بدون زعل
لو أنني كنت أبيع طعاما، فى يوم ذى مسغبة، والناس محشورون ضحى، ومع ذلك يزاورون عنه ذات اليمين وذات الشمال، لأعدت النظر فى كل شيئ : طريقة عرضه، طريقة إعداده، السعر المعلن، صياحى ومناداتى، مظهرى العام…كل شيئ. إذ لا يعقل أن يكون الناس جوعى، وأنا الوحيد الذى أبيع طعاما، ولا يقبلون يتخاطفونه.
لا بد أن فى الأمر إن…
شايف كيف؟
وبعض الأسئلة طازجة مثل طالبات الأحفاد..سيدى يا رسول الله…تغريك بالإقتراب، مبتسما، غير عابئ بعامل السن، ” والذى منو”..من هو الأكثر رغبة فى بقاء قادة الإسلاميين فى السجن، إطالة أمد محاكماتهم، واستمرار القوى السياسية الأخرى فى التخبط المهين؟
ليس الحزب الشيوعى، قطعا…ولا لجان المقاومة..ولا الشباب المتصبب عرقا، لابسا دروعا خشبية، ينازل الشرطة فى وضح النهار، فى كوميديا سيئة الحبكة والأخراج..
الحزب الشيوعي، الذى يحتفل بذكرى ١٩ يوليو، وهو إنقلاب عسكرى كامل الدسم، تاريخيا، فى ذات الوقت يسوق الغوغاء لمناطحة إنقلاب عسكرى راهن، دون أن يطرف له جفن شك فى موقفه، يعرف أن صاحب المصلحة الأكثر فى المشهد الراهن هم الأسلاميون. فالحزب العجوز أكثر حساسية لدبيب أقدام رجال المخابرات….والسياسة الراهنة، حول العالم ترسمها تفاهمات رجال المخابرات، ذوى الملابس المدنية الأنيقة، المعطرين، الذين يجالسونك فى “أوزون”، يحدثونك عن ضرورة ” التحول المدنى”، فيما ينفثون دخان سجائرهم، ويخفون مسدساتهم، جيدا.
شايف كيف؟
هؤلاء لا يعنيهم ” العرق المتصبب من الشباب، المدرعين بالخشب”…يتحاشونهم..كما يتحاشاهم سائقو المواصلات العامة، والذاهبون إلى أشغالهم فى سياراتهم الخاصة، أو العائدون..
لا تنتبه لجان المقاومة إلى أن “تحاشى” هؤلاء جميعا ” للفعل الثورى” هو عزوف عن بضاعة تالفة، والناس جياع..لتقوم بطرح الأسئلة المنطقية.
يتفاهم الإسلاميون مع ” الرجال الأنيقين” فى بزاتهم الزرقاء، لترتيب المشهد. والإسلاميون هؤلاء، ليسوا أولئك الذين ” يعكفون على حفظ القرءان فى السجون”، فى الوقت الراهن..أو يتدالون تفاسير سيد قطب، و يستعيدون ” إحياء علوم الدين” للغزالى..فلا فرق بين أولئك ولجان المقاومة، فى نظر الإسلاميين الآن. ذلك أن نهاية التسعينات كانت قد شهدت مذكرة شهيرة هى ” مذكرة العشرة”، والتى كانت بداية لحقبة جديدة من تفكير وفهم الاسلاميين ، ستمضى إلى أن تعتبر من قادوا المفاصلة فى ١٩٩٩م، كلاسيكيين، بدرجة لا تقل عن الترابى، وبالتالي، فبقاؤهم فى السجون ضرورى لإرساء دعائم طريقة التفكير والتعاطى الجديدة.
شايف كيف؟
فى الوقت الراهن، فإن أجدر من يمكنه أن يتحدث لغة الرجال الأنيقين، ويتفاهم معهم هم أصحاب ” مذكرة العشرة” تلك، والأجيال الأكثر حداثة منهم من الاسلاميين. إذا نظر العارضون بضاعتهم، أطعمتهم البائتة اليوم، والناس جوعى، لوجدوا أن العالم ، والمنطقة حولهم لا تستسيغ ” الفعل الثورى” فى طعامها..تلك مشهيات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، ربما حتى أواسطه..لقد تغير المزاج والمقبلات وطرائق تشطير اللحم..يمكن لمحمد بن سلمان فى المملكة العربية السعودية أن ينقلها سنوات، على طريق الحداثة، دون أن يحرق إطارات فى تقاطع شارعين فرعيين فى أى بقعة فى المملكة..ودون أى ديمقراطية، أو تداول سلمى للسلطة. كما يمكن لتركيا، إيران أن تدخلا فى تحالفات وتفاهمات مع روسيا، الصين، اليابان، دون أن تتعرضا لنقاشات حارقة حول سقيفة بنى ساعدة، وما بعدها…فالشيعة شيعة، والسنة سنة، غير أن ثمة ممرا آمنا لكليهما فى عالم تتجاذبه الكوارث الكبرى.
شايف كيف؟
تعرف ” قحت” أنها لم تعد سلعة جاذبة للإقليم والعالم. وأن صنم الديمقراطية الذى يتهاوى فى العالم، لم يعد الحديث عنه يقربها من ” الرجال الأنيقين”. ويبعدها أكثر من ” الشباب المتصبب عرقا، مدرعا بالخشب”. فيما “ينجز” ” ثورته” ب ” الاشتباك ” مع شرطة مكافحة الشغب. ولذلك تبدو ” قحت” فتاة فى نهاية الثلاثينات، فاتها تكوين أسرة وإنجاب أطفال، وضعها حرج للغاية…تظن أن كل شيئ قدح، وكل شخص هو الساقي…فيما تزداد عصبية وتوهانا.
الذاهبون والآيبون من أشغالهم فى السوق الشعبى، موقف جاكسون، الميناء البرى وغيره، يسلك بهم سائقو المواصلات طرقات بديلة عن تلك التى يترسها ” الشباب المتصبب عرقا”، أو يشعلون فيها الإطارات..يفعل سائقو المركبات الخاصة الشيى ذاته..ريثما ينفتح ” ما بقى ” من طريق أسفلتى، غدا، أو بعده…ينام أفراد شرطة الاحتياط أو مكافحة الشغب، بعد ” يوم عمل ظريف ومسل”، فيما يحتفل ” الثوار” بانتصارات على صفحات فيسبوك، تزينها صور عالية الجودة..كل ذلك، دون أن ينتبه طباخو الثورة إلى أن ” الشعب السودانى” ، هو الآخر، لم يعد يستسيغ هذا الطعام..وإلا لما سلك طرقات بديلة إلى أشغاله الشاقة، و ” نيران مطبخ الثورة” ترسل من القدور روائح الطعام الشهى.
شايف كيف؟
وكما قال د. جون قرنق ” كلموا أخوات نسيبة يزيدوا ملح بتاع السامبوكسا دا شوية”، وحرب الجنوب ملتهبة، كناية عن أننا نأسر أو نقتل المجاهدين ونستمتع بزاد المجاهد الذى تعده أخوات نسيبة، فإن على الكنداكات أن يفعلن شيئا أفضل من هذا الطعام المعروض، لعل ” الشعب السودانى” الجائع ل ” المدنية” يتهافت ليعمر المائدة المفتوحة فى حديقة السودان المشذبة الأغصان ، المنسقة الورود.