الفريد محمد أحمد – سليل الفرعون الأسود – الصفحة الأخيرة.

الفريد محمد أحمد – سليل الفرعون الأسود – الصفحة الأخيرة.

هي الرغبة، تلك الرغبة المتأصلة الصادقة النبيلة في التشبث بالقيم الحميدة المتوارثة، ومن ثم توريثها بذات الرونق للأجيال ،،،
هي رغبة: [ ماشين البلد، العيد الكبير بالذات عنده طعم تاني هناك، وغير طعمه مع الحيين، بنمشي ندي الفاتحة للميتين ونتذكر ونقول حاجاتهم السمحة ].
كان لصباح عيد الأضحى 2022 أن يكون فريداً ،، إلا وفي عز شمسه الساطعة ،، مرت علينا ساعاته معتمة ،، بمختلف الذكريات في رفقة الفريد بعانخي ،، فريد محمد أحمد عثمان.
رغم إيماننا واليقين الذي يتملكنا بأحقية اليوم الأخير ،،، فإن هذا الأسمر النحيل الفريد لن يخفف عنا الدمع غيابه ولن يزول الألم الغائر في أعماق النفس بفقدانِه.
فريد الذي أبكانا صمتاً، شاء له ولنا القدر الإلهي أن نديه الفاتحة ونقول حاجاته السمحة.
يُمكن لكل غريب من الوهلة الأولى أن يتعرف على سودانوية فريد ،، من طيب محياه وتواضعه الجم ومن إبتسامته في السلام عليكم، وكما لكل قريب من ذات الوهلة أن يتعرف على نوبيته ،،،،، في تلك السحنة، الملامح، الهدوء، الصبر، الأمل، الحب، والتي أُختُزِلت جميعها في حُسن وجهه الأسمر … وتلكم اللكنة العربية المتثاقلة، العزيزة على أنفسنا (المُكسر واحد) هي من العلامات الدالة على أصل موطنه ،،،،، ويجدر الذكر أن فريد كان متفرداً مجيداً للإنكليزية، الألمانية، الفرنسية، وبطلاقة فِطرية النوبية.
يمكنني المعادلة بوصف فريد، أنه ذاك الصوفي المُعتكف في محرابه ،،،،، من زاويته الفريدة جلوساً على الأرض منكباً على البحث والتدقيق في علم الآثار والتاريخ النوبي، ومن ثم مطلاً علينا بتلك الهالة المعرفية التي تشُد مُستمعيه ومُريديه ،،،
لم يكن الإعتكاف السبب أو سبيله الأول والأوحد في نشر معرفته! بل بفطنته وتراكم خبراته أينما وجدته أو تحدثت إليه، كان عند حُسن الظن، مغدقاً عليك بدُررٌ من أعماق النيل، وبعبقٍ لأزمنة تاريخية وشواهد لأمكنة جغرافية، قل ما تسمعها من غيره، هذا ما تميز به السليل الفريد.
جاب مشارق الأرض ومغاربها، أمريكا، كندا، سويسرا، ألمانيا، إنجلترا، فرنسا، أثيوبيا، مصر، دول الخليج، المغرب العربي، شرق آسيا، إلخ ….. مُعرفاً بالكيان النوبي، ناشراً لثقافتها، مؤكداً على هويتها في المؤتمرات والمحاضرات ووِرش العمل التي كانت تتم دعوته إليها بتلكم البلاد … حقّ لهؤلاء أن يرتووا الزمزم ،، وعاب علينا أصحاب الشأن تجرع العلقم ،،، لم ننهل من وعائه النابض طيلة العام كغيرنا، سوى القليل، ولم نوثق له حق التوثيق ويجد حقه الكامل، إلا من بعض تلك المقابلات الإذاعية والتلفزية .. وفي ذلكم نلوم أنفسنا كل اللوم وليس قليله،
فريد، لم تكن ضائقة الحياة له وعليه أحياناً، وما أخذه من إنهاكٍ أحياناً أخرى، إلا أن تتشكل في ثناياه روحاً متجددة تفيضُ حيويةً في سبيل الخير والسعادة له ولمن حوله .. إذ هو الفريد الذي هام بحب السودان، النوبة، دنقلا، آرتي قاشا … هو فريد الذي فتحت له كل أبواب الرغد هنا وهناك، قبل وأثناء وبعد أسفاره المتعددة ،، ورغماً عن كل التحولات كان يستأثر البقاء بقوله: [ أي إِن سِيوقُن إِن كُركُتيقن بِإسكي مُقمُن ]، نعم! هي أرض الرمال والطمي التي تربى فوقها من ثم إحتضنته مؤخراً …
بعانخي الفريد الملتزم الصارم الجاد، كان أيضاً بشوشاً صانعاً للبهجة محباً للضحك ،،،،، في كل لقاءاتنا ومهاتفاتنا كان يقتبس تحايا الترحاب من تلك المكالمة الشهيرة: إذيك يا البشير ،، ياخي والله أقسم بالله نحن قرفنا منك وقرفنا من يومك ذاته ،، ياخي الكلام دة ما ممكن ذاته يا عمر البشير !!! …..
ثم مودعاً بعد أهمية اللقاء أو المهاتفة: وَدّاد جمبك؟ سلم ليّ، سلم بالله، تحياتنا ليه، آي، قول ليه: خليل، أيوة بس خليل.
هذه الدعابة القصيرة لا يمكن إختزالها بذكرى عالقة، فقد عرفت فريد أخاً جميلاً وصديقاً صدوقاً أميناً منذ العام 2004 في بدايات مسيرتي المهنية ومع ظهور اللبنة الأولى لجمعية دنقلا للثقافة والتراث النوبي ،، كانت رحلة النيل والشراع بداية الرحلة ،، لتمضي بنا الأيام والسنين أخوةً، تواصلاً، عملاً، جيرةً، كان سلوانا وأحد رفاقنا في مختلف الدروب.
هناك من ترعرع معه، ومنهم من زامله قبل وبعد هذا التاريخ من كل ربوع السودان ،، وأجزم يقيناً أنهم جميعاً يكنون له نفس المشاعر وأكثر بلهجاتهم القبلية العريقة، أما ومٍن أرجاء المعمورة على شطي النيل وداخل جُزرها، فقد أبهجوني أهلي البسطاء بوصفهم له ب: أُور ، مَلِن بِتان ، كُقُر ، سِريتُو ، فَنجري ، إلخ… ،،، وتطول خصاله الحميدة …..
لكل من آنس فريد! من المؤكد أن لديه قصصٌ فريدة، ومشاوير وحكايات وونسات وجبنات وصحن واحد ،، ومشاريع مهنية أو فنية أو علمية، منها الحالية ومنها المستقبلية، فلنحفظ العهود ولتكن ذكراه باقية بقدر ما أسهم واعطانا في وجوده ناصحاً مثابراً مبادراً ،،
كيف لا؟ وهو إسمً على مُسمى (فريد)، الفنان المُدرك لكل دلالات الصورة والكلمة، الباحث الشغوف لعلمه وعمله، المحلل للإسفهامات المعقدة والمُستخلِص للإجابات حُجةً وأمانةً فكريةً منطقية.
فريد: في Time out أثناء إجتماع عمل مع كباية شاي في Flashback ببساطة سريرته وبلسانه المُثقل::- يا خينا أسمعني: في حاجات كدة ما بيركب الدُماغ إلا تتخيله من إنت (شافع كبير شوية) في المدرسة ،،، ما زي الزمن دة إنترنت تلقاه قدامك وتشوفه، (كان شُفع الزمن ديل أصلاً يفتشوا شي نافع فيه فايدة للبني آدمين)!
When does the story Treasure Island take place?
Which year did the story begin?
What does the map show?
بعدين يا صحبي عندك.
key of the sea-chest
The letters in the leather packet
الحاجات الزي ديل من نحن شُفع، كان بيخليك مع خيالك تربطه مع بيئتك وجغرافيتك، ولي قدام كان مختوم ختِم في راسنا، ودافع نقوم نفتش ورى تاريخ النوبيين وورى السودان كله ،،، ياخي الخلا حقنا دة مليان دهب وأسرار ومخطوطات وملوك مدفونين بدون خبر! – السودان كله كنوز مفقودة يا شيخنا! ،،،،،،،،،،
رحمك الله يا فريد رحمةً واسعة،
بلغة الوسط: لا نرغب في أن نستحضر مشهداً تراجيدياً لتلك المحطة التابعة لأرض كوش والتي غادرنا منها فريد ،، فما الحياة لنا بعمومها إلا محطات حسيةٌ بصرية، قد يطول إنتظارنا في إحداها وقد تقصر .. إذن! هي ساعة المآل التي لا ريب فيها.
غابت الشمس عليك سليل الفرعون الأسود برداً وسلاماً، ويبقى نقول حاجاتك السمحة.
هي العُشرة يا أخوتي، كثيراً ما تبعثرت المعاني وتداخلت الكلمات وتحشرجت الأحرف لخروجها مجتمعةً في هذه الأسطر، ولن تفيه المجلدات حقه والذكريات ،، إلا أن الثابت ما تتحدث به النفس للنفس في حضرة الفقيد فريد ،، ويبقى التضرع إلى الله أن إجعل قبره وقبور من معه روضةً من رياض الجنة، وأن يسكنهم أجمعين فسيح الجنان ..
كم من عزيز فقدنا! وكم من حبيب فارقنا!
اللهم أرحم موتانا وموتى المسلمين وأجعل مثواهم الجنة.
الباقون اللاحقون! تغاضوا، تهادوا ،،، ثم تحابوا بروح الله، ففي ذلك نور.
إنا لله وإنا إليه راجعون هي حتمية النهايات.

وداعاً فريد.

اخوك رامي سيد أحمد علي

Comments (0)
Add Comment