كنا قد قررنا الانطلاقة إليها في تمام الساعة السادسة صباحاً أمس الأول كرم الله عباس الشيخ وشخصي الضعيف٠هو شيخ علي (طريقته) يأسرك بلطفه وهيبته وتواضعه ومحبته للفقراء والمساكين فقد اجتمعت له خصائص النبوغ والدهاء والصدق والعفة والوضوح والسخاء والحضور الطاغي مع قدرة هائلة في استدعاء الطرفة والحكمة واستجاشة المشاعر يمازح سائقه (ابننا) عثمان مزاح الأصدقاء ويقربه إليه مأكلاً ومشرباً ودعاءً٠هو دأب الرجل في اخلاصه ووفائه لكل الأصلاء الذين تفانوا في خدمته والعمل معه ولذلك لم يكن مستغرباً أن يمضي بي إلي الولاية الشمالية وحاضرتها دنقلا في رحلة بدأها الرجل من باسندة أقصي حدود ولاية القضارف من ناحيتها الجنوبية الغربية مروراً بالخرطوم حين إلتقينا لتبدأ الرحلة إلي دنقلا مشاركين الابن الأثير الحبيب الباقر مصطفي أحد الذين عملوا معه زهاء عشر السنوات كان عنوانا أبرز للنزاهة والطيبة والعفاف والتجرد والصدق والأمانة مقدما نموذجاً من العطاء كله فضيلة كله حب كله التزام فرحته بمناسبة تأهيله علي بنت عمته (سكينة)٠
ولقدرة كرم الله الفائقة علي الحكي الماتع والسرد الجميل الذي تتخلله بعض القفشات لم نمل طول المسير٠
حدثني عن الموسم الزراعي الحالي في القضارف و الذي يمضي إلي شوطه الأخير فشلاً ذريعاً معلناً أن البلاد مقبلة علي مجاعة حقيقية وثورة مكتومة مالم تسارع حكومة البرهان لإنقاذ مايمكن إنقاذه في معالجة قضايا المعسرين بتأجيل مديونيات والتزامات البنك الزراعي ثم الزام البنك الزراعي بتوفير التمويل المناسب مع تحديد سعر تركيزي للمحاصيل٠ أخذته العبرة وهو يصف لي خلو المنطقة الممتدة من جنوب القضارف إلي الخرطوم من أي فدان مزروع وكأن هذا الأمر لايهم الأجهزة الرسمية ملقياً باللائمة علي وزارة المالية التي سحبت أرصدة البنك الزراعي بالولاية في عز الموسم في خطوة تؤكد أن الحكومة تسعي بجد لفرض رؤيتها بعدم دعم الموسم الزراعي لأسباب خفية علي مزارعي القضارف٠٠٠ فالرجل يستشعر حالة الشفقة علي أهل القضارف ومزارعيها ومساكينها وفقرائها الذين يتعرضون لمجاعة محققة حدثني عن قسوة ظروفهم وهم يفتقدون رجالاً في قامة عمر البدوي الذي مثل مؤسسة اجتماعية كاملة عنت بحل مشاكل الأسر والأفراد وسفارة قامت بواجبها المقدس خدمة لانسان القضارف في مشافي الأردن والقاهرة هكذا وصف لي عمر البدوي٠٠ وقيمة هشام التهامي الذي بذهابه من بنك النيل حسب وصفه فقد مساكين و فقراء القضارف أحد أعظم من يقضون حوائجهم بالكتمان هشام عنده من الأولياء الصالحين يألف ويؤلف أقرب الناس إلي المعروف ٠٠٠ وأبدي أسفاً عميقاً عن غياب صلاح إدريس الأرباب القسري رجل من جود وكرم كانت تحتاجه القضارف وكل السودان في مثل هكذا مواعيد يسهم ويبني ويلحق٠٠ غوث الضعيف ومدرج العاطلات ((جودو جود أروش خريف الدالي والمزموم ليت البرهان وحمدتي تفقدا الرجل في جدة))٠
حدثته عن قحط وكيف تخطط ًلصناعة الفوضي وإعادة صياغة جيل من الشباب يتعاطي المخدرات ويدمن (الآيس) ويسئ للجيش وقياداته ويخرب الطرقات ويدعو للتحلل والرزيلة ويرفض أي رقابة أبوية ولو كان هذا الأب هو مناط التقدير والاشراف والرقابة والاحترام٠
اتفقنا علي ضرورة أن ينتفض الاسلاميون من ثباتهم وليعلنوا صرخة تملأ مابين السماء والأرض ضد كل من يريد مسخ هويتنا الإسلامية التي تقوم علي قيم وتقاليد راسخة والاستفادة من قيادة إبراهيم محمود كرجل يتمتع بخبرة مكنته تحصين نفسه ضد علل وأدواء المرحلة من جهوية وعنصرية وقبلية كادت أن تفتك بالسودان٠ قري الشمالية تنتشر مد البصر مع شحوب بائن وواضح بدأ طاغياً علي ملامحها ما جعله ينعش ذاكرتنا بقفشة السياسي المخضرم أروك طون أروك وهو يزور ولايات الشمال ثم القضارف مباشرة مبشراً بالسلام فقد أضحك جماهير القضارف وهو يقول قولته المشهورة: ( والله بعد أن شفتا بؤس وتعاسة الشمالية ونهر النيل قلت ديل المفروض يخشوا الغابة مش إحنا لو كانت لديهم غابات)٠ بالطبع كانت يرد علي طول الطريق لتلفونات المزارعين في سنار وأبو جبيهة والنيل الأزرق ينشدون عنده حلاً ورؤية لأزمتهم الماثلة وخطر فشل الموسم الزراعي وبعض شكاوي ممن قصدوه لحل ضائقة ألمت بهم وأغلبها مشاكل مادية متعلقة بانسان ريف ولاية القضارف التي باتت قراها مهددة ومحاصرة بالجوع توشك أن تقضي عليها المسغبة في وقت تزدحم جوالات الذرة وتتكدس في ديوان زكاة الولاية فقد أبدي تعجبه لاستبطاء الديوان وتردده في توزيعها علي الفقراء والمساكين من أهل الولاية٠
كنا قد وصلنا فأسرع لاستقبالنا خارج الولاية دكتور ياسر بشير مدير شركة سنابل خال العريس وأحد أعيان دنقلا٠
ويممنا وجهتنا صوب عروس النيل كابتود جميلة هي فقد استراحت علي ضفة النيل في جلال وحضور وشموخ وفي زهو وكبرياء فكل شئ فيها يفوح ندي وابهارا وطيبة وأصالة٠٠ فالرجال الذين خفوا لاستقبالنا بقيادة والد العريس مصطفي وخاله مهدي أحمد عاقل مثلوا أصالة إنسان الشمال فقد أحاطونا بشاشة وجادوا علينا باذلين الطعام والشراب والاستقبال٠٠ فقد منحونا بحق نبض شرايينهم حيث الجود قيمة مركوزة فيهم وجبلة هم طبعوا عليها٠
يبدو أن الطبيعة أبت إلا أن تسهم بكرم الضيافة فقد جادت لنا ليلا بنسيم عليل منحنا نومة هادئة مطمئنة هنيئة( تقول لي الخرطوم )؛ لم نستيقظ إلا علي آذان الفجر ينادي الصلاة خير من النوم٠٠
ثم جاءت اللحظات التي توهطت في الذاكرة كأزهي اللحظات ونحن نشهد الاعداد الجيد لفعاليات الزواج الجماعي فعالية باحت بالألق والتميز والترتيب الدقيق والتنظيم البديع رغم العدد الكبير من العرسان من شباب كابتود فقد خرج كل رجال ونساء وشباب وشابات وأطفال كابتود جاءوا من كل فج عميق ليشاركوا هذه الأسر فرحتها فمن الخرطوم جاء أبناء كابتود سعادة العميد الدكتور العالم الصيرفي الحذق عبدالحميد محمد جميل مدير عام بنك أم درمان الوطني فسيرته علي كل لسان في القرية تواضعاً وكرماً وخدمة لأهله وعشيرته بالقرية باذلاً لهم المعروف فقد أدخروه لمثل هذه المناسبة العظيمة فكان سبباً في أن تتم كما خطط لها فهو بحق صفحة مشرقة لرجل مبدع يكفي أن بنك أم درمان الوطني حافظ علي المركز الأول طوال عهده وهو ينجح في إضافة أكثر من ستة عشر فرعا جديدا تنافس كل المصارف الأخرى في تلك المدن٠
وجاء الفريق شرطة حقوقي الشاذلي محمد سعيد معتمد دنقلا السابق والذي كان له دور بارز في إضافة بنيات تحتية لهذه المدينة العملاقة وإحياء كثير من برامج الإحياء الثقافي والرياضي صاحب نفس زكية ملهمة ومروضة علي فعل الخيرات أصر أن يشارك شباب القرية مناسبتهم ويكون بينهم حضوراً أنيقاً ورمزاً للكبرياء والعظمة والمودة المتصلة٠٠
ثم كان اللواء عثمان سرالختم الرمز الهلالي الشامخ الباذخ والذي له تاريخ وبصمة وعرق ويمين في خدمة نادي الهلال العظيم مخلداً نفسه في سجل أعظم إداري كرة القدم نزاهة وحنكة ادارية وتفوقاً وبذلاً٠٠ليت الرئيس السوباط ينتخبه مستشاراً له ومن المقربين٠٠
أرهف الجميع السمع لكلمة راعي الحفل رئيس رابطة أبناء كابتود بالخرطوم رجل الأعمال الفخيم العتيق المعتق مهدي أحمد عاقل فقد كان بحق عاقلاً في كل شئ وهو يتوفر علي نصيب الأسد من اسمه رجاحة عقل وتوازن واتزان يقيس كل شئ بميزان الذهب ويقف علي اللجان وهي تغدو وتروح عزيمة لا تفتر وهمة لا تعرف الانكسار: استقبال الضيوف ، لجان المناسبة، زمان الحفل، تجليس الضيوف، ضبط البرنامج، مراسم العقد، وخطبة الزواج، وجبة الفطور، ،شكر المساهمين، والتذكير بالتحديات واضح أنه أعد نفسه جيداً (جوّد لوحو) لهذا الحفل البهيج٠٠ فقد برع في تقديم ملخص وافر وافٍ لعمل اللجنة العليا حتي خرج هذا الحفل بالصورة المثالية التي أكدت حضارة إنسان كابتود وأصالة وطيب معدنه واناقته والتزامه بالنظام وقواعد البرتوكول٠ مقدماً شكره لضيف شرف المناسبة سعادة اللواء مدير شرطة ولاية الشمالية الذي حرص علي الحضور مبكراً ليشهد كل الفعاليات٠
أتيحت المنصة للاخ كرم الله عباس الشيخ والذي ركز في كلمته الأنيقة المختصرة علي دعوة أهل السودان لاقتفاء تجربة وأثر كابتود في تسهيل وتبسيط الزواج في زمان تحاصر العنوسة البنات وما عادت للأسر أي مقدرة علي الصرف البذخي والترف٠٠ محيياً أهل كابتود علي حسن الضيافة وكرم الوفادة متمنياً للمنطقة كل تقدم وازدهار٠ثمة ملاحظة فرضت نفسها علي وهو جمال ترتيل أهل هذه المنطقة للقرآن الكريم ونداوة أصواتهم سيما الشيخ سلمة عبدالرحمن والذي حبر لنا الآيات تحبيراً وسنقوم بتوزيع مقطع لتلاوته المباركة في الحفل مع هذا المقال٠
مقام يجب أن نحي أهل هذه المنطقة ونتمني من والي الشمالية والذي ذكره أهلها بخير أن يبادر بإعلان تبنيه مشروع تشييد المركز الصحي فانسان هذه القرية يستحق٠٠ فقد أعلن السيد مهدي عاقل ضربة البداية لتشييده قاطعاً علي نفسه العزم بضرورة إكمال التشييد قبل عيد الأضحي المبارك ونتمني من الوالي أن تجد كلماتنا أذناً صاغية عنده لمرفق مهم ولانسان عزيز هو انسان كابتود٠
ولن ننسي أن يمتد بحر عشمنا للسيد البرهان فإن في المنطقة شباب ناقشناهم بجدية حول دعم القوات المسلحة فوجدناهم أكثر تفهماً لدورها ولرسالتها ولعطائها الوافر الثر وتاريخها الحافل المجيد؛ فإننا نطمح منك أن تبادلهم الوفاء بإعلان دعمك السخي٠٠ وسنكون حضوراً بينهم لضربة البداية لهذا الصرح الهام إن سمحت لنا الأقدار٠٠ فأنت بلا شك سيدي البرهان ممن آليت علي نفسك أن تدعم مبادرات وتشجيع الشباب الجادين هاهم شباب كابتود قد جدوا المسير لتشييد المركز في انتظار دعمك فلا تخب رجاءهم فيك٠٠
أيها الناس لابد من كابتود واحة الجود والنبل والكرم ولو طال السفر فما وثقته يد الرحمن هيهات هيهات أن يقطعه طول النوي ومرور الزمان٠٠
ولنا عودة لكابتود فهي تستحق أكثر من كلمة ملونة ومقال