لا سلاح سوى الإدانات بوجه العنف ضد متظاهري السودان

أعلنت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) أنها تعد لعصيان مدني شامل بعد عيد الأضحى، في وقت خيم فيه الحزن على قطاع عريض من الشعب السوداني نتيجة لعمليات العنف المفرط والانتهاكات الصارخة التي صاحبت تظاهرات 30 يونيو (حزيران)، التي شارك فيها عشرات الآلاف من السودانيين في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بإنهاء الحكم العسكري، وأدت إلى مقتل تسعة متظاهرين وعشرات المصابين في مدن العاصمة المثلثة (الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان) باستخدام الرصاص الحي والمطاط والدهس بالمركبات العسكرية، اختصر المجتمع الدولي من منظمات ودول غربية دوره في وقف هذه العمليات الوحشية بإصدار بيانات الإدانة والاستنكار والشجب، من دون تدخل حاسم عبر قرارات قوية بحسب قانونيين سودانيين.
فهل تكفي هذه الإدانات لوضع حد لعمليات العنف الذي تمارسه قوات الأمن السودانية ضد المتظاهرين، أم هناك وسائل وآليات أخرى يجب اتباعها في هذا الشأن؟
سقوط ورقة التوت
يوضح عضو اللجنة السياسية في “تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين”، محمود الشيخ، بالقول “إن الآليات الدولية هي آخر الآليات التي يمكن اللجوء إليها لوقف العنف المتبع بحق المتظاهرين السلميين من قبل أجهزة الأمن السوداني، لكن بنظري يقع على الشعب السوداني الواجب الأكبر في كيفية مقاومة انقلاب 25 أكتوبر وما يمارس من عنف بالطرق والوسائل السلمية. وأعتقد أن ما جابهته مواكب 30 يونيو من عنف مفرط وممنهج تكون ورقة التوت الأخيرة قد سقطت واستبانت عورة الانقلابيين تماماً”.
وأشار الشيخ إلى أن “الوضع الماثل على ضوء ما حدث في مليونية الخميس، يتطلب ضرورة إيجاد خطط بديلة ممثلة في العصيان المدني بأن يكون طوعاً وجبراً، وذلك من خلال النداءات المكثفة بالتزام الجميع بقرار العصيان، إلى جانب تتريس كل الشوارع الرئيسة والفرعية بإقامة حواجز ضخمة بالأحجار، وذلك لشل حركة الدولة من جميع الجوانب، الأمر الذي يجبر المؤسسة العسكرية على التحرك نحو التغيير بإجبار القائمين على الأمر بالتنحي”.
ولفت عضو اللجنة السياسية في تحالف المحامين الديمقراطيين السودانيين، إلى أن “اللجوء إلى المجتمع الدولي لن يسقط نظام العسكر بقيادة البرهان، إذ لكان أسقط نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي ظل حاكماً لمدة 30 عاماً، حيث كان يلعب معه الشطرنج بتقديم التنازلات والتحايلات، ومعروف أن المجتمع الدولي أياً كان تشدده فهو يبحث عن مصالحه وليس مصالح الشعوب، بخاصة شعوب العالم الثالث”.
حقد وتشفٍّ
في السياق، قال مدير معهد السودان للديمقراطية، المحامي الصادق علي حسن، إن “مسألة الإدانات هي شكل من أشكال التعبير، لكن لا بد من خطوات عملية من قبل الجهات العدلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة تجاه التجاوزات التي حدثت بحق المتظاهرين منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) باستخدام الأجهزة الأمنية العنف المفرط بل الرصاص الحي ما أدى إلى مقتل 112 متظاهراً حتى الآن، ففي اعتقادي أن القضاء والنيابة في بلادنا غير مؤهلين للقيام بأي دور يحفظ حقوق أبناء الشعب المتضررين من السلطة الانقلابية أياً كان شكل الضرر لأنهما مجرد أداة تحت إمرتها، بالتالي فإن الحصول على البينة وتقديمها في ظل وضع قانوني غير سليم يعتبر مشكلة حقيقية”.
وبين حسن أن “النظام العدلي في السودان يعاني أعطاباً، لذلك ليس أمام الناس غير الاتجاه إلى القضاء التكميلي والمؤسسات العدلية الدولية بخاصة المحكمة الجنائية، وهناك فريق قانوني يدرس هذه الخطوة، حيث يقوم الآن بجمع البيانات والوثائق الخاصة بالجرائم التي ارتكبت خلال فترة الانقلاب”، مؤكداً أن “التعامل وفق الشكل التقليدي أصبح غير مجدٍ، لأن النيابة باتت عاجزة تماماً وغير قادرة بأن تقوم بأي شيء من شأنه يقود إلى العدالة المطلوبة، بل لا يوجد ضمان بأن تكون هناك إجراءات سليمة تصل إلى المحاكم”.
واستنكر مدير “معهد السودان للديمقراطية”، “الممارسات غير اللائقة وغير الأخلاقية من قبل القوات الأمنية في تعاملها مع القتلى والمصابين من المتظاهرين بصورة غير إنسانية، ما يعبر عن مأساة حقيقية تدل على الحقد والتشفي سواء من الأفراد أو من ضباط الفرق المكلفة القمع”، مشدداً على أنه “في حال عدم تدخل المجتمع الدولي في وقف هذا العنف ستحدث فوضى لا محال، لأن الوضع أصبح لا يحتمل من الأطراف جميعها”.
الفصل السابع
وبدوره، أفاد المحامي السوداني، تاج الدين صديق، بأن “ما يمارس من عنف بهذه الطريقة البشعة، هو تصرف غير مسؤول ويقع تحت طائلة الجرائم ضد الإنسانية، والغرض من ذلك معروف هو إسكات صوت الشارع، بخاصة أن كل الإصابات في مواقع قاتلة كالرأس والصدر والعين والكتف، لكن لم يدركوا أن هؤلاء الشباب الذين يخرجون في هذه التظاهرات بشكل عفوي ومتواصل قد كسروا حاجز الخوف، ومن المؤسف أن المجتمع الدولي كان أن التزم بحماية المتظاهرين من عمليات القتل والعنف المفرط، فظل يصدر في بيانات الإدانة والشجب فقط، من دون إصدار أي قرارات حاسمة، ما جعل نظام البرهان يتمادى أكثر في جرائمه غير مكترث لأي تهديدات من ناحية العقوبات التي يمكن أن تطاله”. وأضاف صديق، “في اعتقادي أن ما يحدث في البلاد من انتهاكات خطيرة يحتاج إلى تدخلات دولية سريعة لحماية الشباب العزل من بطش القوة العسكرية، بخاصة أن هؤلاء المواطنين يطالبون بحقوق مكتسبة وهي الحرية والعدالة، وهذه المطالب أصبحت على مسمع ومرأى الجميع، حيث اتسعت رقعة التظاهرات لتشمل كل مدن السودان، بالتالي لا بد من وقف هذه التجاوزات الخطيرة وإلا سيصل الأمر إلى تطبيق الفصل السابع من قبل مجلس الأمن. فليس من المعقول والمنطق أن يتحدث رئيس القضاء عن محاكمات ميدانية للذين يخرجون عن القانون ويخربون مؤسسات الدولة حسب قوله، بيد أنه لا يتم التحري في كل جرائم القتل التي حدثت خلال التظاهرات”.
وتابع المحامي السوداني، “المشكلة في استمرار عمليات العنف الوحشية، تكمن في تورط المكون العسكري في قضايا عدة بخاصة مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة التي حدثت في مطلع يوليو (تموز) 2019 وراح ضحيتها نحو 130 قتيلاً، وكذلك جرائم القتل الحالية التي وصلت إلى 112 قتيلاً منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر، لذلك تجد العسكريين يتعللون بأسباب غير واقعية ومستحيلة في تسليم السلطة للمدنيين، كما أنهم يراوغون ويحاولون أن يستفيدوا من تناقضات المجتمع الدولي الذي في نظري يمسك العصا من الوسط”.
إحقاق العدالة
وكان أن سارعت منظمات ومفوضيات دولية عدة، ودول غربية بإدانة حوادث القتل التي تعرض لها المتظاهرون السودانيون، الخميس 30 يونيو، في مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، حيث أعربت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليه عن قلقها حيال مقتل تسعة متظاهرين في الأقل، بينهم طفل، مطالبةً بـ”تحقيق مستقل”.
وقالت باشليه في بيان، “أطلب من السلطات إجراء تحقيق مستقل وشفاف ومعمق وغير منحاز في شأن رد قوات الأمن، انسجاماً مع المعايير الدولية السارية”، مشددةً على أن “من حق الضحايا والناجين وعائلاتهم معرفة الحقيقة وإحقاق العدالة والحصول على تعويض”. وأضافت باشليه أنها “شعرت بالقلق” لمقتل تسعة أشخاص بينهم فتى يبلغ 15 عاماً، بعد أن أعلنت الشرطة “أنها لن تستخدم القوة الفتاكة لتفريق المتظاهرين”.
وتابعت باشليه، “حتى الآن، لم يتم تحميل أي شخص مسؤولية هذه الوفيات”، مشيرةً إلى تقارير تفيد بأن “قوات الأمن المشتركة استخدمت الذخيرة الحية وكذلك الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين”. وأضافت، “بحسب مصادر طبية، فإن معظم القتلى أصيبوا في الصدر والرأس والظهر”.
ونددت المسؤولة الأممية باعتقال ما لا يقل عن 355 متظاهراً في جميع أنحاء البلاد، من بينهم 39 امرأة و”عدد كبير من الأطفال”. وشددت على أنه “لا يسمح تحت أي ظرف من الظروف باستخدام القوة لردع أو ترهيب المتظاهرين عن ممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، أو تهديدهم بالأذى بسبب القيام بذلك”، موضحة أن “القوة المميتة هي إجراء أخير وفقط في الحالات التي تشهد تهديداً وشيكاً بالموت أو الإصابة الخطيرة”.
استئناف المفاوضات
من جهتها، دعت سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم جميع الأطراف في السودان لاستئناف المفاوضات. وقالت في صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، إنها تدعو الأصوات السلمية إلى الارتقاء فوق أولئك الذين يدافعون عن العنف أو يرتكبونه، وأنه “يجب محاسبة الجناة”. وتابعت، “نشعر بالحزن إزاء الخسارة المأساوية في الأرواح باحتجاجات الخميس، ونعرب عن خالص تعازينا لأسر الضحايا”.
تحقيقات شفافة
كذلك حضت السفارة البريطانية في الخرطوم، السلطات السودانية على “إجراء تحقيقات كاملة وشفافة في جميع عمليات قتل المتظاهرين منذ 25 أكتوبر”، مؤكدة أنه “يجب أن يتوقف الإفلات من العقاب والقتل”. وقالت في بيان لها، “لقد روعتنا الخسائر في الأرواح في احتجاجات 30 يونيو”. وناشدت السفارة البريطانية “جميع أصحاب المصلحة السودانيين الاستماع إلى التطلعات التي أعرب عنها المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد من أجل السلام والعدالة والديمقراطية، لا ينبغي فقدان المزيد من الأرواح”.

Comments (0)
Add Comment