عقب أحداث النيل الأزرق انتقل فيروس الفتنة والصراع القبلي إلى مدينة كسلا شرق البلاد إذ شهدت المدينة اشتباكات عنيفة بين بعض مكونات المجتمع خلفت خسائر في الارواح والممتلكات وسخط واسع وسط السكان، وكشفت الحرية والتغيير بولاية كسلا تفاصيل النزاع الذي راح ضحيته نحو ثلاثة مواطنين وحرق مؤسسات حكومية ورهنت حل النزاع بحصر وتحجم دور الإدارة الأهلية في العمل الاجتماعي ولوقف التفلتتات فرضت حكومة ولاية كسلا حظر التجمهر والمواكب بالطرق والأماكن العامة بأحياء محلية كسلا، وأكد متحدثون لـ(اليوم التالي) أن حل الصراعات القبلية في البلاد عبر تفكيك القبلية وإعادة النظر في قانون الإدارة الأهلية بجانب فرض هيبة الدولة بقوة القانون.
أحداث كسلا
طبقاً للقيادي بالحرية والتغيير بمدينة كسلا عبدالعظيم عبدالكريم في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الأحداث التي شهدتها المدينة خلفت خسائر فادحة في الممتلكات والأرواح في المدينة، وكشف عن مقتل نحو 3 أشخاص بطلق ناري، فيما نقلت السلطات الجثامين إلى مشرحة مستشفى كسلا التعليمي فضلاً عن إصابة أكثر من 15 آخرين بينهم إصابات خطيرة تم تحويلهم إلى مستشفى الشرطة، وتابع: “لم يستطع الأطباء الوصول إلى المصابين خلال الاشتباكات نتيجة لإغلاق الكباري”، علاوة على تهشيم وحرق عدد كبير من السيارات ضمنها سيارة بوكس يتبع لجامعة كسلا، وإجبار المواطنين للدخول والخروج من الشرق عبر “كبري سلام عليكم” الذي يبعد حوالي 18 كم من مركز المدينة، وذكر القيادي بالتغيير كسلا أنه تم تعطيل العمل بالمرافق الحكومية والسوق ما أدى لحالة ترقب لحماية الممتلكات بجانب التأهب المفروض على المواطنين لمنع خروج المسيرات غداً، وأرجع عبدالعظيم الأحداث التي تسببت في حالة سخط عام وسط مواطني كسلا لنظام الإدارات الأهلية وتقاعس اللجنة الأمنية التي لم تحسم الأمر مبكراً وفلول المؤتمر الوطني سيما وأن الأماكن التي تم حرقها مرتبطة بفساد النظام البائد وتضم “إدارة البترول وأمانة الحكومة والمحلية كسلا” وأشار إلى وجود محاولة لجر مدينة كسلا إلى الفوضى بنقل التفلتات إلى السوق المركزي مؤكداً حدوث اشتباك في شارع المليون، ورهن عبدالعظيم إنهاء الصراعات القبلية عبر تحديد دور الإدارات الأهلية وحصره في العمل الاجتماعي والمجتمعي بعيداً عن العمل السياسي حتى لا يتم استغلاله في أغراض سياسية.
مخطط مدروس
وفي السياق ذاته اعتبر القيادي بالحزب الاتحادي الديموقراطي الأصل محمد المعتصم حاكم أن النزاعات التي تحدث في البلاد مأساة حقيقية ومخطط مدروس لخلق فتنة بين القبائل لزعزعة الأمن والاستقرار في السودان الذي أصبح مستهدفاً من دول خارجية وعلى رأسها إسرائيل من أجل تقسيمه إلى دويلات صغيرة والسيطرة على ثرواته، وطبقاً لمعتصم في إفادة لـ(اليوم التالي) قد يفاجأ أهل السودان بإعلان الانفصال التام لشرق السودان بعد أن شرع فعلياً في ذلك بتكوين مجلس تشريعي للولاية دون اهتمام لرأي المركز وقيام دولة وذلك عبر مشروع حق تقرير المصير كحق إنساني معترف به دولياً تسانده الأمم المتحدة وتدعمه على غرار جنوب السودان، وقال إن الحل يكمن في دعوة شيوخ القبائل والعمد في مناطق الصراع لاجتماع عاجل بالخرطوم للمصالحة الوطنية والشروع في تقديم العون الاقتصادي لمنطقة النيل الأزرق التي لم تشهد أي تنمية تذكر منذ أن نال السودان استقلاله وحتى اليوم، وكذلك جنوب كردفان وشرق السودان لتفويت الفرصة عن المستعمر الجديد في تحقيق أحلامه بتقسيم البلاد إلى خمس دويلات صغيرة يسهل السيطرة عليها والاستيلاء على مواردها، وطالب القيادي الاتحادي بضرورة تحريك منظمات المجتمع المدني السودانية نحو مناطق النزاع لتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للمواطنين وتوعيتهم بمخاطر الاقتتال والتبشير بتنمية مستدامة وأكد أن استمرار الصراعات والخلافات بين القوى السياسية يهدد وحدة السودان ويساعد مشروع التقسيم الذي تخطط له دول خارجية، وأشار إلى وجود جهات تدعم الصراعات القبلية عبر الفهم الخاطئ لمحاربة الجيش السوداني وربط تلك الصراعات بالتظاهرات المستمرة في الخرطوم، وأضاف: يعتقدون أن الصراع القبلي يدعمهم في مواجهة المكون العسكري، ودعا القوى السياسية والمدنية ومنظمات المجتمع المدني وشباب الثورة والمرأة، بجانب المكون العسكري بالانخراط الفوري في الحوار الوطني وصولاً لاتفاق شامل يطفئ نيران الفتنة القبلية والإعلان عن تكوين حكومة مدنية انتقالية ذات مهام محددة تجنب البلاد شرور التقسيم والاستعمار الاقتصادي الجديد.
تفكيك القبيلة
فيما يقول خبير فض النزاعات د. نزار ماشا لـ(اليوم التالي) إن أصل الصراعات في السودان هيكلية وليست بالأمر الجديد، فيما يتم التكتم عليها في بعض الأوقات، علاوة على أن السلطات تقوم بإرجاع أسباب أحداث العنف التي تقوم على أساس عرقي إلى تنظيمات سياسية محددة أو أنظمة حاكمة تقوم بإشعال الأمر لتحقيق مكاسب تخصها، وتابع: “ويعود الأمر أيضاً إلى التمييز ومنح الأفضلية لبعض القبائل على الأخرى”، بجانب دخول قضية الأرض التي كانت ذات قيمة معنوية وأصبحت مصالح مادية وغياب قوانين منع التمييز على الأساس القبلي ورهن درء وإنهاء المشاكل القبلية في البلاد بوضع حل استراتيجي عبر مشروع وخطط لتفكيك القبائل وأن يكون الجميع سودانيين والسودان للجميع لجهة أنه لا يمكن قيام دولة مدنية ديمقراطية في ظل التمسك بالقبيلة وذلك لأن القبلية ضد المواطنة إضافة إلى وضع قوانين سريعة لضبط الأمن ومراجعة قوانين الإدارة الأهلية ومنح السلطات دون عزلها عن قضية الأرض وفرض هيبة الدولة بقوة القانون وحظر التجوال مع منع التجمعات وردع من يريد اختراق القانون والقبض على مثيري الفتن والمحرضين سيما وأن النزاعات لم تكن وليدة لحظة.