الهوى كتبت تثير الشكوك والرّيَب حول ذلك الغدر الإثيوبي الأثيم. وللحقيقة فلولا ضعف الحاكم لما وَلَغَ هؤلاء الآثمون في آنية العمالة القذرة.
الذي أنا على يقينٍ منه أن من يقف مع العدو في حرب تخوضها بلده تعامله الدول معاملة العدو المحارب. هذا ما عليه العمل في كل الدنيا إلّا في بلدنا المكلوم.
وشكراً للمبدع الألمعي محمد عثمان إبراهيم أن نبهنا لمواطن الخلل بل الخِزي لدى هؤلاء المخجلين .
لك الله يا وطني.

Comments (0)
Add Comment