عادل عسوم يكتب : ابتذال مصطلح (شهيد) من قبل اليسار

لاحظت مسعى حثيثا لابتذال بعض المصطلحات الاسلامية واستغلالها للتكسب السياسي في معمعة التكالب على السلطة خلال هذه الفترة الانتقالية من حكم السودان، ويظهر ذلك جليا ان كان في لغة الهتاف خلال التظاهرات الحالية، أو في أدبيات الحديث كلما قتل متظاهر في المواجهات مع العسكر.
ومن هذه المصطلحات كلمة شهيد، فمن هو الشهيد؟
بحثت عن توصيف الشهيد فوجدته مصطحا (دينيا) في الأصل، ولكن تم استغلاله سياسيا كذلك ممن لاهم لهم ولا انشغال بالأديان، حيث تفيد المصادر التاريخية والأنثروبولوجية بأن لفظ الشهيد معهود حتى عند الأديان غير السماوية مثل السيخ والهندوس وكذلك البهائيين، وقد وجدته من قبل ذلك عند التونغمينغهوى والكومينتانغ الصينييين، ويعنون به الإشارة إلى الذي قُتل من أتباعهم خلال ثورة شينهاى.
ولعل أصل الكلمة بمعنى شهيد إغريقي وهو: (martys – الشهيد) وجمعها شهداء مارتيروس (martyros)، ومنها تفرعت إلى اللاتينية المتأخرة فتمت كتابتها باختلافات طفيفة مع اختلاف طريقة النطق المتباينة بين الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية والإسبانية، فيما احتفظت اللغة الإنجليزية المعاصرة بكلمة (martyr) التي كانت قبل 900 الميلادية تكتب (marter)، ثم تطورت في العصور الوسطى إلى (martiren)، فيما كانت الإنجليزية القديمة تكتبها بصورة مختلفة (martyrien).
والاجماع واضح بأنه الكلمة قاصرة على الدلالة على الذين قُتلوا دفاعاً عن معتقداتهم.
وكذلك الحال في الديانات السماوية الثلاث، اذ في اليهودية يطلق لفظ قدوش هاشم (تقديس اسم الله) على الأعمال التى ترضى الله وتقرب اليهودي منه، ويعتبر تعبير التضحية بالنفس من أجل الديانة اليهودية إحدى أهم ركائزه الأساسية لديهم،
وتشير المصادر إلى أن لفظة قدوش هاشم (أى الشهيد) تطلق غالبا على القتلى اليهود فى حروبهم الأولى والتى تلتها ضد الرومان، كما يطلقونها على الذين تم قتلهم لأسباب دينية على مر العصور.
وفي المسيحية يطلق مسمى شهيد على كل من قتل بسبب تبشيره بالديانة المسيحية أو إيمانه بها، وتطلق لفظة شهداء الكنيسة على المسيحيين الأوائل الذين تم اضطهادهم عن طريق الرومان أو البارثيين، فهى الفعل الذى يموت به أو يُقتَل به المسيحي وهو ما يجعل منه شهيداً. وحسبما ذكر موقع “الانبا تكلا” فإن الكنيسة تتشفع بالشهداء وهذه عقيدة إيمانية إنجيلية تمارسها الكنيسة الجامعة من البداية، وفى طقس الكنيسة تذكرهم الكنيسة فى التسبحة والسنكسار والدفنار وفى تحليل الكهنة فى صلاة نصف الليل وفى صلاة رفع بخور عشية وباكر وفى القداس، وتحتفظ الكنيسة برفات الشهداء وتضع أيقوناتهم وتحتفل بتذكار استشهادهم سنويًا.
وفى التقاليد المسيحية هناك العديد من الشهداء البعض منهم تم إضفاء صفة القداسة عليهم، وهم الآن يلقبون بالقديسين.
نخلص من هذا الاسهاب بأن كلمة شهيد مصطلح (ديني) وليس عام، وحتى أن تم استغلالها من قبل جماعات لاهم لهم بدين فإن المعنى الديني من حيث التقديس الكامن في الكلمة يكون مستصحبا بقصد او دون قصد.
وفي الاسلام فإن
كلمة شهيد لم تذكر بصيغتها اللغوية ومعناها المتعارف عليه إلا في آية واحدة وهي:
{وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا}. النساء 72
ولكن ورد المعنى للشهادة في العديد من الآيات ولكن بصيغة (القتل) في سبيل الله، وقد وعد الله تعالى من يقتل في سبيله/يستشهد مغفرة ورحمة كاملة لا ثواب بعدها إلا الجنة، وعليه ترتبت أحكام فقهية على طريقة التعامل مع الشهيد من حيث الغسل والكفن والفن بخلاف الذي يموت على فراشه، قال تعالى: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون}. آل عمران 157
ثم جاءت السنة النبوية الشريفة ليوضح لنا نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجلاء حال الشهيد من يكون ومواصفاته، فالشهيد في الاسلام هو الذي الذي يقتل أثناء الحرب مع العدو، سواء أكانت المعركة جهاد طلب أو جهاد دفع، وقد ذكر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بأن: (من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد)، وكذلك الغريق والحريق وذات الهدم، وموت الغربة، والمبطون، والمطعون الذي مات بالطاعون، وغير ذلك مما ورد في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد رحمه الله.
وعنْ أبي هُرَيْرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (الشُّهَدَاءُ خَمسَةٌ: المَطعُونُ، وَالمبْطُونُ، والغَرِيقُ، وَصَاحبُ الهَدْم وَالشَّهيدُ في سبيل اللَّه)
متفقٌ عليهِ.
وعنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: (مَا تَعُدُّونَ الشهداءَ فِيكُم؟)، قالُوا: يَا رسُولِ اللَّهِ مَنْ قُتِل في سَبيلِ اللَّه فَهُو شهيدٌ. قَالَ: (إنَّ شُهَداءَ أُمَّتي إذًا لَقلِيلٌ)، قالُوا: فَمنْ يَا رسُول اللَّه؟ قَالَ: (منْ قُتِل في سبيلِ اللَّه فهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في سَبيلِ اللَّه فهُو شهيدٌ، ومنْ ماتَ في الطَّاعُون فَهُو شَهيدٌ، ومنْ ماتَ في البطنِ فَهُو شَهيدٌ، والغَريقُ شَهيدٌ).
رواهُ مسلمٌ.
وعن عبدِاللَّهِ بن عمْرو بن العاص، رضي اللَّه عنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: منْ قُتِل دُونَ مالِه، فَهُو شهيدٌ متفقٌ عَلَيْهِ.
وبالتالي فإن مصطلح شهيد في الاسلام مرهون بالغاية التي يموت أو يقتل لأجلها المسلم، ومن مات او قتل لأمر آخر لايتضمن تلك الغاية فلن ينال شرف الشهادة في الاسلام،
والدليل على ذلك الآتي:
عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فُلاَنٌ شَهِيدٌ. حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: (كَلاَّ. إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ. فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا. أَوْ عَبَاءَةٍ). ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: (يا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ) قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: «أَلاَ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ».
رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد فأتي به، فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، فقال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه، حتى ألقي في النار.
ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار).
رواه مسلم
السؤال:
هل عندما أموت وتكون النتيجة عودة الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة، والذين كانوا يسعون حثيثا لالغاء المفهوم الاسلامي للفوارق بين الذكورة والانوثة وماترتب عليه من تشريعات اسلامية في شأن المواريث وغيرها، وابدال ذلك بتوحيد (النوع) -وقد تم تعيين مستشارة لرئيس الوزراء حمدوك يقتصر عملها على ذلك-، هل ان قتلت لأجل عودة هؤلاء إلى الحكم سأكون شهيدا؟!
وهل إن قتلت في تظاهرة ترفض حكم الجيش خلال فترة انتقالية أكون شهيدا؟!
ما الضير في ان يشارك الجيش في حكم فترة انتقالية قد حكمها (منفردا) ولأكثر من مرة في تأريخ السودان الحديث ثم سلم السلطة بكل أمانة وسلام إلى انتخابات؟!
وهو الآن قد تراضى على مشاركته حتى الذين يحشدون الشباب الآن للتظاهر ضدهم، ويملون عليهم لاءات ثلاث؛ منها رفض مجرد الحوار مع الجيش، وإذا بهم يحاورونه بليل!، ما الذي يضيرني في ديني عندما يشارك الجيش في حكم الفترة الانتقالية الحالية، أو في معاشي او تعليمي وعلاجي كي ألقي بنفسي إلى التهلكة وأموت في سبيل لاشيء مؤسسا ذلك على هتاف كاذب ومفهوم خاطيء بأن (حكم العسكر مابتشكر)؟!
هل كان حكمهم خلال فترتي الانتقال السابقتين مابتشكر؟!
ما المسوغ والمبرر الديني الذي يجعلني اظن بأنني سأكون شهيدا في سبيل الله عندما اخرج في مظاهرة يحتمل خلالها أن يتم قتلي ان كان من العسكر أو سواهم؟!
عن ماذا أدافع؟!
هاهو (صحابي) حارب في صف المسلمين، وبين يدي نبينا صلى الله عليه وسلم، قال عنه نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه ليس بشهيد!
ولا بارك الله فينا ان لم نقلها، فإن الشهادة في منهج اليسار من شيوعيين وبعثيين لاعلاقة لها البتة بمفهومها الاسلامي، والمسعى المحموم منهم لتحشيد الأبناء من خلال واجهاتهم من تجمع مهنيين ولجان مقاومة وقحت المركزي تلويحا بالشهادة بمفهومها الاسلامي؛ واهم من يصدقها، اذ في ذلك تغبيش وتلبيس على العقول، وخطر كبير على المتلقين من المحشودين من صغار السن والشباب، فمن يعلم حقيقة المصطلح ويمني النفس به وهو لايعلم المآلات الحقيقية لخروجه وتظاهره يجعله -بحسن نية- يندفع بحمية الشباب مستصحبا القيمة الدينية والوطنية للمصطلح، فليقي بنفسه إلى التهلكة، ويدع أمه وأبيه من بعده يعاقران الأحزان وقد يلحقان به نتاج وطأة آلام الحزن عليه وتبريحها!.
والحياة أثمن من أن يضيعها المرء منا في أمر لايستوثق منه، فإن كان الموت في سبيل الدفاع عن المسلمات التي ذكرها نبينا صلى الله عليه وسلم واثبت الشهادة في سبيل الله للذي يبذل نفسه لأجلها فلاضير، ولكن ادعاء أمثال وجدي صالح ورفاقه في الفضائيات (وهل أنا استمع إليه الآن في الجزيرة مباشر) بشهادة من يموت لأجل عودتهم للحكم وكونه استشهاد في سبيل الله؛ حري به وبهم ان يكونوا شجعانا ويقولون بأنهم يعنون بالشهادة هنا شهادة أخرى لاعلاقة لها بالاستشهاد في سبيل الله، فليقل وجدي بأنها شهادة في سبيل (حزب البعث العظيم الذي لايتحدث عنه إلا العظماء) كما قال ذلك خلال لقاء تلفزيوني طرفه الثاني ود أبوك في فضائية سودانية24!.
أسأل الله ان يحقن دماء الأبناء من كيد واستغلال اليسار وتجارتهم بالدين، وابتذال مصطلحات الاسلام لأجل التكسب السياسي والسعي للعودة إلى الحكم على دماء واجساد الأبناء والبنات.
الله المستعان.

Comments (0)
Add Comment