تواصل رحى الحرب دورانها في أوكرانيا منذ أشهر، وسط غياب مؤشرات عن قرب إنهاء روسيا لعملياتها العسكرية في البلد المجاور، بينما يخشى العالم تبعات اقتصادية كارثية من جراء استمرار المواجهة.
وبينما تستمر المعارك، تثار الأسئلة حول الصيغة التي ستنتهي بها الحرب في أوكرانيا، في حين قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن، قبل أيام، إن العمليات العسكرية ليست مرتبطة بوقت معين، وهو ما يعني أنها مستمرة إلى حين إحراز موسكو لأهدافها.
في هذا الصدد، يقدم مايكل أوهانلون، وهو مدير البحوث في برنامج السياسة الخارجية التابع لمعهد “بروكنغز”، سيناريوهات بشأن نهاية الحرب في أوكرانيا.
يقول الباحث في مقال بـ”واشنطن بوست”، إنه مع كل يوم حرب، يسقط المئات من القتلى، بينما تتفاقم أزمة التضخم والطاقة، وسط تهديدات متبادلة بين الغرب وموسكو.
ويقر أوهانلون بأن وضع حد للحرب الحالية مهمة صعبة “لكن لا ضير في المحاولة”، قائلا إن المطلوب هو أن تقرر أوكرانيا بشأن مصيرها، بعيدا عن إملاءات الولايات المتحدة وحلفائها.
لكن الباحث يقر بإمكانية مساهمة الغرب في إنهاء الحرب من خلال اقتراح “أفكار خلاقة”، استنادا إلى مجريات التاريخ والتجارب الجماعية.
الهدنة أولا
يوضح الأكاديمي الأميركي أن أي تقدم نحو السلام يمر حتما عبر وقف إطلاق نار، كأن يحدث ذلك في الصيف الحالي أو الخريف المقبل، في ضوء الخطوط الحالية للمعركة.
وفي حال جرى التوصل إلى هدنة في ضوء الوضع الحالي، فإن ذلك يعني أن روسيا ستحتفظ بالسيطرة على أغلب المناطق الأوكرانية التي تضع عليها اليد في الوقت الحالي، وأغلبها في الشرق وشبه جزيرة القرم، إلى جانب الممر الذي يربطهما.
وإزاء هذه الصيغة، لن يكون ثمة اتفاق بشأن حدود دائمة، بينما سيبقى الموقف الغربي على حاله، معترفا بحق أوكرانيا في الأراضي التي انتزعتها روسيا.
رهان على الزمن
يرى الباحث أن الموقف الغربي سيعكس تشبثا بالأمل في أن يأتي خليفة لبوتن يرى الأمور على نحو مختلف وربما يعيد الأرض إلى أوكرانيا، كأن يحصل ذلك بعد سنة 2030، عندما يكون الرئيس الروسي الحالي قد غادر السلطة على الأرجح.
وإلى ذلك اليوم، أي إلى حين إقدام موسكو على تنازلات، فإن البلاد ستظل تحت وطأة العقوبات التي فرضتها الدول الغربية منذ انطلاق العمليات العسكرية بأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي.
في غضون ذلك، يمكن للغرب أن يبقي على العقوبات الحالية المفروضة على روسيا، لكن دون لجوء إلى تشديدها، من أجل إفساح المجال أمام التوصل إلى هدنة في أوكرانيا.
ويشير الباحث الأميركي أيضا إلى احتمال نشر قوات حفظ سلام دولية، وعندئذ، سيجد بوتن نفسه محرجا من العودة إلى شن هجمات، لأن العنف قد يودي بحياة أفراد من قوات تنتمي إلى عدد من دول العالم، حتى وإن كانت قوات حفظ السلام غير قادرة على وقف هجمات روسية محتملة.
حل على مضض
يقول الخبير الأميركي إن أوكرانيا قد لا تكون جاهزة في الوقت الحالي لتقبل بهذه الترتيبات، لكن كييف قد تغير رأيها بعد أسابيع أو أشهر من القتال والمحاولات “اليائسة” لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، رغم وصول مساعدات عسكرية مهمة من الدول الغربية مثل أنظمة المدفعية البعيدة المدى “هيمارس”.
وإذا توصلت روسيا وأوكرانيا إلى وقف لإطلاق النار، فإن الطرفين قد يبدآن محادثات بشأن حل طويل الأمد، وهو أمر قد لا يتم على المدى القصير، بحسب الباحث الذي يؤكد ضرورة مواصلة الدعم المادي لأوكرانيا، موازاة مع الإبقاء على العقوبات المفروضة على روسيا.
في هذا المنحى، كان وزير الخارجية الأميركي السابق، هينري كيسنجر، قد ألمح إلى أن اتفاقا من هذا القبيل يحتاج إلى تنازلات من أوكرانيا على جزء من أراضيها، وهو رأي أثار جدلا كبيرا.
ولتقرير مصير بعض المناطق في أوكرانيا، يتحدث الباحث الأميركي عن خيارات مثل إجراء استفتاء حتى يقرر الناس من تؤول إليه السيادة، وعندئذ، سيقرر المصوتون ما إذا كانوا سيبقون في أوكرانيا أم ينضمون إلى روسيا، أو يصبحون مستقلين.
يوضح الخبير أن هذا الاستفتاء لن يجري على غرار ما فعلت روسيا في شبه جزيرة القرم بعد سنة 2014، بل المطلوب هو أن يكون برعاية ومراقبة دوليتين، على أن يشارك من كانوا يعيشون في المنطقة ثم اضطروا إلى النزوح عنها، وهناك تجارب مماثلة حصلت سابقا في كوسوفو وتيمور الشرقية وجنوب السودان.
الخيار الثاني، بحسب الباحث، هو إنشاء مناطق مستقلة، في نقاط متنازع على سيادتها بين روسيا وأوكرانيا، وهذه الفكرة يمكن تطبيقها في ماريوبول ومناطق أخرى تشكل ما يشبه جسرا بريا بين شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.
وفي سيناريو ثالث، يبدو صعبا، يمكن أن تحصل التهدئة، بينما يظل الوضع المتوتر على حاله، أي أن تظل روسيا مسيطرة على أراض أوكرانية، بينما تواصل كييف مطالبتها بتلك المناطق، في انتظار بدء مفاوضات من شأنها أن ترسم الحل مستقبلا.