أطلق إعلان قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) امتلاكه «سلاح مدرعات»، وتصريحاته التي أدلى بها أمام القوة المدرعة التابعة له في إقليم دارفور، سيلاً من التكهنات عن نوايا الرجل الذي يعتصم بدارفور منذ قرابة الشهر، وما إن كان لا يزال غاضباً هناك، أو أنه يرسل رسائل تتجه نحو عدد من صناديق البريد في الخرطوم والإقليم والمجتمع الدولي، وربما على رأسها «الجيش السوداني».
قال حميدتي أمام جنود من الدعم السريع متحدثاً لـ«وحدة مدرعات» تابعة له، إن قائدكم أصبح قائداً للمدرعات في السودان، قبل أن يعود متهكماً «أتكلم عن مدرعات الدعم السريع وليس مدرعات (تانية) أخرى»، وتابع «نحن ما عندنا مدرعات كبيرة، بل مدرعات خفيفة من نوع (BTR)، وهي بطبيعتها تستطيع مرافقة سيارات لاندكروزر المسلحة».
وتباهى حميدتي بقواته وبقدراتها وحرصها على إدامة أسلحتها بقوله «نشيد بكم إشادة كبيرة جداً لأنكم لم تقصروا، حافظتم على سلاحكم ليعمل بكفاءة عالية رغم أنه قديم»، وطلب منهم مواصلة التدريبات على كل أنواع الأسلحة، ووعد بحل مشاكلهم كافة، وأضاف مخاطباً قوات المدرعات «صبرتم صبراً لا يطيقه أحد، ونحن معكم ولن نقصّر، ولو أردتم دمنا لأعطيناكم إياه».
ووجّه الجنرال الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس السيادة، قواته لتكون على أهبة الاستعداد ومواصلة التدرّب، بقوله «لا نريد مشاكل، نحن نريدكم أن تتدربوا وتستعدوا وتكونوا جاهزين، والله لا جاب مشاكل»، وأضاف «نحن في الدعم السريع جاهزيتنا مية في المية»، لكنه لم يحدد لمن تستعد هذه القوات.
وتقليدياً، احتفظ الدعم السريع الذي أنشئ كقوة رديفة للقوات المسلحة السودانية عام 2013، بأسلحته الخفيفة الممثلة في عربات نصف نقل رباعية الدفع من طراز «لاندكروزر»، المسلحة بمضادات الدروع والطائرات من طراز «دوشكا» روسية وصينية الصنع، وبعضها مصنوع محلياً، إلى جانب الأسلحة الخفيفة، والتي استخدمها بمواجهة حركات التمرد الدارفورية وفي جنوب كردفان، وألحق بها هزائم كبيرة، خاصة قوات حركة «العدل والمساواة» في المعركة الشهيرة «قوز دنقو» قبيل سقوط نظام البشير.
وأثناء ثورة ديسمبر (كانون الأول) استجلب البشير هذه القوات للخرطوم لقمع الثوار وفض الاعتصام، لكن قائد الدعم السريع قرر الانحياز للثورة، ونشر قواته في كثير من المواقع العسكرية والمدنية في العاصمة الخرطوم، بل وسيطر عليها، وأسهم هذا الانحياز في إسقاط نظام الرئيس البشير. لكن الدعم السريع كان محل اتهامات، نتجت من العملية الدامية المعروفة بمجزرة «فض اعتصام القيادة العامة» التي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح ومخفي قسراً، وأشارت كثير من التقارير وصور الفيديو إلى ضلوع أعداد كبيرة من قواته في العملية.
ورغم أن الجريمة تمت أمام قيادة الجيش السوداني في الخرطوم وقيادات وحداته في حواضر الولاية، ورغم أن الجيش السوداني اعترف بالجريمة علناً، حينما قال عضو المجلس العسكري الانتقالي وقتها المتحدث باسمه الفريق أول شمس الدين كباشي «فضضنا الاعتصام وحدث ما حدث»، فإن الاتهام المغلظ بالضلوع في العملية توجه إلى حميدتي وقواته الدعم السريع ودق «إسفيناً» بينه وقوى الثورة، لكن الرجل ظل على الدوام «ينكر» المشاركة في الجريمة.
ومنذ تكوين قوات الدعم السريع، فإن صراعاً مكتوماً بينها وبين الجيش السوداني، ظل يُتداول بشكل واسع، لكنه ظهر بشكل صريح أول مرة في المحاكمة الجارية لضباط المحاولة الانقلابية التي أحبطت في سبتمبر (أيلول) 2021 بقيادة قائد المدرعات اللواء الركن عبد الباقي الحسن بكراوي، الذي ذكر ضمن تسريبات من المحكمة أن أحد الأسباب التي دفعتهم للمحاولة الانقلاب هو ما أطلقوا عليه «خطورة قوات الدعم السريع والحركات المسلحة، بوضعهم الحالي على القوات المسلحة».
وعلى الرغم من التصريحات المتتالية التي تصدر عن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بأن العلاقة بين الجيش والدعم السريع «سمن على عسل»، فإن مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية مولي في، تحدثت خلال زيارتها للسودان في يونيو (حزيران) الماضي، عن «قلق بلادها من انشقاق وشيك بين الجيش السوداني والدعم السريع»، قد ينتج منه انفجار الأوضاع في البلاد.
ولا يجد المراقبون تفسيراً لقيام الجيش السوداني بنصب سياج ضخم من الإسمنت المسلح على طول أسوار قيادته العامة في الخرطوم، ودعمه بسواتر ترابية ثقيلة، إلا إلى تحسبات من احتمالات اشتباك محتمل، ويستبعدون أن يكون الهدف منه إبعاد المتظاهرين السلميين، ويرجحون أنه تحسبٌ لمعركة محتملة مع «قوات مسلحة».
ويعتصم حميدتي منذ نحو شهر في إقليم دارفور بزعم إجراء مصالحات بين المجموعات الأهلية هناك، بيد أن تقارير تشير إلى أن الرجل نأى بنفسه عما يحدث في الخرطوم، وذهب إلى دارفور غاضباً بسبب خلافات عميقة مع قادة الجيش.
وكشفت تقارير إعلامية تم تداولها على نطاق واسع، أن «المدرعات» التي أشار إليها حميدتي في منطقة «الزرق» بولاية شمال دارفور، تعدّ من أقوى أسباب الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتقول إنها نحو 54 قطعة مدرعة من طراز (BTR) أرسلها الجيش للمشاركة في عمليات جمع السلاح، لكن قوات الدعم السريع «ماطلت» في إعادتها وفق الخطة المرسومة.
وكان حميدتي قد أكد في تصريحات سابقة، أنه سيبقى في دارفور ثلاثة أشهر قبل أن يعود للخرطوم؛ وهو ما أثار ويثير الكثير من علامات الاستفهام حول نوايا الرجل، خصوصاً أنه أشار في واحدة من مخاطباته إلى أنه سيبقى في دارفور رغم وجود الكثير من القضايا التي تستدعي وجوده في الخرطوم.
وعلى رأس تلك القضايا «شبح الحرب» التي أوشكت أن تندلع بين الخرطوم وأديس أبابا، وصمته عن الإدلاء بأي تصريحات بشأن ذلك التوتر الذي نتج من مقتل جنود سودانيين من قِبل قوات إثيوبية، وصمت قوات الدعم السريع وابتعادها عن ملف صراع الجيش السوداني والجيش الإثيوبي في منطقة «الفشقة» على الحدود المشتركة بين البلدين، مع كل هذا لا يُعرف إلى «بريد» مَن تتجه رسالة المدرعات…؟!