د.عبدالسلام محمد خير يكتب: تسامح العيد يفعلها وأكثر..(القضاء على خطاب الكراهية)

أجواء العيد غلابة..وكل عام وأنتم بخير..إنها(تشهي)الناس فى التسامح..من سنحت له فرصة ليسامح فى العيد وبعده فليسارع، فتح الله عليه..ليت الكل يسارعون ويستثمرون فى تسامح العيد(الجاب الناس)قبل أن تعاودهم تباعدات ما قبل العيد،لا قدر الله..العيد يعمر النفوس فتنهال المشاعر..(الناس معيدة)..الكل يبادر بما يسر مما هو كامن فيهم بانتظار عيد يجبر الخاطر فتنقشع غمة رانت فى النفوس لسبب أو لآخر..(الدنيا عيد)خطاب مختلف،متسامح،والدليل الإعلام فى العيد..كل القنوات غيرت برمجتها فجعلت فى الأمر فسحة للإستبشار،كذلك الاذاعات و(القروبات)والبصات السفرية و(طيارة العيد)والقطار أيام(على المك)حيث هو ليس قطارا، بل(نية المسافر)..قطار عيد وأشواق وعشم(وكنت نسيت محطاتك)!..ذكريات تباركها الأكف، تنهل من كل معين(اللهم إجعل حال السودان أحسن حال).

إنها على كل لسان..تفاجئك وسط نداءات الحجيج وأذكار العشرة الأوائل من ذى الحجة،بشريات يوم عرفة،إلهامات صيام التطوع،أجواء صلاة العيد،وأنفاس زيارات الجيران(العفو والعافية)..لا تسمع ولا تري إلا ما هو منسجم مع الفطرة،يجدد المعنويات،يبشر بالقادم والأمور عصية..نتلفت،ماذا هناك؟!..إننا مازلنا(يانا نحنا..السودانيين)!..والحمد لله.
الكل مستعد ليسمع خيرا،يقل خيرا،ينضم لصف عمل الخير(وهو ماشى)..هل من مبادرات تستعصم بروح العيد هذه فتحسم الأمور؟..جهات بادرت،وأخرى تتأهب..فبينما كلمة(الكراهية)تداهم المنصات والمعنويات،أطلت مبادرات بروح(التسامح) قوامها(خيركم من يبدأ)..كلمة من القلب تطيب الخاطر..(جو العيد)؟!..شىء يحير،الناس ليسو هم!..ليتهم يبقونه بينهم،محصنا لأنفسهم من كل المشاحنات وبعض الظن بهذا(الأكسير)..التسامح .

أطلت حملة نشطة تلاحقت عبر عدة مؤسسات وعناصر فاعلة..أطلقها(المنتدى السوداني للتنمية الثقافية والإعلام)من منصة المجلس القومي للصحافة والمطبوعات،عنوانها(دور الإعلام فى القضاء على خطاب الكراهية)..خاطبها خبراء ومختصون يتقدمهم بروفسور على شمو،مؤكدين على(الدور الإيجابي للإعلام تجاه القضايا المجتمعية والوطنية)..إنداحت الفكرة،فالأجواء مهيئة بروح العيد وبالإعلام،معا، للإقدام فيما يصلح الحال..روح العيد تفعل ذلك،وأكثر..كنت أشفقت على منظمي هذه الحملة من ضخامة الهدف الذى حددوه(القضاء على خطاب الكراهية)لكني فوجئت بمبادرة أخرى تمضى أكثر..الخبر على شاشة التلفزيون(مركز نشر ثقافة السلام بالنيل الأزرق يدعو لتجريم خطاب الكراهية)..نعم،هكذا..إن الاعلام يجعل الصعب ممكنا،بمشاركة من صدقهم مجرب،يضربون المثل..تتجلى على هذا المنوال الأمثلة ميدانيا..الآن على الشاشات صور التصالح بين قبائل كانت تتحارب بفعل خطاب الكراهية لا غير فنراهم يتعانقون أمام العالم بكل بهاء الفطرة فيهم..لقد لعنوا إبليس الكراهية،فعيدوا.

إن أية بادرة لتبسم أحدهم فى وجه أخيه نداء مستجاب ما دام غايته(التسامح)فى مجتمع جبل على الفضائل والقيم التى مازالت محور الخطاب العام كما يبدو من كلمة والى النيل الأبيض فى العيد وهو يذكر بقيم التضحية من أجل الوطن و(يدعو لترسيخ مفاهيم التسامح وطي صفحة الخلافات السياسية)-كما ورد فى وسائل التواصل..ماذا لو بادرت وزارة الثقافة والإعلام لتستثمر فى هذه الأجواء فتطرح منهجا إعلاميا يكرس روح التسامح والتضحية،ويشنها حملة جماعية ضد الكراهية ليعود السودانيون كما كانوا، قبل الرقمنة؟.

الإعلام بذكاء وعبر ذات الرقمنة بإمكانه أن يفعل الكثير الإيجابي..بدء بتغذية الرسائل بمكارم المجتمع،فهي قبل القوانين و(اليد الباطشة)..لقد تكشف عالميا دور مواثيق العمل الاعلامي واخلاقيات المهنة كملاذ من الحرج الإجتماعي،فأصبحت(الأخلاقيات)هاجسا للنجاة من خطاب لا يشبه المجتمع..ظهرت دراسات لتأمين المسار من عواقب الإنزلاق فى فضاء مفتوح،منها(دليل أخلاقيات الصحافة فى العصر الرقمي)معولا على الشفافية والمصداقية والموضوعية والحياد وحماية المحتوى من تسلل خطاب الكراهية لإفساد لمجتمعات عبر مغريات وسائل التواصل،التى يعول العالم اليوم على دورها تجاه نبذ الكراهية بمواثيق مهنية وأخلاقية ظلت ملاذا للاعلام منذ عصر(حراس البوابة) إلى ظهور بدعة(كلنا رئيس تحرير)!.

يجرى حاليا البحث عن(حراسة ذاتية)قوامها ضمير الإعلامي..وحده الضمير، فالمدون(على كيفه)والبث المباشر(موضة)و(الحيادية)غاية الآمال..فماذا غير الضمير؟..إستوقفتني فى هذه الأثناء قناة عربية هاجسها الحياد والموضوعية والتشويق..فجعلت الأخبار الساخنة أشبه بسهرة منوعات تعد بالمفاجآت واللطائف..فبينما المشاركون(يتوثبون)ذهب إهتمام القناة لمداعبة مراسلتها فى الميدان إشفاقا عليها من نيران الحدث، فانتبهنا!..(نخلة)مورقة على شارع يحترق تدلى بحقائق!..خرج المذيع عن النص ليفيض عليها وزملائها بالثناء،فتقريرهم محايد برغم الظروف..هذه الملاطفة حشدت الشاشة بإلهامات التبسم الكامنة فى البشر برغم المشاحنات و(خطاب الكراهية)..إيماءة بالرضا كانت المدخل لشحذ المعنويات والتشويق والمعالجة..فلقد توجه المذيع محتفظا بتبسمه ليرجو ضيوفه المتوثبين بأن لا يعيدوا إتهامات معروفة،وأن يتجهوا للمعالجات،فالكل ينتظر مخرجا.

الأمر كان أشبه برجاء كوني لأهل السودان أن(تعالوا إلى كلمة سواء)..إختلفوا ما شئتم مادامت مصلحة البلاد العليا أولا..لا مجال لمتاهة عنوانها(خطاب الكراهية)..السودانيون يختلفون وديدنهم قيمهم(التى هي أحسن)وثقافتهم(إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)..فكيف تسربت مفردة(كراهية)إلى قاموس الخطاب السوداني؟!.لقد وجب(القضاء عليها)بل (تجريمها)-كما تواترت المبادرات..القصد خطاب عام أطرافه باقون على عهدهم القويم،يختلفون فى القاعات والمنابر ويتلاقون فى البيوت والمناسبات.
روح العيد وتجليات الإعلام وقيم المجتمع ومبادراته تعلي جميعها من مقام(الخطاب العام)فوق كل(مكروه) ولله الحمد..وكل عام وأنتم بخير،متراضون.

Comments (0)
Add Comment